مصداقية الاتحاد الأوروبى والإشارات السلبية بشأن ملف كوريا الشمالية أسباب إضافية لقلق الشركاء بعد مرور أكثر من عامين، اتخذت دول الاتحاد الأوروبى موقفا مختلفا عن الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تقييم اتفاق 5+1 مع إيران، ففى الوقت الذى يستعد فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق، إذا لم يوفر له الكونجرس خلال ال60 يوماً بدائل للانسحاب من الاتفاق، دافعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا عن اتفاقها مع إيران، وحذر الاتحاد الأوروبى الرئيس ترامب من مغبة الانسحاب من الاتفاق، فما الأسباب التى تقف وراء الموقف الأوروبى؟ وهل العوامل الاقتصادية ولوبى الشركات الأوروبية وحدها هى من تدفع للإبقاء على الاتفاق مع إيران؟
ينطلق الموقف الأوروبى من مصالح اقتصادية وسياسية كثيرة، فالجميع يتذكر الهرولة الأوروبية نحو السوق الإيرانية الغنى بفرص الاستثمار، خصوصا فى مجالات النفط والغاز، وحاجة إيران لشراء الطائرات والسيارات الغربية، بعد أن حرمتها العقوبات من شراء تلك المنتجات خلال الأعوام الماضية، وما زالت عالقة بالأذهان زيارة وزير الطاقة الألمانى جابريل زجمار لإيران قبل أن يجف الحبر الذى كتب به نص الاتفاق، حيث تنظر الدول الأوروبية للسوق الإيرانية باعتبارها فرصة لدعم الاقتصاد الأوروبى الذى يحقق معدلات نمو متدنية فى السنوات الأخيرة، فإيران تعد محط أنظار وتنافس المستثمرين الأجانب والأوروبيين، بسبب غناها بالنفط والغاز الطبيعى إلى جانب سوقها الضخم واليد العاملة الرخيصة والمؤهلة.
صفقات بالمليارات
وأصبح للشركات الغربية استثمارات ضخمة فى إيران بعد الاتفاق بأيام قليلة، منها توقيع طهران صفقة ضخمة مع شركة نفطية فرنسية عملاقة بقيمة 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى الصفقة التى عقدتها إحدى شركات الطاقة الألمانية مع مجموعة "مابنا" الإيرانية للطاقة الكهربائية فى مارس 2016، وبلغت قيمتها 3.5 مليار دولار، وهناك مباحثات لشراء الخطوط الجوية الإيرانية 80 طائرة من شركة طيران أوروبية بقيمة 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى وجود حوالى 80 شركة ألمانية تعمل حاليا ومباشرة من خلال فروع لها فى إيران، وحوالى ألف شركة أوروبية لها ممثلون هناك، من بينهم أكبر المؤسسات الصناعية التجارية.
وبرغم التراجع الحاد فى العلاقات الاقتصادية فى السنوات الأخيرة بين ألمانياوإيران، مثلا فإن قيمة الصادرات الألمانية ارتفعت حوالى الثلث تقريبا أى 2,4 مليار يورو (2,6 مليار دولار أمريكي) فى سنة 2014، و تتوقع غرفة التجارة والصناعة الألمانية مضاعفة الصادرات الألمانية خلال السنتين المقبلتين، لتصل إلى 5 مليارات يورو (5,5 مليار دولار أمريكي)، بينما يعتقد الاتحاد الصناعى الألمانى أنه من المحتمل أن تصدر الشركات الألمانية بضائع ما قيمته 10 مليارات يورو إلى إيران فى المستقبل القريب. وبرغم أن جابريل "كان أول سياسى غربى كبير يصل إلى إيران" بعد الاتفاقية النووية، فإن العديد من وزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبى قد زار طهران، ففرنسا أرسلت 130 شخصا ضمن وفد تجارى قوى إلى إيران فى فبراير سنة 2014.
السبب الثانى أن الاتحاد الأوروبى يقول إنه لا يستطيع الانسحاب من الاتفاق، لأن الاتفاق لم يصبح اتفاقية ثنائية بين الولاياتالمتحدةوإيران، أو حتى اتفاقية متعددة الأطراف شاركت فيها 6 دول بالإضافة لإيران، لكنه يرى أن الاتفاق أصبح وثيقة دولية بعد أن تم الذهاب به إلى مجلس الأمن، الذى وافق على الاتفاق بالإجماع، وبالتالى أصبح الاتفاق وثيقة دولية بين إيران وكل المجتمع الدولى، لكن الاتحاد الأوروبى يتناسى أن ترامب انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وهى وثيقة دولية أيضاً، كما انسحب من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادىء ويهدد بالإنسحاب من اتفاق نافتا للتجارة الحرة.
ويخشى الاتحاد الأوروبى على مصداقيته كما يقول، باعتباره الوسيط فى تحقيق هذا الإنجاز، كما قالت فيردريكا موجرينى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى، وأن إلغاء الاتفاق قد يعطى إشارة سلبية لكوريا الشمالية بأن الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تلتزم بأى اتفاق حال عدم اتفاقه مع مصالحها، وأعلن المجلس الأوروبى أن الاتفاق النووى مع إيران جاء بعد جهود دبلوماسية استمرت 12 عاما، وأن هذا الاتفاق يعتبر من أهم ركائز نزع السلاح النووى فى العالم.
كما يستند الموقف الأوروبى إلى موقف الوكالة الدولية للطاقة النووية، وقال بيان للاتحاد الأوروبى إن وكالة الطاقة الذرية الدولية، أكدت 8 مرات التزام إيران بفحوى الاتفاق، الذى أسهم فى بقاء البرنامج النووى الإيرانى لأغراض سلمية، وأفاد بأنه سيستمر فى دعم الاتفاق النووى مع إيران؛ لا سيما فى هذه المرحلة التى زادت فيها التهديدات النووية.
كما يرى بعض اليساريين الأوروبيين أن ترامب يستثمر فى رفع سقف الخلاف مع إيران لتعزيز نشر منظومة الدرع الصاروخية فى شرق أوروبا، خصوصا فى بولندا ورومانيا ودول بحر البلطيق الثلاث، بحجة أن هذه المنظومة يمكن أن تصد الصواريخ الإيرانية طويلة المدى وخصوصا الصاروخ شهاب 4، وهو ما يوفر حجة لحلف الناتو لمحاصرة النفوذ الروسى المتنامى فى بعض دول شرق أوروبا التى فاز فيها مرشحون معجبون بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
كما يرفض الاتحاد الأوروبى إنهاء الالتزام بالاتفاق بحجة أن إلغاء الاتفاق سيعزز موقف المتشددين فى النظام الايرانى، بعد أن منح الاتفاق فرصة لتفوق "المعتدلين" الذين يمثلهم الرئيس حسن روحانى، ويقول الاتحاد الأوروبى إن إلغاء الاتفاق سيعزز موقف الحرس الثورى الإيرانى والمقربين من المرشد الأعلى على خامنئى.