كلامه فى السياسة أكثر من كلامه فى الفن، مهموم بإعادة صياغة مجتمع عربى يتمتع بكامل حقوقه بعد معاناة عاشها فى ظل حكم ديكتاتورى كتم على أنفاسه عشرات السنين، ومهموم أيضا بصناعة سينما حقيقية تؤرخ لما مضى وتستشرف مستقبلا أفضل، يسرى نصر الله مخرج اعتاد أن يكون مثيرا للجدل، فالثناء على أعماله يرتبط باتهامات كلما شغل نفسه بها، وها هو الجدل يستمر حول فيلمه الأخير «بعد الموقعة» الذى شارك فى مهرجان كان السينمائى الدولى وشاهده النقاد فى عرض خاص الأسبوع الماضي، الحوار التالى بمثابة وقفة ليست طويلة مع يسرى نصر الله أمام فيلمه الأخير.. لماذا اخترت أن تكون بدايتك بعد الثورة بفيلم “بعد الموقعة"؟ بعد الثورة مباشرة كانت لدى رغبة فى عمل فيلم تسجيلى عن الثورة، خصوصاً أن عمل عن الثورة نفسها لن يكون صادقاً لأن نتائجها غير مكتملة، وبالفعل وجدت الفكرة عند المؤلف عمر شامة، وعملت عليها وبدأنا فى إضافة بعض الأحداث حتى ظهر الفيلم بالشكل النهائى، وفى الوقت نفسه فضلت أن يكون هناك خط إنسانى يربط بين الأبطال. أنت متهم بتبييض وجه صناع موقعة الجمل الذين قتلوا الثوار؟ كيف أتهم بذلك وأنا موجود فى الميدان منذ الأيام الأولى للثورة؟ لكن وجدت أن هناك لغطا كثيرا ضد سكان نزلة السمان الذين جلست معهم وناقشنا ما حدث وأرادوا الدفاع عن أنفسهم بعدما اتهمهم الإعلام بأنهم بلطجية رغم أنهم يعملون فى السياحة وتم تحميلهم مسئولية موقعة الجمل، فحاولت فى الفيلم أن أبحث عن مسئولية كل طرف وقد شارك معنا أناس حقيقيون، ليس معنى ذلك أنهم لم يخطئوا لكنهم يتحملون بعض المسئولية، خصوصاً بعد خروجهم من ميدان مصطفى محمود ووصولهم إلى ميدان عبدالمنعم رياض، لكن أن نحملهم المسئولية كاملة فهذا ليس عدلاً وعلى الأقل لابد أن نسمعهم. ما سبب الهجمة الشرسة التى واجهت فيلمك أثناء عرضه فى مهرجان “كان"؟ سعيد بعد اختيار الفيلم داخل المسابقة الرسمية لواحد من أهم المهرجانات فى العالم، وسبب السعادة أن مصر ستعود للمسابقة بعد غياب أكثر من خمسة عشر عاماً وبفيلم عن أحداث ثورة يناير، لكن أثناء وجودنا فى “كان" فوجئت بأحد الصحفيين الإسرائيليين يقول إن الفيلم سيعرض فى إسرائيل، وسألنى هل سيسبب ذلك مشاكل معينة لعملى كمخرج فى مصر؟ ولا أخفى عليك أن هذه اللحظة مرت وكأنها ساعات طويلة فقد شعرت أنه يريد أن يستدرجنى لحفرة ويخرجنى من جو الفن لمعترك اللعبة السياسية بأبعادها الخبيثة حتى يفسد فرحة المصريين بدخولهم المسابقة الرسمية للمهرجان، فكان ردى الفورى أن العقد يمنع عرض الفيلم هناك وعندما ألح بالسؤال وجدتها فرصة أن أرد عليه لعبته، وقلت إننى لا أقبل التعامل مع إسرائيل لأنها تحتل الأراضى الفلسطينية وتقتل الأبرياء فلم ينطق هذا الشخص بكلمة وفوجئت بتصفيق حاد داخل القاعة. لكن عقد إنتاج الفيلم به شريك يهودى؟ قصة إنتاج الفيلم بدأت بعد التنحى بأقل من شهر، وأخذت عملية التحضير نحو ثلاثة أشهر وبدأنا التصوير ثم جمعتنى جلسة مع صديق فرنسى هو “جيروم كليمان" المدير السابق لقناة arte ، وعرض الدخول فى إنتاج الفيلم وبالفعل شارك الجانب الفرنسى ببعض التقنيات ورحبت الشركة المنتجة فى مصر بهذه الشراكة، خصوصاً أن له تجربة معى فى إنتاج فيلم “باب الشمس"، لكن ما استند عليه الآخرون هو أن “جيروم كليمان" له شريك فرنسى يدين باليهودية، فهل نحن ضد الديانات السماوية؟ بالتأكيد نحن ضد الصهيونية بكل أشكالها لكن لسنا ضد الديانات السماوية، ولن أذيع سراً إذا قلت إن هذه الشركة تعرضت لهجوم حاد وغير مسبوق وصل إلى اتهامها بمعاداة السامية عندما وزعت فيلم “باب الشمس" الذى يناصر القضية الفلسطينية داخل دور العرض الإسرائيلية، والأهم أن العقد المبرم بين الطرفين يعطى الشركة المصرية حق توزيع الفيلم فى منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل، فهل ستأخذ الشركة هذه الخطوة ؟ بالتأكيد هذا مستحيل. كيف تنظر لمستقبل الفن فى مصر فى ظل الوضع الحالى؟ أعلم أن هناك كثيرين متخوفين من صعود التيار الإسلامى والقضية التى رفعت ضد الفنان عادل إمام وسب بعض الفنانين والمناداة بشكل مختلف للفن، لكن حتى الآن لم يحدث شىء فى هذا التغيير، لذلك أنا فى حالة ترقب ولدى قناعة بأن بلدا مثل مصر لن يستطيع أحد مهما علت قوته أن يمنع الفن فيها لأن الفن المصرى موجود من أيام الفراعنة وشارك فى كل الثورات التى حدثت فى مصر على مر العصور، لذلك من المستحيل هدم هذا الكيان الثقافى الفنى بسهولة. ما الجديد عندك فى الفترة المقبلة؟ أنا فى مرحلة كتابة فيلم جديد لن أفصح عن تفاصيله الآن، لكن الأهم أنى مستمر فى التحضير لأنى متفائل بالمستقبل.