مصطفى عبادة تصوير : موسى محمود - ذهبنا إلى د. شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الجديد، وفى ذهننا عشرات الأسئلة التى تشكل تحديات كبيرة، تحتاج إلى عمر طويل لحلها، وفى ذهننا أنه قبل أن يكون وزيرا، فهو مثقف كبير، تجاوزت كتبه وأبحاثه العشرات، ودراساته فى المؤتمرات العربية والدولية متعددة ومتنوعة، ذهبنا إليه لعلنا نجد لديه هذه الرؤية التى تفتقدها الثقافة المصرية، كان الطموح يملؤنا، والأسئلة تؤرقنا، فاكتشفنا أنه مؤرق أكثر منا، لكنه، برغم ذلك متفائل بمستقبل العمل الثقافى والثقافة بعد ثورة 25 يناير، لأن تخصصه النادر فى علم نفس الأدب جعله واسع الصدر يكره ثقافة الإقصاء ويؤمن بحتمية الحوار، ويرى دائما النور فى آخر النفق، ويحلم بالفجر رغم اشتداد الظلمة.. وهذا نص الحوار.. ألا يؤثر التخبط الذى جرى بشأن معرض الكتاب على فاعلياته والمشاركين فيه؟ لا.. لن يؤثر، فالمعرض سيفتتح قبل موعده، وما جرى كان مجرد إجراءات تنظيمية مع وزارة الداخلية وأجهزة الدولة بشكل عام. من ماذا يأتى الخوف على المعرض؟ من انشغال الناس، وانشغال الدولة باحتفالات 25 يناير، الذكرى الأولى للثورة، وهذا أمر يحتاج إلى تركيز، وربما يشتت المعرض الانتباه عن هذه الذكرى، لكننا أعدنا عرض الأمر وتقدم الناشرون بالتماس إلى المجلس العسكرى، وتم النظر فيه، رأيى أن يتم المعرض فى الموعد الذى تم الاتفاق عليه وتحديده. هل هناك خوف من أن تحدث مشاكل فى 25 يناير، اتخذتم بناء عليها قرار التأجيل؟ الكثيرون يقولون ذلك، وهناك توقعات بحدوث مشاكل. هل بسبب ذلك سيغلق المعرض لمدة يومين؟ نعم.. للسبب نفسه، وبسبب ما ذكرته من انشغال الدولة باحتفالات الثورة، والدولة ليست مشغولة أمنيا فقط، بل مشغولة حتى بسبب الاحتفال فهناك احتفالات كبرى ستقيمها القوات المسلحة ووزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، والائتلافات الشبابية، والفرق المسرحية والموسيقية، وهذه كلها تحتاج إلى تأمين، وهذا ليس عيبا. فيم تتمثل مشاركة وزارة الثقافة، فى هذه الاحتفالات؟ كل فرق الوزارة المسرحية والغنائية مجندة لخدمة هذه المناسبة، وهناك عرض مشترك مع القوات المسلحة، سيخرجه عصام السيد. ما الجديد فى معرض هذا العام؟ الجديد أن تونس هى ضيف الشرف، وستحضر بوفد كبير، بما يشبه القافلة، من تونس مرورا بليبيا حتى مصر، وستحضر وزيرة الثقافة الفرنسية، ووزيرا الثقافى الليبى واليمني، بالإضافة إلى وفود عربية وأجنبية كبيرة لتشارك فى هذه الاحتفالية، إلى جانب مجموعة من الندوات الكبيرة، تشارك فيها تيارات فكرية وثقافية متنوعة. بما فيها التيارات الدينية؟ نحن لا نضع برامجنا الثقافية، بناء على الدين، بل نضع كل تصوراتنا وفق ما فيه صالح الثقافة المصرية، وهذا الصالح العام يؤيد فكرة التنوع، ويدعم مبدأ أن تكون مصر دولة مدنية ديمقراطية يحصل فيها الجميع على الحقوق نفسها، وعلى الواجبات نفسها، وبناء عليه كل القوى ستتآلف والحوار سيكون قيمة مصرية، بحيث لا يقصى أحد غيره ممن يخالفه، أو يضعه فى خانة يتم فيها التقليل من شأنه. هل هذا ما دفعك للقاء ممثلى التيارات الدينية وما النتائج التى توصلت إليها من خلال حوارك معهم؟ خرجت من حوارى معهم بأن الذى يجمعنا، أكثر مما يفرقنا، ودائما ما يكون انطباعنا عن الآخر سلبيا، وهى فكرة نمطية، فكرة أن الآخر متشدد وعنيف، ويمارس الإقصاء، ربما كان خطابه يحمل بعض هذه المعانى وهذه اللغة، لكن عندنا تجلس للحوار معه، تجد شخصا مختلفا، تجده متقبلا حتى للأمور التى كنت تظن أنه لن يتقبلها، وقد جلست مع «مسئول الفن» فى حزب الحرية والعدالة، ووجدت لديهم فرقا مسرحية وموسيقية ويريدون أن يتعاونوا مع وزارة الثقافة، ويحتاجون إلى بعض قاعات فى دار الأوبرا يقيمون عليها عروضهم، ويدعون إليها المهتمين، أعتقد أن الحوار يزيل دائما الصورة النمطية السلبية عن ذوى الاتجاهات الدينية، وفى ظل هذا الواقع المعقد على المستوى السياسي، وفى ظل الاتجاهات العالمية فى العلوم والحداثة، لا أعتقد أنهم سيفكرون بنفس الطريقة القديمة، لابد أن يجددوا أنفسهم، وخطابهم يصبح مختلفا، دون ذلك لا أعتقد أنهم يستطيعون الاستمرار، ولا أى تيار يمكنه أن يستمر بخطابه القديم. لكن هناك سوابق، عندما كان لهم أعضاء فى البرلمان، وهى سوابق كلها ضد حرية الإبداع ألا تخشى على الثقافة من مثل هذه السوابق؟ أنا لا أخشى على الثقافة المصرية من أى شيء، وأعتقد أن أى شخص أو تيار سياسى أو اتجاه دينى أو إيديولوجي، عندما يكون خارج السلطة يختلف عنه عندما يكون داخلها، حينئذ يختلف خطابه ويصبح أكثر واقعية لأنه يصبح مسئولا، وعندما يصبح مسئولا سيضع فى اعتباره كل الاتجاهات الأخرى الموجود فى المجتمع، وإلا لن يستطيع الاستمرار فيقوم بعمل نوع من الحلول الوسطي، ونوع من التسويات والتنازلات لكى يستطيع أن يستمر، عكس خطابه وهو خارج السلطة الذى يركز على التأكيد على هويته المعارضة بشكل مبالغ فيه، وكأنه فى معركة. كثيرا ما تصرح بأنك لست خائفا من سيطرة التيارات الدينية، وتبدو متفائلاً من أين يأتى هذا التفاؤل.. من شاكر عبدالحميد الوزير أم المثقف؟ من الاثنين، فأنا أراهن دائما على الشعب المصري، فالشعب الذى استطاع أن يسقط نظاما مستبدا كالنظام السابق، شديد القوة والصلابة والجمود، ويبدأ مرحلة جديدة فى تاريخه، لابد ستكون هذه المرحلة الجديدة أكثر ازدهارا، وتفاؤلا وتقبلا، وأكثر تنوعا وتحقيقا لحاجات وتطلعات الناس، ولابد أن تكون حركته للأمام، فلو أتى تيار وأراد أن يحرك الشعب المصرى إلى الخلف، فسيثور الشعب عليه مرة أخري.. الشعب المصرى عرف طريقه ولم يعد يخاف من أى أحدا وأى شيء، ولن يقمعه أحد مرة أخري. ما مدى خوفك من انقلاب هذه التيارات على الديمقراطية؟ بنسبة %25 ليس أكثر، فهناك مراحل تمر بها الحضارات، الازدهار، والانهيار، أو مرحلة انتقالية بين المرحلتين، نحن كنا فى مرحلة انهيار، ولا يصح بالمنطق أن نذهب إلى انهيار آخر، نحن فى مرحلة انتقالية ومنها سنخرج إلى الازدهار أو إلى انهيار آخر، ولابد أن يتعامل الجميع مع تلك المرحلة بحساسية شديدة جدا، وأن يقبل الجميع بفكرة قبول الآخر والتنوع، والتفاؤل والتخلى عن اللغة المتشددة والمتعسفة الصلبة التى تنفر الآخرين، وسط هذه الحساسية نراهن على الطبيعة السمحة للشخصية المصرية حتى لو كانت متدينة بشكل يبدو متشددا، وهى سماحة ووسطية رصدها الكثيرون، وهى مبعث تفاؤلهم. استهلكت الوزارة خمسة وعشرين عاما فى ثقافة التنوير، ومواجهة التطرف، وعندما أتت انتخابات حقيقية، جاءت النتيجة، كما نرى، حيث هيمن التيار الدينى، أين يكمن الخلل بالضبط؟ يكمن فى النظام التعليمى، وليس فى وزارة الثقافة، وزارة الثقافة عليها جزء من المسئولية، لكن المسئولية الأساسية تخضع على نظام التعليم فى مصر الذى ينبغى بإلحاح إعادة النظر فيه، بإعداد برامج تعليمية جديدة تؤكد قيما جديدة مثل المواطنة وثقافة الحوار، وقبول الآخر، وتربية العقل الناقد والمبدع، وخلق مواطن حديث يركز على الجمال ومحبة الفن وعدم الإقصاء لقيم الديمقراطية، وقيم أن الدين ليس هو الأساس فى قيام الدول، بل هو جزء من هذا الأساس فقط، وجزء من أسس أخري، وهناك تيارات تريد أن تبنى على أساس الدين فقط، وهذا تصور فاسد، ودائما أصرح بأننا لا نحتاج رئيس دولة يعلمنا الصوم والصلاة، وهناك من ينتقدنى على مثل هذا التصريح، نحن نعرف كيف نصلى ونصوم، نحن نريد رئيسا لديه مشروع اقتصادى واجتماعى وسياسى وتربوي، ومشروع ثقافى ومجتمعى باختصار، مشروع للمستقبل، فالدين نتعلمه، ونحن أطفال وللأسف هناك أشخاص يطرحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة على أساس أنهم سيعلمون الناس الصلاة والصوم، هل هذا يصح؟!! فى هذا السياق كان هناك مشروع مؤتمر المثقفين وأجل أكثر من مرة، ما مصيره؟ سيقام إن شاء الله، وسيكون عن الثقافة فيما بعد الثورة، سيكون مؤتمرا للثقافة وليس للمثقفين، حتى لا يخرج علينا أحد بفكرة مؤتمر مواز يسمى مؤتمر المستقلين، ونسمع ألفاظا مثل مثقفى الحظيرة، ومثقفى الدولة، ومثل ذلك، لا.. سيكون مؤتمرا للثقافة المصرية بعد 25 يناير، وهو مفتوح للجميع، وفكرتى دائما أن من يكتبون الإبداع هم فئة من المثقفين، وليسوا كل المثقفين فأى إنسان بسيط لديه نوع من الثقافة ليس بالضرورة قارئ كتب، أو يعرف مواقع الإنترنت، بل ربما تعلم شيئا من التليفزيون، أو من قراءة الجديدة، فأثر ذلك فى سلوكه، فأصبح أكثر تطورا، وأكثر ارتقاءً، فالثقافة هى ارتقاء السلوك، إذا كانت كل هذه الكتب، وكل هذه المعارض لم تؤثر فى ارتقاء سلوك الناس، فليس لها أى أهمية، الثقافة ليست المنتج الثقافي، بل هو مكوِّن من مكوناتها، لكن كيف ينعكس هذا المنتج على سلوكى وسلوك الآخرين بحيث يستطيعون أن ينظفوا شارعهم ويصبحوا أكثر استطاعة على إقامة حوار صحى فيما بينهم، إذا أثر هذا المنتج المتكون من القراءة والسماع والمشاهدة والخبرة، يكون ناجحا وإلا فلا معنى له، فلو أن أحدهم ألف مائة كتاب، ولكن خطابه ينطوى على نفى للآخر، وعنف وقيم لا إنسانية ولا رؤى مستقبلية، أو خيال، أو محبته للجمال والقبول بالتنوع، أو قمعي، هل يمكن أن نعتبره، برغم كتبه الكثيرة مثقفا، هو ليس كذلك بالطبع، بل هو مجرد قارئ أو مجرد مستودع لمادة ثقافية. فى ثلاثة مقالات كتبها د.صبرى حافظ عن الثقافة وخيانات المثقفين، توجه إليك بسؤالين نريد الإجابة عنهما، مع مراعاة أنك كنت أمينا للمجلس الأعلى للثقافة وقتها الأول: هل يستطيع د. شاكر عبدالحميد بكل دراساته وأبحاثه المستفيضة فى علم النفس تخليص الثقافة المصرية من عصاباتها المرضية؟ أولاً: أنا أقدر د. صبرى حافظ، وأعتز به كناقد ومثقف مصرى كبير. ثانيا: هو خلط بين علم النفس وبين الأمراض النفسية، بمعنى أن علم النفس من الممكن أن يتعامل مع الأمراض النفسية، لكنه أكبر من ذلك، وأنا ليس لى علاقة بالأمراض النفسية، علاقتى الأساسية بعلم نفس الإبداع، فعلم النفس فيه أكثر من أربعة وعشرين فرعا، منها علم نفس الإبداع، ومنها دراسة الأمراض النفسية، وعلم النفس الصناعى والاجتماعى والزراعى، والتربوي، فليس بالضرورة أن كل من يعمل فى هذا العلم يكون معالجا، دورى هو معالجة المشاكل الثقافية، وليس الأمراض النفسية، إذا كان لديه «صبرى حافظ» مفهوم محدد لعلم النفس، فهذا أمر يخصه، ولن أزيد أكثر من ذلك؟ والخلاص من هذه العُصابات لا تقتصر على وزارة الثقافة، بل هى رؤية مجتمع كامل، ورؤية عامة تحتاج إلى مؤتمر ثقافى كبير، أنا لست معالجا، بل أنا متورط فى المشكلات نفسها. بالمناسبة.. لماذا يبدو هذا التخصص نادرا، نقصد علم نفس الأدب؟ هو نادر لسببين، الأول أنه يحتاج إلى باحث لديه ميول لمثل هذا النوع من الدراسات، وله علاقة بالنقد والثقافة والفنون، والثانى أن يكون على معرفة بالوسط الثقافي، وأن يكون هناك مشرفون يشجعون طلابهم على دراسة هذا النوع، فالمهتمون بمثل هذا الجانب قليلون فى جامعاتنا المصرية، وهو ليس نادرا فى مصر فقط، بل فى الوطن العربى كله. السؤال الآخر الذى سأله د.صبرى حافظ.. هل يستطيع د.شاكر التعامل مع عصابات الثقافة التى يمتلئ بها المجلس الأعلى للثقافة؟ هذه العصابات موجودة فى كل مكان، وليس فى المجلس فقط، وأنا أتعامل معها، وبدأت أتعامل معها، وقمت بتمويل كثيرين للتحقيق. هو يعنى بالتحديد هؤلاء المثقفين الموجودين فى كل اللجان، والذين تبلور وجودهم من خلال الصورة الشهيرة مع الرئيس السابق حسنى مبارك؟ إذا كان يعنى لجان المجلس الأعلى للثقافة، فالآلية الجديدة، التى بدأها د. عماد أبو غازى، مع د. عز الدين شكرى، ونحن مستمرون فيها، فالجامعات والجمعيات الثقافية هى من يقوم بترشيح أعضاء اللجان ومن الممكن أن تأتى هذه الآلية الديمقراطية بأشخاص كانوا موجودين فى السابق، أليست هذه هى الديمقراطية، التى لها مزاياها وعيوبها، أليست الديمقراطية هى من أتى بالإخوان والسلفيين، كل ما عليك هو أن تحترم صندوق الانتخابات، فالديمقراطية ليست نظاما كاملا مبرأ من العيوب، لأن من يختار ينبغى أن يتسلح بالوعى، وإذا لم يكن لديه وعى، فكيف ومن سيختار، ليس معنى ذلك أننى أهين الشعب المصرى، بل أقول إننا نحتاج إلى مراحل أخرى فى نضالنا من أجل أن نصل إلى الديمقراطية الحقيقية، نحن نحتاج إلى رفع مستوى التعليم، والإعلام والثقافة والمستوى الاقتصادى للناس، فيكتسب الناس الوعى وتستطيع الاختيار المناسب لمستقبلها، ولا تختار على أساس دينى، أو أى أساس آخر، بل تختار على أساس مشروع للنهضة ومشروع النهضة هذا غير موجود لدى أى أحد ممن هم مطروحون على الساحة حاليا، لا لدى الرؤساء، ولا لدى الأحزاب. مع ذلك تخلو كل لجان المجلس من الشباب؟ ليس صحيحا.. الشباب ممثلون. نعم ممثلون بمعنى أن هناك لجنة للشباب مثلا كما اقترح بعضهم؟ لا.. كل لجنة فيها ممثلون للشباب، ممكن أن يكونوا واحدا أواثنين أو أربعة. ثلاثة أو أربعة والمقرر دائما ومفروض على اللجنة مثل أحمد عبدالمعطى حجازى فى لجنة الشعر؟ المقرر من الآن فصاعدا سيكون بالانتخاب وإذا لم يعجبكم حجازى فلا تنتخبوه مرة أخرى. من الذى يصوت؟ كل اللجنة المكونة من عشرين فردا منتخبا. هم من يختارون مقررهم، اختاروا حجازى أو حسن طلب.. أهلا وسهلا اختاروا ما تشاءون. بالتبعية بما أننا فى مجال الحديث عن اللجان هل هناك آلية جديدة تم وضعها بحيث تصبح جوائز الدولة لها مصداقية؟ نحن نسير فى هذا الطريق، ولو أن الأمور جرت كما نرجو ونتمني، اعتقد سيكون هناك آلية جديدة، وأمامنا مدة كافية حتى شهر يونيو المقبل، ومن الممكن الاستقرار على هذه الآلية قبل ذلك إن شاء الله. لدى وزارة الثقافة جهاز عصبى يتمثل فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، مع ذلك هذا الجهاز يعانى مشكلات كثيرة، هل سيتم النظر إلى هذا الجهاز الخطير؟ أعترف أن هذه الهيئة تعانى مشكلات كثيرة، لكن ماذا نفعل، فقد اعتبرنا أن عام 2012 هو عام الهيئة العامة لقصور الثقافة؟! وسنقيم مؤتمرا للثقافة الجماهيرية تطرح فيه كل مشكلاتها، وتطرح الحلول وسنرى ما الذى يمكن عمله للخروج بهذا الجهاز وتفعليه بشكل أكبر مما هو عليه، وهناك ثلاثة عشر موقعا ثقافيا سيتم افتتاحها خلال شهرين مقبلين، وهناك تفعيل لاتفاق بين الهيئة العامة لقصور الثقافة وأكاديمية الفنون، بحيث نأخذ خريجى الأكاديمية من معهد النقد الفنى قسم التنشيط الثقافي، ليعملوا فى هذه المواقع الثقافية، لأنهم متخصصون ويستطيعون النهوض بهذا القطاع المهم. لكن المشكلة أكبر من ذلك، لأن الهيئة تحتاج إلى تمويل ضخم، فالتمويل المتاح الآن غير كاف. ولا أملك إلا الاعتراف بأن هناك مشكلات وتعثرا، ونحتاج إلى خطة جديدة، ورؤية جديدة، وتمويل. هل من المطروح أن يسهم بعض رجال الأعمال فى هذا التمويل؟ نتمنى ذلك.. لكن إلى الآن لم يبادر أحد بالمساعدة لأن رجال الأعمال الآن خائفون وفى حالة انكماش، ولا يريدون الظهور، ولديهم خوف من المتغيرات الموجودة فى الواقع، وخوفا فى حال ظهورهم أن تفتح ملفاتهم القديمة، وأشياء من هذا القبيل. ضمن انشغال مصر ما بعد الثورة بالماضي، وليس المستقبل، هل هذا ما يدفع رجال الأعمال إلى الخوف وإلى متى ستظل فى هذا الماضي؟ نعم لأن معظمهم كانوا ينتمون إلى النظام السابق. وسنظل ندور فى هذا الماضي، لأن النظام السابق لم يسقط بعد، ولأن الماضى البعيد يحاول العودة مرة أخري، ويحاول السيطرة ممثلا فى الاتجاه الديني، ولأن هناك حالة من الخوف لدى الناس، وكان من المفترض أن تنقلنا الثورة إلى حالة أفضل، لكن فى قانون الثورات هذه النقلة لا تتم بالسهولة التى يتصورها البعض أو يتوقعها، المجتمع الآن يعيد اكتشاف ذاته، وهذا لا يتم بوعى شديد لدى كل المجتمعات، فهو يتم لدى بعض المجتمعات عن طريق المحاولة والخطأ، ولدى مجتمعات أخرى يتم عن طريق الاستبصار، ولدى مجتمعات ثالثة عن طريق الإبداع، نحن فى مصر، فى مرحلة المحاولة والخطأ. عودة إلى تخصصك العلمى الذى أنجزت فيه الكثير.. هل تعتبر النكتة التى يطلقها الناس فى مواجهة ظروفهم السياسية والاجتماعية نوعا من الأدب؟ النكتة نوع من الإبداع، وليس الأدب وهناك فرق بين الإبداع والأدب، فالإبداع أوسع من الأدب، النكتة فيها عناصر الإبداع مثل: الجدة، والبعد الاجتماعي، أى الأنا والآخر.. المبدع والمجتمع، فلا أحد يروى النكتة لنفسه، ثانيا: فيها نوع من كسر المألوف، والإبداع أيضا هو كسر للمألوف، النكتة فيها نوع من اللعب بالألفاظ والصور، وكذلك الإبداع، هى إذن أقرب إلى روح الإبداع، فى الوقت نفسه الإبداع يعبر عن روح الشعب، والنكتة كذلك، بدليل أننا نضحك على نكت لا تضحك عليها شعوب أخري. يرتبط بالنكتة الأدب الساخر الذى ملأ مصر قبل الثورة، فهل هو رد فعل على التدهور السياسى أم حاجة اجتماعية؟ هو الإثنان معا، لأنه أسلوب مواجهة لمفارقات فى الواقع ومشكلات مستعصية، فيأتى التهكم على مساخر الواقع ومشاكله كذلك فيه نوع من العلو عن الموقف الذى يواجهه المجتمع بالسخرية منه.