"كرستين ماكفرسون" التي تفضل أن يطلق عليها الناس لقب الفتاة الطائرة، هي بطلة فيلم المخرجة والكاتبة والممثلة "جريتا جاروين" فيلم ladybird الذي قد يكون قالباً للأفلام الشخصية التي تعبر عن راويها ومخرجها، فجريتا جاروين البطلة عاشت مراهقتها في نفس الفترة التي تعيشها البطلة 2002 حيث كان المجتمع الأمريكي متأثراً بوقائع 11 سبتمبر، والمخرج الذكي يطلعنا على الفيلم منذ اللقطة الأولى وهي لكرستين وماريتون(والدتها) نائمتان وجهاً لوجه. الفيلم يتحدث عن علاقة أم بابنتها حيث تتجلى سرجيا رنون بتجسيد كل صفات المراهقة النمطية دون تسطيح أو مبالغة فتكسب الصفات المألوفة لدى المراهقين كالثورية والرغبة في الاختلاف وأن تكون محط الأنظار تكسبها سرجيا وانون أداءها الشخصي والذي يحدها ويجعل لها صفات دائرية خاصة وككل رواية ناجحة يجب أن توجد شخصية محورية مرآة البطل التي يرى فيها أفعاله ويقيمها. وبالطبع فالفيلم يتحدث عن علاقة الابنة بأمها فتلك الشخصية ستكون ماريتون(الأم) التي نجد فيها العكس تماماً من صفات الابنة كرستين المنطقية والعقلانية والاستقرار الداخلي والتي أدتها لوري ميتكالف بإتقان يجعل الشباب يراجع نفسه أمام تلك الصفات والأقوال التي يمقتها كثيراً وعبر الحوار وترتيب المشاهد نرى ما اقتادها لهذا السلوك ونرى أن الأسئلة عن النظافة الشخصية والمذاكرة هي مجرد جسر رقيق للتواصل يصنعونه كحيلة ليقتربوا بها من أبنائهم. إن شخصيات الفيلم كالماء والنار فهل يصنعون من هذا الاحتدام أرضاً؟ الأب والذي يجسد دوره تراسي ليت لم يكن شخصية محور اهتمام وهو الشخصية التي تحاول إرضاء ابنتها بكل الطرق، لكن ابنتها دون أن تعي تتسبب في اكتئابها الحاد حيث يشعر بأنه أقل مما تريد ابنته فكرستين تشعر بحرج في أن يأخذها من المدرسة، فضلاً عن طلبها للمال ورغبتها في أن تبيت في بيوت أصحابها الأغنياء في العيد وترك ولدتها وهذا لا يجرح أباها فقط لكنه هو من يمتلك صفة الكتمان، أما أمها فتضيء لها الطريق لبشاعة أفعالها التي لم يكن جرحهما الهدف منها. الفيلم يكمن صراعه هنا داخل كرستين ماكفرسون نفسها، إما أن تقبل بأن تكون كرستين ماكفرسون من سكرمنتو في مدرسة راهبات من أسرة مكونة من أب وأم ميسوري الحال وابنين متبنيين أو أن تكون الفتاة الطائر صاحبة دور البطولة في المسرح المدرسي التي تقيم علاقات عاطفية مع الأولاد الأغنياء ومحط الأنظار من الفتيات الأخريات وأن تتعلم في نيويورك حيث "يعيش الكتاب في الغابات" كما تقول كرستين. ومنذ اللحظة الأولى ونحن نعلم بهذه الرغبة الملحة للبطلة حيث يدور حوار بين كرستين ووالدتها حول هذا وتشير الأم باستياء لهذا الطموح الغريب لديها لكسر والديها وهجرهما مقابل أن تعيش وسط المثقفين ولعدم رضى الفتاة الطائر بذلك تقرر أن تلقى بنفسها من السيارة. إن البطلة هنا تقع في مشكلة إثبات الهوية، ولديها صديقتها المقربة جولي ستيفانز التي تجسد شخصيتها بيني فلدستين وهو اختيار ذكي للدور من حيث الطبيعة البدنية للشخصية فهي بدينة وغير مقبولة اجتماعياً من الكثيرين ويضعها هذا في خانة تنصل، إذا وجدت البدائل لكرستين وهو ما سيحصل بالفعل بعد فترة . أما الآن فالصديقتان ستقيمان عرضاً لمسرحية جورج كوفمان Merrily We Roll Along في المسرح المدرسي وهما من ستختاران المتقدمين للعمل في المسرحية، وهنا يظهر دانى أونيل الذى يجسده لوكس هدجيس المرشح للأوسكار السنة الماضية وهو يجسد شخصية الفتى اللطيف الجذاب الهادئ والمتزن والأهم من كل هذا الغني حيث تفضل كرستين أن تحضر عيد القديسين في منزل جدته الكبير، تدخن السجائر لأول مرة مع أصدقائها، عن أن تقضيه مع عائلتها حيث وسعت دائرة عدم الاتفاق بينها وبين والديها أكثر فأكثر وزاد إيمانهما بعدم فخرها بهما بعد العرض المسرحية تكتشف أن دانى غير مرغوب اجتماعيا، وبالتالي فإن كرستين لا تملك حبيباً من المرغوبين اجتماعياً وتملك صديقة وحيدة من غير المرغوبين اجتماعيا أيضا، فهل تذهب من سكرمنتو إلى نيويورك بهذا الصيت؟ "ليدي بيرد" على قائمة الانتظار في جامعة نيويورك وهى بالطبع لم تخبر أبويها بذلك حيث لا تعتقد - و هي على حق في ذلك - أن الخبر سيكون مصدر بهجة، لذا تفكر في حياتها هل تريد حقاً أن تكون صديقة لفتاة محبوبة وحبيبة لشاب محط أنظار الجميع، وفى انتظار جامعة نيويورك، تجد كرستين أن أفضل ما يمكن أن تقدمه لنفسها قبل أن ترحل من سكرمنتو إرضاء من حاولوا إسعادها وإن لم يملكوا الكثير، وتسافر كرستين إلى نيويورك وهنا تقابل شابا ويظهر التغيير لديها، حيث تعرف نفسها لأول مرة ككرستين وليس الفتاة الطائرة، لكنها تسقط فجأة وتذهب إلى المستشفى، و ينتهى الفيلم برسالة كرستين لأمها حيث تخبرها: "هل أحست بعاطفة تجاه سكرمنتو حينما جاءت إليها أول مرة؟" كرستين الفتاة التي تدور حول نفسها ولا تفكر في شيء آخر تحولت عبر تلك الرحلة إلى شخص يتفهم معطيات الحياة ويدرك أن الاهتمام والوقت هما جزءان أساسيان من الحب وأنها الآن شاكرة لكل ما قدمه الأبوان والمدينة البسيطة لها. الفيلم تم ترشيحه لخمس جوائز أوسكار: أفضل فيلم، أفضل ممثلة فى دور رئيسى لسيرجيا رونان، أفضل ممثلة فى دور مساعد للوري ميتكالف، أفضل مخرجة وأفضل نص سينمائى أصلى لجريتا جيرويج، الفيلم من إخراج وكتابة جريتا جيرويج والتى تعد أول ترشيح نسائى لجائزة الإخراج منذ كاثرين بيجيلو عن "خزانة الآلام".