لأن فنُّ الخطِّ العربي يُعد فنًّا إسلاميًّا خالصًا، بل هو فهو من صنيع الدين الإسلامي، وله ارتباطه الوثيق بكتابه الكريم، ولم يَسْبِق للكلمة أن كانت فنًّا مرئيًّا في أُمَّة من الأمم قبل نزول القرآن الكريم، وإذا كان لكل أُمَّة من الأمم لغتها، ولها كتاباتها، فإن هذه الكتابات ظَلَّتْ في وظيفتها التعبيرية، باعتبارها رموزًا منطقية لمعانٍ يُرَادُ التعبير عنها. لكل ما سبق فلم يكن ممكناً أن يخل مهرجان الفنون الإسلامية في نسخته العشرين والذي تحتضنه العاصمة العالمية للكتاب من فعاليات خاصة وفريدة ومتفردة تختص بفن الخط. وقد كان عندما انطلقت أربعة معارض خطية في ساحة الخط بمنطقة قلب الشارقة القديمة، بحضورمحمد القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة بالشارقة، المنسق العام للمهرجان، وخالد الجلاف، رئيس جمعية الإمارات لفن الخط العربي، وعبد الله المناعي، مدير الشؤون الإدارية في الدائرة. تلك المعارض التي تضمنت نحو 90 عملاً ل 8 خطاطين، وهي: أثر عشق، في مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، لمثنى العبيدي من العراق، والحلية النبوية، في بيوت الخطاطين للفنانين أحمد ومحمود العمري من العراق، وومضات كوفية، في مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، للفنان محمد رضا بلال من سوريا، والتجديد في اللوحة الخطية، في جمعية الخطاطين لكل من: المصري يسري المملوك، و المغربي محمد بستان، والسوداني تاج السر حسن، ، والسوري خالد الساعي. ما ان تقف امام تلك اللوحات الفنية حتى تشعر بأنك قد عدت إلى الوراء قروناً، تستطيع أن تستنشق رائحة القدم والأصالة، تذوب روحك ذوباناً ما بين الأنواع المتعددة من الخطوط التي لا محالة تنقلك غلى عصورزمنية قديمة، ما بين الكلاسيكي والحديث والكوفي. نقطة الإنطلاق كانت من عند ما قدمه الفنان المصري يسري المملوك، الذي يعتبر واحداً من أبرز الخطاطين في مصر، حيث تميزبتجربة فريدة في تكوين الحرف، خاصة في تصميم خط الثلث، موظفاً كلاسيكية الخط ضمن تكوين فني واضح، يتحدث المملوك بإيجاز قائلاً: أؤمن تماماً بأن الحرف العربي يعد من أهم عناصر الحضارة الإسلامية، لذا أقدم لوحاتي "الثلث والأبجدية"، و"وصية لقمان"، و"حديث الحروف". المملوك محكّم في كثير من المعارض العربية والدولية، وحاز كثيراً من الجوائز وشهادات التقدير من مقتنيات رسمية وخاصة في العديد من الدول. محمود وأحمد العمري خطاطان عراقيان قدما 26 لوحة، ركزت في معظمها على "الحلية المشرفة"، التي تعتبر من أهم اللوحات التي يحرص أي خطاط على كتابتها، وعادة ما تتناول الحلية أوصاف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمينط، و"إنك لعلى خلق عظيم" يتحدث محمود قائلاً: هذه الأوصاف تكتب بخط النسخ، كما تبدأ الحلية المشرفة كقاعدة أساسية بالبسملة، وتكتب في الغالب بالخط الريحاني، وهي ذات شكل هندسي، تبدأ بمستطيل ثم دائرة كبيرة حولها أربع دوائر، بعدها أربع دوائر تتضمن أسماء الخلفاء الراشدين، أبوبكر وعمر وعلي وعثمان، رضي الله عنهم، ثم مستطيل آخر أو مربع أسفل اللوحة. أبرز ما برع فيه الخطاطان في اللوحات المعروضة، هو حرصهما على إبراز جماليات الحلية، والتنويع في الزخرفة والتذهيب، وكذلك التنويع في استخدام الأحبار التي مزجت بين الحبر العادي والألماني، وانتقاء ورق مخصوص لكتابة الحلية. وعن جديد هذا المعرض يقول أحمد العمري: أننا قمنا بابتكار أشكال عديدة في الزخرفة، باستخدام فن "الإيبرو" في أكثر من لوحة، فهناك على سبيل المثال: لوحة الحلية على شكل زهرة باللون الأزرق، والحلية على هيئة نجمة ثمانية الأطراف مذّهبة، وحلية أخرى على هيئة العين، وتلك التي تحتوي على خط "مشق" في الوسط، وأيضاً الحلية المشرفة التي تحتوي مقطعاً من منارات المسجد، وخط الطغراء بحجم كبير. يذكر أن الحلية المشرفة قد نشأت في مدينة إسطنبول في القرن الحادي عشر الهجري، وكانت من الأنماط الشائعة للخط العربي، ويقال إن الخطاط حافظ عثمان (1642-1689) هو أول من كتب الحلية، وساهم أيضاً في وضع ميزان الحروف للخط العربي. ومن الحلية المشرفة إلى الخط الكوفي يقدم الخطاط والشاعر محمد رضا بلال معرض "ومضات كوفية" وهو الحائز على جائزة حمد الله الأماسي بأرسيكا، وتميز بكتابة الخط الكوفي ، واشتمل معرضه على 23 لوحة، برزت فيها دقة في الألفات واللامات، وفرادة في حروف الدال والصاد والطاء والكاف والياء، هذا التجويد في الخط الكوفي، وهو الخط الذي اشتهر بكتابة المصاحف، تطور عبر أكثر من فترة زمنية، غير أن ما هو مهم في تجربة بلال، هو حرصه على التماثل والتنسيق وملء الفراغات.