نبيل فهمى، سفير مصر السابق فى واشنطن، وعميد كلية الدراسات العامة بالجامعة الأمريكية، يفتح الصندوق الأسود فى العلاقات المصرية الأمريكية فى زمن الإخوان، ويقول: إن سياسة واشنطن غير واضحة المعالم، وإنها لن تساعد مصر كما يتصور البعض اقتصادياً وقت الانتخابات الرئاسية بين أوباما مرشح الحزب الديمقراطى، وبات رومنى مرشح الحزب الجمهورى، وأننا أخطأنا حين رفضنا القرض الدولى فى السابق وقبلناه الآن بشروط مجحفة، والدول الصناعية تعاملت معنا بأسلوب التاجر وليس المستثمر، أما عن الملاحق الأمنية فى اتفاق كامب ديفيد ففى حاجة إلى تعديل. أمريكا كدولة عظمى لمدة عشرين عاماً أخرى على الأقل لحين ظهور قوى أخرى، ستتعامل مع مصر بمنظور مختلف، وعلى أساس الواقع الجديد، والتعود على الوجود القوى للتيار السياسى الإسلامى، والذى بدوره عليه أن يتعود على كيفية التعامل السياسى داخلياً ودولياً وإجراء اتصالات قد تكون مع أطراف غير متوافقة معها للدفاع عن المصالح المصرية، ومن ينفى أن التيار الإسلامى ليس جزءاً من المعادلة فى مصر فهو مصاب بالعمى. يبدو أن هناك تخبطاً حول كيفية التعامل مع مصر الجديدة داخل الإدارة الأمريكية والكونجرس، فهل تتفق معى فى ذلك؟ أتفق بالطبع معك، فهناك تخبط لربما يكون أحد أهم أسبابه هو العام الانتخابى فى الولاياتالمتحدة. ولكن ذلك السبب متكرر كل أربع سنوات ولا يعقل أن يظل حجة للتخبط خصوصاً أن الانتخابات للكونجرس وغيرها مستمرة دائماً فى الولاياتالمتحدة؟ نعم هو أمر غير مقبول من دولة كبرى أن يحدث تخبط كلما كانت هناك انتخابات، ومع هذا فلا يجب أن نضع اللوم كله على الطرف الآخر، فالدول الصناعية كلها بعد ثورة يناير وعدت بتقديم مساعدات كثيرة، وكان هناك عرض من صندوق النقد الدولى وكان مطلوباً منا تقديم برنامج اقتصادى واضح، لكننا لم نفعل، أرجو أن أكون مخطئاً، ولكنى أستبعد جداً أن تتخذ الإدارة الأمريكية حالياً قرارات جوهرية فيما يتعلق بالمساعدات أو إلغاء الديون فى الأشهر القليلة قبل الانتخابات، ولكن ذلك قد يتم بعد الانتخابات فى 6 نوفمبر المقبل، وهذا سيرتبط بأداء الحكومة المصرية من حيث الأداء الاقتصادى السليم ووجود توافق سياسى حول القرارات الاقتصادية حتى يساعد هذا التوافق على جذب الاستثمارات الأجنبية والمساعدات، كما أن أغلب المساعدات التى تم الإعلان عنها فى الشهرين الماضيين مرهونة بفترة زمنية قصيرة بهدف تقييم الموقف بعد الأشهر القليلة المقبلة من حيث أداء الحكومة واستقرار الأوضاع. ولكن هناك مماطلة كبيرة فى تقديم المساعدات الأمريكية التى وعد بها الرئيس أوباما فى 19 مايو 2011، وحتى الآن لم يصل منها دولار واحد، فما أسباب ذلك؟ ألقى اللوم على العالم الصناعى بأنهم ينظرون لمصر بعين التاجر وليس المستثمر خصوصاً أن مصر موقع استثمارى هائل ومربح للغاية، ولكن فى الوقت نفسه فإننا نغير مواقفنا وأحياناً ما تخرج أصوات تشير إلى أن القرض «ربا» وتسميه مصاريف إدارية، وكلها أمور غير مقبولة، فالمفروض أن نكون صرحاء مع أنفسنا، فمصر فى حاجة لقرض صندوق النقد الدولى برغم أنى لا أميل لمثل هذه القروض، ولكننا أخطأنا عندما تأخرنا فى قبول القرض لأن الشروط الاقتصادية الموضوعة كانت أقل قبل ذلك منها الآن. هل تسعى أمريكا لتأجيل المساعدات والضغط لتأجيل تقديم القروض من الهيئات المانحة لممارسة ضغوط اقتصادية على مصر لأهداف سياسية؟ ممارسة الضغوط أداة موجودة من أدوات العلاقات الدولية، ولكنها غير محببة ويجب أن نضع الأمور فى نصابها الصحيح، ففى بداية الثورة قيل إن الولاياتالمتحدة تؤيد الإخوان والآن يقولون إنهم يضغطون عليهم ويتآمرون فكيف يستقيم ذلك؟ الأمريكان يضغطون على التيار الإسلامى والمدنى أيضاً لأنهم يحاولون وضع مصر فى مكان معين أى أن تنمو وتزدهر إلى حدود معينة لا تتجاوزها، كما أن الرئيس مرسى اتخذ مواقف استقلالية فى مجال السياسة الخارجية حتى الآن لا تصل بعد لدرجة أن تقلق الغرب، ولكنها قد تقلق إسرائيل، والدليل أن واشنطن أيدت ما طرحه مرسى فى خطابه فى طهران، فهم يريدون مصالحهم وعلينا نحن أن نتعامل مع الواقع دون مبالغة فى نظرية التآمر ودون التهوين فى الوقت نفسه، مما يجرى حولنا، ومصر ليس أمامها خيار إلا التعامل مع الخارج لأن موقعها واعتمادها على استيرداد مصادرها الحيوية مثل الغذاء والتسليح يجعلانها مجبرة فى التعامل مع الخارج والتنويع فى علاقاتها مع العالم حتى لا يستطيع أى طرف أن يمارس ضغوطاً يكون أثرها غير مقبول أو يمس المصالح المصرية. ولكن ما الذى يشجع الصين على مساندة مصر وإغضاب واشنطن؟ الصين لديها احتياجات اقتصادية وأخرى خاصة بالطاقة ولهذا لابد أن تنتشر دولياً، وهى تحصل على جزء كبير من مواردها من الطاقة من دول الخليج ولديها علاقات قوية مع إفريقيا التى تمتلك أعلى معدلات نمو اقتصادى مقارنة بأى قارة أخرى، وهى ساحة مفتوحة للشركات الصينية، وتستطيع التنافس بكفاءة عالية حول الأسعار للمنتجات، ولهذا فمن الطبيعى أن تنتشر الصين عالمياً، ومصر دولة مؤثرة فى محيطها الإقليمى والخليجى والإسلامى والإفريقى. كما أنه من الطبيعى أن تهتم مصر بالصين وهى ليست بديلاً عن طرف آخر، والمقارنة بين العلاقات مع أمريكا والصين بها جزء كبير من السذاجة، والاتفاقات التى تم توقيعها أثناء زيارة مرسى إلى الصين تمثل رسالة لإعلان النيات والرغبة للتعاون. وأعتقد أن زيارته للصين كانت خطوة سياسية واقتصادية سليمة، وبالطبع فإن الصين ليست بديلاً بالنسبة لمصادر السلاح مثلاً عن الولاياتالمتحدة، ولكن التنويع مطلوب. ما أسباب اللغط الذى حدث حول زيارة مرسى إلى واشنطن ونيويورك فى الأيام الماضية؟ لقد تم الإعلان فى مصر عن دعوة موجهة من الرئيس أوباما للرئيس مرسى لزيارة الولاياتالمتحدة لحضور اجتماعات الأممالمتحدة وهو غير صحيح لأن بان كى مون، أمين عام الأممالمتحدة، هو الذى يوجه الدعوات للرؤساء وليس أوباما، كما تم الإعلان عن زيارة مرسى لأمريكا بعد لقاء بيل بيرنز، نائب وزير الخارجية مع المسئولين فى مصر على الرغم من أن هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية، كانت ستزور مصر بعدها بثلاثة أيام، وكان من الأحرى أن تعلن هى عن الدعوة، وعادة ما يلتقى الرئيس الأمريكى بعض الرؤساء المشاركين فى اجتماعات الأممالمتحدة بنيويورك وليس فى واشنطن، كما أن هناك عاماً انتخابياً وهناك حساسية فى عقد لقاءات مهمة أو مؤتمرات صحفية قبل الانتخابات بعدة أسابيع، وبالتالى فلا توجد دعوة حقيقية للرئيس مرسى لزيارة الولاياتالمتحدة فى سبتمبر. ما تقييمك لزيارة مرسى لإيران وتأثيرها على العلاقات مع الولاياتالمتحدة؟ أعتقد أنها كانت زيارة إيجابية، وأنا شخصياً أفضل أن تعمل مصر على لم الشمل الإسلامى وعدم الدخول فى قضية الشيعة والسنة الشائكة ولابد أن تتعامل مع إيران كواقع حضارى وأن يتم الحديث بصراحة حول كل الملفات لأنه مازالت هناك مشاكل والدليل على ذلك المشاكل التى حدثت فى ترجمة خطاب مرسى، وإغفال فرصة الحوار خطأ أما اللجوء إلى المجاملات وحدها فهو أخطر. يرى البعض أن من أسباب دعم واشنطن لصعود الإسلاميين هو إحداث صدام بين السنة والشيعة فى المستقبل، فهل هذا صحيح من وجهة نظرك؟ كل شىء وارد، ولكن حتى لو افترضنا وجود مثل هذه المؤامرة فأين نحن منها؟ هل يجب أن نكون مفعولاً به فقط؟ لابد أن نتعلم مما حدث، فالولاياتالمتحدة كانت تقوم بتسليح صدام حسين فى حربه مع إيران، بل وتسليح طهران، ثم انقلبت على صدام عندما قام بغزو الكويت بل إن أساس البرنامج النووى الإيرانى الذى بدأ فى عهد الشاه كان من الولاياتالمتحدة، كما أن أساس البرنامج الإيرانى من فرنسا، ويجب أن ننتبه للمخاطر حولنا والمؤامرات ستظل موجودة كما هى فى أماكن أخرى مثل أمريكا اللاتينية، المهم ماذا نحن فاعلون لمواجهتها؟، وبدون شك فإن البعض فى الغرب قد يريد كبح جماح التوجه الشيعى الآن من خلال السنة، وهو أمر وارد لحماية مصادر الطاقة دون التضحية بالأرواح الغربية، ولكنه ليس موقفاً سياسياً غربياً جماعياً، وهم سيتذكرون ما فعلوه فى أفغانستان عندما أيدوا أطرافاً متطرفة انقلبت عليهم بعد ذلك. كيف ترى الأفكار المطروحة منذ فترة لتقسيم مصر ودول أخرى فى المنطقة؟ مستعد أن أجزم بأن هناك مخططات بالفعل لهذا الغرض وربما ألف مخطط غيره، ولكن ماذا نفعل نحن لمواجهتها؟ وأمريكا بلد مفتوح يسمح بمناقشة كل الآراء، ولكن أفكار التقسيم لمصر تماثل تقسيم كاليفورنيا عن الولاياتالمتحدة ومنحها للمكسيك، ومن يعتقد أن فكرة تقسيم مصر غير مطروحة يكذب على نفسه، فمراكز البحث الأمريكى تدرس كل الأفكار وحتى الجنونية منها، ولكن هل معنى هذا أن هناك دعماً كافياً للتحرك الواقعى لتنفيذ تلك الأفكار، فى أغلب الأحيان لا، فإدارة أوباما لا تؤيد فكرة تقسيم مصر لأن ما يقلق الغرب وإسرائيل هو عدم الوضوح، وإسرائيل على استعداد لدعم الإخوان حالياً دعماً للاستقرار فى مصر لأن الانهيار أسوأ لهم من الاستقرار الإسلامى، وقد كان هناك تقرير غربى كبير منذ عام 2005، أن نظام مبارك سيتغير، ولكن لم يعرفوا متى وكيف؟ بل إن آخر زيارة لمبارك إلى واشنطن فى 2010، جعلتهم يخرجون بقناعة أن الوقت لن يطول. ما مستقبل اتفاق كامب ديفيد؟ وهل هناك فرصة لتغييرها؟ أولويات أمريكا وإسرائيل الحفاظ على اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى، ولكن لابد أن تتم إعادة النظر فى الملحق الأمنى لأنه غير فعال.