عندما التقى الدكتور محمد مرسى مثقفى ومبدعى مصر، فوجئ الجميع بصدور بيان يحمل عشرات التوقيعات ممن أطلقوا على أنفسهم اسم «المثقفين الإسلاميين» لينددوا بلقاء مرسى مع المثقفين الذين وصفوهم فى بيانهم ب «اليساريين والعلمانيين» واصفين أنفسهم فى الوقت ذاته بأنهم «ذوى القربى» ! ، وبالتالى فهم أولى بلقائه، بالطبع لسنا بصدد التعليق على البيان أو معرفة آراء المثقفين فيه، ولكن هذا البيان وضع خطا عريضا تحت مصطلح «مثقف إسلامى» ليطرح سؤالا عن ماهية هذا المثقف وهل هو موجود أم لا ؟ الروائى إبراهيم عبد المجيد بدأ حديثه بتعريف معنى المثقف الإسلامى فقال:«إذا كان إطلاق لقب مثقف إسلامى على من يبحث فى الشئون الإسلامية بمعنى أنه مفكر إسلامى يبحث فى تاريخ الإسلام أو فى الفقه الإسلامى، فليس هناك مانع من وضع هذا التصنيف، ولكن أن يصبح هذا المثقف أو المفكر الإسلامى هو المسلم والمؤمن الوحيد لمجرد أنه إسلامى، وماعدا ذلك من المفكرين غير الإسلاميين يصبحون كفارا, فهذا هو المرفوض شكلا وموضوعا. المشكلة لدينا فى مصر أن من يطلقون على أنفسهم مثقفين إسلاميين يتصورون أنهم يفهمون كل شىء برغم أنهم أبعد ما يكونون عن الثقافة فالثقافة فى مصر هى الأدب والفن والإبداع، هذه روح مصر الحقيقية والذى يريد أن يصنع أدبا مختلفا فليفعل ما يريد ولكن لا يجبر الجميع على السير وراءه، ليس هناك من يمتلك الحقيقة فى الأدب، أما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين الإسلاميين، فيتصورون أنهم يمتلكون الحقيقة وهم الذين يستطيعون كتابة الأدب فى مصر وأنهم هم البداية والنهاية، وهذا الكلام لا أساس له من الصحة. يؤكد عبد المجيد: من حقهم أن يعترضوا لكن بدون إهانة أو توجيه شتائم لأنها تخرج فى النهاية من رجال دين وشيوخ، كيف لى أن أتخيل أن رجل دين يصف الناس بالغجر ؟!. سألنا الروائية منصورة عز الدين أيضا عن ماهية من يسمون أنفسهم بالمثقفين الإسلاميين، فقالت: هناك بالفعل من يصنفون أنفسهم بل ويصنفهم الآخرون كمثقفين إسلاميين بالنظر إلى أن مرجعياتهم الثقافية هي الثقافة الإسلامية، والملاحظ أن كثيرين ممن يدرجون أنفسهم تحت هذا التصنيف يركزون بالأساس على مسألة الهوية وينادون بإقصاء المختلفين عنهم. التركيز المبالغ فيه على الهوية يعبر في رأيي عن وعي مأزوم منعزل وغير قادر على الانفتاح على العالم المتنوع. وإذا كان من الممكن تقبل تصنيف المثقف الإسلامي على مضض ومع كثير من التحفظات، فإن هذا التصنيف يغدو مرفوضاً تماماً فيما يخص الإبداع، فالإبداع بطبيعته ضد التصنيف. هل قرأتِ البيان الذى أصدره هؤلاء المثقفون ردا على لقاء مرسى بالمبدعين؟ قرأت واندهشت مما يحتويه من ميل للإقصاء والرغبة في التقرب من السلطة والحصول على غنائم، وإدانة للمختلفين، وهي أشياء بعيدة تماماً عن معنى الثقافة الحقة. الكاتب أحمد الخميسى لم يزعجه السؤال كما تخيلت، لكنه راح يشرح بدقة من أين أتت كلمة ثقافة إسلامية فقال:"نعم في مرحلة ما كان هناك ما يسمى “حضارة إسلامية" وليس ثقافة إسلامية، وكان ذلك التعبير يشمل كل البلدان التي ساد فيها الإسلام قبل تكون القوميات، لكن مع تكون القوميات اختفى ذلك المفهوم، وبقى منه ما يخص التاريخ. والثقافة بمعناها الأشمل لم ترتبط على امتداد تاريخها بالدين، بل كانت تتفاعل مع بعضها البعض بغض النظر عن الدين لتشكل في نهاية الأمر تيارا إنسانيا عالميا، وإذا أخذنا بمعيار الثقافة الدينية لأصبح المصباح والراديو والسينما والمسرح وكلها اكتشافات أوروبية - ثقافة مسيحية!. والآن فلننظر من هو “ المثقف الإسلامي “ من وجهة نظر أصحاب تلك الدعوة، إذا وضع ذلك المثقف مسرحية فإنه سيكون قد استفاد من كل تاريخ المسرح العالمي بكل كُتابه على اختلاف دياناتهم ، وإذا ألف رواية سيكون قد استفاد من شكل الرواية الوافد إلينا، أقصى ما يمكن قوله عن ذلك المثقف إنه يحمل رؤية دينية، لكن هذه الرؤية لا تخلق ثقافة إسلامية، وهي أيضا لا تخلق أشكالا فنية، لكنها محاولة لمد النظرة الدينية إلي مجالات لا علاقة لها بها. أخيرا- يقول الخميسى- لابد من القول إن الثقافة ترتبط باللغة وليس بالدين، هناك ثقافة عربية لأنها تقوم على اللغة العربية، وثقافة فرنسية مرتبطة بلغتها، أما الحديث عن ثقافة إسلامية، وبالتالي أخرى مسيحية، فهو نوع من الهراء السخيف ومحاولة عاجزة للتمايز . ليس هناك ما يسمى «مثقف إسلامي» هناك مثقف مصري، أو بريطاني، أو إيطالي، ينتمي كل منهم لقومية محددة». وتنفى الكاتبة أميمة عز الدين المسألة شكلا وموضوعا بقولها: ما نحاول تصنيفه يشبه تعليب الثقافة وتأطيرها، بحيث يخدم أهدافا معينة وإن كان الغرض هو إصباغ شكل دينى محافظ على الدولة فهو بالتأكيد بداية لانهيارها، الإسلام أكبر من أن نختزله فى مفاهيم بشرية ضيقة محدودة الأفق، لماذا يتخيل البعض أننا نعيش فى ضلال ووجب عليه هدايتنا لطريق الحق، أرفض تماما أى وصاية أو محاولة لتحجيم الإسلام فى مصطلحات تصب فى مصلحتهم الشخصية". وجاء رد محمود سلطان، رئيس التحرير التنفيذى لجريدة «المصريون»، مخالفا لكل التوقعات، إذ برر سبب ظهور هذا المصطلح بأنه جاء كرد فعل على بعض ما يسمى بالإبداع الذى يناهض الهوية القومية والوطنية التى يقوم أساسها على العروبة والإسلام. ويشدد سلطان على عدم وجود مصطلح أدب إسلامى أو ليبرالى أو نسوى أو علمانى، وهذه المصطلحات لا علاقة لها بالأدب، وتأتى فى إطار الصراعات والتجاذبات الأيديولوجية، وبالتالى فهى أبعد ما تكون عن مفهوم الأدب، فأى عمل أدبى جيد يفرض نفسه على الرأى العام، أكبر دليل على ذلك هو أنه لا يستطيع أحد نسيان ما كتبه نجيب محفوظ ولا طه حسين ولا توفيق الحكيم ولا أمل دنقل، فالعمل الإبداعى الجيد سواء كان صادرا من شخص ليبرالى أم إسلامى أم يسارى يفرض نفسه على الجميع حتى المختلفين مع كاتبه.