"الريلز هو الحل".. وزير الأوقاف يتحدث عن تجديد الخطاب الديني    مدير تعليم الجيزة يتفقد مدارس إدارتي أوسيم ومنشأة القناطر    وزير الخارجية يشارك في افتتاح المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية    مستشفى قنا العام تنجح في تنفيذ قسطرة مخية لمسنة    توجيه عاجل لوزير الري بشأن أمطار وسيول شبه جزيرة سيناء    نواب ينتقدون بيانات "التعبئة والإحصاء": غير كافية لحسم الإيجار القديم    وزيرا الإنتاج الحربى والزراعة يشهدان توقيع اتفاقية للاستفادة من المنتجات المدنية    البنك المركزي يطرح أذون خزانة ب 75 مليار جنيه وسعر الفائدة يصل إلي 26.62%    منتدى الأعمال العُماني الروسي يوقع اتفاقيات تعزيز فرص التعاون التجاري والاستثماري    الكرملين: بوتين قبل دعوة مودي لزيارة الهند لحضور القمة الثنائية السنوية    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    وزيرا خارجية قطر والعراق يبحثان سبل تعزيز العلاقات الثنائية    تشكيل سيراميكا لمواجهة بتروجت في الدوري    أشرف نصار: اسم طارق مصطفى ارتبط بالزمالك منذ تواجده في البنك.. ومعنديش لاعب استخرج تأشيرة أمريكا    تطورات مفاوضات الزمالك لضم المغربي كريم البركاوي    رئيس الاتحاد الدولي للترايثلون: مصر تستحق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية    بيراميدز يكشف حقيقة انتقال ثنائي الفريق للأهلي في كأس العالم    التعليم تعلن جدول امتحانات "ابناؤنا في الخارج" للفصل الدراسي الثاني 2025    الأرصاد الجوية : ارتفاع فى درجات الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 32 درجة غدا    انهار عليهما سور جنينة.. الصور الأولى من موقع مصرع شقيقتين في قنا    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    «السلم والثعبان 2» يجمع عمرو يوسف مع أسماء جلال    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    شام الذهبي: الغُناء بالنسبة لي طاقة وليس احتراف أو توجه مهني    محافظ الجيزة يتفقد فرع التأمين الصحي بالسادس من أكتوبر    محافظ الجيزة يوجه بصيانة مصعد فرع التأمين الصحي ب6 أكتوبر    6 تصرفات ابتعد عنها.. ما لا يجب فعله مع امرأة برج الثور؟    الإغاثة الطبية بغزة: وفاة 57 طفلا نتيجة سوء التغذية والجوع فى القطاع    سعر الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 5 مايو 2025 في الأسواق    "الغرف التجارية": إصلاحات الدولة تحفز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    جامعة القناة تحقق ذهبيتين فى بطولة أفريقيا للمصارعة بالمغرب    إحالة المتهم بالتعدى على الطفلة مريم بشبين القناطر للجنايات    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    كارول سماحة تقيم عزاء ثانيا لزوجها وليد مصطفى فى لبنان الخميس المقبل    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    وزيرة التضامن: ننفذ أكبر برنامج للدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة" بالمنطقة    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان إبداع -صور    مدرب نيوكاسل: لن ننتظر الهدايا في صراع التأهل لدوري الأبطال    أعدادهم بلغت 2.6 مليون.. أشرف صبحي: الطلاب قوتنا الحقيقية    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    الكرملين: بوتين لا يخطط لزيارة الشرق الأوسط في منتصف مايو    «غير متزن».. وكيل «اتصالات النواب» تعلن رفضها صيغة مشروع قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة    "دينية النواب" تناقش تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل سياسي
ألف باء
نشر في الجمهورية يوم 02 - 10 - 2017

لم يكن أحد يتوقع أن يصل الخلاف بين ضفتي الأطلنطي الي قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة .. في جلسة علنية .. يحضرها رؤساء ورؤساء حكومات 130 دولة في العالم . وتبث علي الهواء مباشرة الي كل مكان علي ظهر الكرة الأرضية !..
هذا بالضبط ما حدث منذ أيام قليلة في اجتماعات الدورة العادية ال 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة ..
ألقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابا قويا .. هدد فيه بتدمير كوريا الشمالية بالكامل .. ووصف ايران ب ¢الدولة المارقة¢. معتبرا أن الاتفاق النووي معها من ¢أسوأ الصفقات¢ .. فجاء خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بمواقف عكسية .. حيث دعا الي حل الأزمة مع كوريا الشمالية بالحوار. كما وصف الاتفاق النووي مع ايران بأنه ¢مفيد¢ وأن عدم احترامه ينطوي علي ¢انعدام المسئولية¢ ..!
لم يكن ذلك مجرد اختلاف في وجهات النظر بين الرجلين .. ولا حتي اختلاف في المواقف السياسية بين الولايات المتحدة وفرنسا .. بل كان انعكاسا لأزمة أكثر عمقا وتعقيدا من ذلك .. حول العلاقة بين ضفتي الأطلنطي التي توشك علي الانتهاء .. بعد ¢الطلاق¢ المنتظر !..
- ¢الفتور¢ في العلاقة الذي يسبق ¢الطلاق¢ .. شاهدناه علي شاشات التليفزيون يوم 17 مارس 2017 أثناء زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للبيت الأبيض .. استقبلها الرئيس الأمريكي ترامب وصافحها باليد .. لكن عندما جلسا في المكتب البيضاوي وطلب المصورون منهما مصافحة بعضهما البعض. سألت ميركل ترامب ¢هل تمانع المصافحة؟¢ .. فتجاهلها ورفض مصافحتها . ثم اعتدل في جلسته ووضع كفيه بين ركبتيه ..!
- هذا ¢الفتور¢ أدي الي ¢غياب الثقة¢ بين الجانبين الأوربي والأمريكي.. خاصة بعد أن هدد ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ الذي وقعت عليه دول العالم عام 2015 . وهو أول اتفاق في العالم يهدف الي الحد من انبعاث الغازات الدفيئة التي تسبب التغير المناخي . وتوفير مبلغ 100 مليار دولار سنويا للدول النامية التي تأثرت بفعل التغير المناخي ..
- تهديد ترامب بالانسحاب من الاتفاق . تمت مناقشته في اجتماعات قمة مجموعة الدول الصناعية السبع . التي عقدت بجزيرة صقلية الايطالية واختتمت أعمالها يوم السبت 27 مايو 2017 .. أكدت 6 دول منها ¢التزامها القوي بالتنفيذ السريع للاتفاق¢ . بينما أصر ترامب علي موقفه ووصف الاتفاق بأنه ¢خدعة¢ .. النتيجة : هي فشل قمة الدول الصناعية السبع في التوصل الي بيان موحد بشأن التغير المناخي .. قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل : ¢ان المناقشات حول تغير المناخ غير مرضية أبدا .. لدينا هنا موقف ستة ضد واحد¢! ..
- في اليوم التالي لانتهاء أعمال القمة . ألقت ميركل خطابا في مدينة ميونيخ الألمانية .. كشفت فيه عن ¢انهيار الثقة¢ بين الأوربيين والأمريكيين .. قالت : ¢ان فترة الثقة الكاملة بالبلدان الأخري قد مضت .. وينبغي علي الأوربيين أن يتحكموا في مصيرهم بأنفسهم¢ ..!
- ترامب لم يتأخر في الرد علي ميركل .. قال لها عبر ¢تغريدة علي تويتر¢ : ¢لدينا عجز ضخم في التجارة مع ألمانيا . بالاضافة الي ذلك فانهم يدفعون أقل مما يلزم لحلف شمال الأطلنطي .. وهذا سيئ للغاية بالنسبة للولايات المتحدة . هذا الوضع سيتغير¢..!
* ينبغي هنا الاشارة الي أن الخلافات بين دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية لا تقتصر فقط علي اتفاق باريس للمناخ . بل هناك ملفات أخري .. من أبرزها : المساهمات المالية في حلف شمال الأطلنطي - الاتفاق النووي مع ايران - الأزمة الكورية - القضية الفلسطينية ..
* باستثناء القضية الفلسطينية . فان كل هذه الملفات حديثة .. لكن الخلاف بين الجانبين له جذور تاريخية قديمة . تستحق أن نبدأ بالحديث عنها ..
حرب الموز
تعود الجذور التاريخية للخلاف بين ضفتي الأطلنطي الي بداية التسعينيات من القرن الماضي .. عندما شعرت الولايات المتحدة أن دول السوق الأوربية المشتركة "التي أصبح يطلق عليها فيما بعد الاتحاد الأوربي" قد استطاعت تكوين كتلة اقتصادية قوية قادرة علي منافسة الولايات المتحدة وانتهاج سياسة مستقلة ومتحررة من الهيمنة الأمريكية .. وصلت الي درجة أن الأوربيين فرضوا حظرا علي استيراد اللحم الأمريكي المعالج بالهرمونات ..كما بدأوا من عام 1993 في تطبيق سياسة تفضيلية لاستيراد الموز من المستعمرات الأوربية القديمة المنتشرة في أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ . الأمر الذي ألحق ضررا كبيرا بشركات انتاج وتجارة الموز الأمريكية . التي تتمتع بنفوذ كبير داخل الكونجرس والحزبين الديمقراطي والجمهوري ..
- الولايات المتحدة ردت علي ذلك بفرض جمارك وصلت الي نسبة مائة في المائة أحيانا علي دخول 15 منتجا أوربيا الي السوق الأمريكية . شملت منسوجات الكشمير الاسكتلندية . والأجبان الايطالية . والثريات الفرنسية . والملابس . والحقائب . ومواد التنظيف . ومنتجات أخري ..
- لم تكتف الولايات المتحدة بذلك .. بل تقدمت بشكوي الي منظمة التجارة العالمية لاجبار الاتحاد الأوربي علي التخلي عن سياسته التفضيلية في استيراد الموز . وحصلت علي حكم من المنظمة لصالحها .. لكن الاتحاد الأوربي رفض تنفيذ الحكم ..!
- هكذا اشتعلت الحرب التجارية بين ضفتي الأطلنطي في التسعينيات من القرن الماضي .. وبدأت وسائل الاعلام تسكب الزيت علي النار فيما عرفت ذلك الوقت باسم ¢حرب الموز¢ ..!
- الولايات المتحدة تقدمت بشكوي جديدة الي منظمة التجارة العالمية . وحصلت علي حكم جديد لصالحها في عام 1997 من محكمة الاستئناف بالمنظمة . باعتبار سياسة التفضيل التي يتبعها الأوربيون في استيراد الموز مخالفة لأحكام المنظمة . فاستجاب الأوربيون للحكم ¢نصف استجابة¢ باجراء بعض التعديلات علي سياسة استيراد الموز .. لم تقبل الولايات المتحدة بهذه التعديلات واستمرت في فرض الاجراءات الجمركية الحمائية ضد عدد من المنتجات الأوربية ..!
* استمرت ¢حرب الموز¢ مشتعلة بين ضفتي الأطلنطي عدة سنوات .. حتي فوجئت الولايات المتحدة في أوائل عام 2002 بقرار من الاتحاد الأوربي بفرض حظر علي استخدام أو استقبال الطائرات المطلقة للضوضاء في المطارات الأوربية اعتبارا من الأول من ابريل 2002 . لأنها تسبب ازعاجا للسكان المقيمين بالقرب من هذه المطارات .. !
- لم يخف علي الأمريكيين أن السبب في اصدار هذا القرار هو حماية شركة ¢ايرباص¢ الأوربية من منافسة شركة ¢بوينج¢ الأمريكية .. لأن القرار اعتبر أن معظم الطائرات الأمريكية الصنع مطلقة للضوضاء! .. كما أن القرار كان يعود بالفائدة أيضا علي شركة ¢رولز رويس¢ البريطانية المنتجة لمحركات الطائرات لأنها ستستفيد من غياب المنافسة الأمريكية ..
- المشكلة أن القرار الأوربي ضد الطائرات الأمريكية لمنع الضوضاء حظي بموافقة منظمة الطيران المدني العالمية .. فاكتسب شرعية دولية وأصبح بذلك واجب التنفيذ .. لكن الولايات المتحدة لم تأبه لا بالقرار الأوربي ولا بمنظمة الطيران المدني العالمية . وهددت بأنه في حال تنفيذ هذا القرار فانها ستمنع طائرات ¢كونكورد¢ الأوربية من الهبوط في المطارات الأمريكية !.. بعد ذلك تم احتواء المشكلة بتجميد القرار الأوربي ..
أزمة حلف الأطلنطي
من أخطر الأزمات التي أحدثت شرخا في العلاقات الأوربية الأمريكية هي أزمة حلف شمال الأطلنطي .. التي ظهرت بوضوح في حرب أفغانستان .. عندما شعر الأوربيون أنهم تورطوا في حرب لاناقة لهم فيها ولاجمل .. وثبت باعتراف كبار القادة العسكريين في الميدان أن الحل في أفغانستان لن يكون عسكريا ..!
- هكذا قال سكرتير عام حلف شمال الأطلنطي هوب دي شيفر يوم 6/10/2006 : ¢من الوهم الاعتقاد بأن الحل في أفغانستان سيكون عسكريا ¢ .. وقال المتحدث باسم الحلف :¢ مهمة الحلف في أفغانستان هي الامتحان الأصعب منذ انتهاء الحرب الباردة ¢ .. وقال السفير الأمريكي في كابول : ¢ لن نربح هذه الحرب عسكريا في أي وقت قريب ¢..!
- نفس المعني أكده قائد القوات البريطانية في أفغانستان الجنرال مارك كارلتون سميث . في حديث أدلي به لصحيفة ¢ صنداي تايمز ¢.. قال : ¢ بغير الجلوس مع طالبان لن تنتهي الحرب في أفغانستان ¢ .. أضاف: ¢يمكن لقوات التحالف أن تمتص عنف طالبان .. لكن لا تستطيع أن تحسم الصراع معها عسكريا ¢ .. واعتبر أن ¢ مجرد تحقيق التهدئة مع طالبان هو كسب لقوات التحالف ¢..
- قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال جين روبرت كون عقد مؤتمرا صحفيا في كابول يوم 30/8/2007 .. قال فيه : ¢ ان الحسم العسكري لن يكون قادرا علي الحاق هزيمة بمقاتلي طالبان أو وضع حد للعنف في أفغانستان ¢..
* المشكلة بدأت تظهر بين دول حلف شمال الأطلنطي مع تزايد قوة طالبان واتساع نفوذها في المناطق الجنوبية .. حيث فضلت معظم هذه الدول نشر قواتها في المناطق الشمالية بأفغانستان لأنها أكثر أمنا . وتركت عبء قتال طالبان في الجنوب علي 4 دول فقط هي : الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وهولندا . التي أصبحت تفقد كل يوم أعدادا من جنودها..
* الخلافات بين دول الحلف وصلت الي وسائل الاعلام .. فطالبت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس دول الحلف بالعدالة في توزيع الأعباء العسكرية . قالت: ¢ان الحلف يواجه امتحانا في أفغانستان ومهمته صعبة ¢ .. كما شن وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس هجوما علي أعضاء الحلف . واتهمهم بالتلكؤ فيما يتصل بمهام الحلف في أفغانستان ..!
* يوم 10/ 2 / 2008 حذر وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس "في خطابه أمام المؤتمر ال 24 حول الأمن والتعاون في أوربا الذي عقد بمدينة ميونيخ الألمانية" من ¢احتمال انهيار حلف شمال الأطلنطي في حال رفض الأوربيون تقاسم حمل الأعباء في أفغانستان¢!
* رغم ذلك استمرت الخلافات قائمة .. وانقسمت دول حلف شمال الأطلنطي الي جبهتين .. جبهة تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وهولندا - وهي الدول التي تنتشر قواتها بالجنوب الأفغاني في مواجهة طالبان .. وجبهة تضم الدول التي تنتشر قواتها بالشمال الأفغاني بعيدا عن طالبان .. حجة الجبهة الأولي أن طالبان تشكل تهديدا مباشرا لأمن أوربا والولايات المتحدة .. وحجة الجبهة الثانية لخصها وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير "رئيس ألمانيا حاليا" بتصريح له في نفس المؤتمر قال فيه : ¢ان قطاعات كبيرة من الرأي العام في بلادي لديها شكوك متزايدة تجاه المهام التي تقوم بها قواتنا في أفغانستان ¢ ..
* هولندا لم تصبر . وسحبت قواتها من أفغانستان بنهاية يوليو 2010 . بعد خسائر بلغت 24 جنديا لقوا حتفهم . و140 جنديا مصابا . و1800 مليون دولار ..
* القرار الهولندي أحدث حالة من التصدع داخل حلف شمال الأطلنطي .. بدأت تزداد عمقا مع استطلاعات الرأي التي كشفت عن رفض الشارع الأوربي المشاركة في حرب أفغانستان .. كانت استطلاعات الرأي في تلك الفترة كالتالي :
- في استطلاع أذاعته القناة الفرنسية يوم 20/8/2009 .. جاء أن 64% من الفرنسيين يعارضون التدخل العسكري في أفغانستان . ويرفضون اشتراك جنودهم في هذه الحرب .. و92% يرون أن الوضع في أفغانستان خطر جدا . وأن القوات الدولية هناك معرضة للخطر ..
- في استطلاع أجرته هيئة الاذاعة البريطانية ¢بي بي سي¢ وأذاعته يوم 8/11/2009.. قال 64 % من البريطانيين : ¢لا مجال للانتصار في هذه الحرب . ويجب سحب القوات البريطانية من أفغانستان بأسرع ما يمكن¢..
- هذا بالضبط ماقاله أيضا وزير الدفاع البريطاني - في ذلك الوقت- وليام فوكس في حوار مع صحيفة ¢ التايمز¢ البريطانية - نشرته يوم وصوله الي أفغانستان في أول زيارة يقوم بها الي هناك . السبت 22-5-2010 -.. قال : ¢أود أن تعود قواتنا في أقرب وقت ممكن .. لسنا شرطة دولية .. ولسنا في أفغانستان لنشغل أنفسنا بتدريب الشرطة في بلد مضطرب منذ القرن ال 13 .. نحن هنا لنتفادي تعرض الشعب البريطاني ومصالحنا العامة للتهديد¢ ..
* لعل ¢التصدع¢ الذي أصاب حلف شمال الأطلنطي وهدده بالتفكك والانهيار بسبب حرب أفغانستان . كان أحد الأسباب القوية التي دفعت الرئيس الأمريكي باراك أوباما لاتخاذ قراره بانسحاب قوات الحلف من أفغانستان بحلول عام 2014 .. كان الهدف من القرار هو انقاذ الحلف بعد أن ثبت أن الحل العسكري في أفغانستان غير ممكن !..
مشكلة التمويل
بعد انتهاء مشكلة ¢تقاسم الأعباء العسكرية¢ في أفغانستان بين دول حلف شمال الأطلنطي .. برزت الي السطح مشكلة أخري . هي ¢تقاسم الأعباء المالية¢ التي ظهرت مع مجيئ رجل الأعمال دونالد ترامب الي السلطة في البيت الأبيض ..
كان ترامب قد هاجم الحلف خلال حملته الانتخابية ووصفه بأنه ¢أصبح غير ذي جدوي¢ .. مستنكرا تحمل الولايات المتحدة معظم الأعباء المالية للحلف التي وصلت الي نسبة 68% من ميزانيته !.. قال في مارس 2016 :¢ان حلف شمال الأطلنطي يكلفنا كثيرا .. نحن بهذه الصورة نحمي أوربا بأموال دافع الضرائب الأمريكي .. لم يعد بامكاننا تحمل هذا الوضع .. يجب اعادة النظر فيه¢..
- تصريحات ترامب الانتخابية فتحت شهية وسائل الاعلام الغربية الي التساؤل عن امكانية انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلنطي .. ثم بدأت الحقائق تتكشف حول مساهمات الدول الأوربية في نفقات الدفاع .. فتبين أنها تنفق أقل من النسبة المقررة المتفق عليها بين دول الحلف في قمة ويلز ببريطانيا عام 2014 . وهي 2% من مجموع الدخل القومي لكل دولة .. بينما الولايات المتحدة تنفق62.3% من مجموع دخلها القومي بمبلغ وصل في عام 2015 الي 650 مليار دولار . وهو ما يعادل ضعف اجمالي ما دفعته جميع الدول الأخري في الحلف . الذي يضم الي جانب الولايات المتحدة 27 دولة . تمتلك ناتجا اجماليا يفوق ما تمتلكه الولايات المتحدة !..
- لعل ذلك هو ما جعل وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس يقول بوضوح في اجتماع وزراء دفاع دول الحلف . الذي عقد ببروكسل في 15/2/2017 : ¢اذا لم تحترم دول الحلف تعهدات الانفاق العسكري المتفق عليها . فان الولايات المتحدة سوف تقلل الدعم الذي تقدمه للحلف¢ .. كما اتهم بعض الدول الأوربية بتجاهل التهديدات الروسية .. وقال : ¢لا يمكن أن يهتم الأمريكيون بمستقبل أطفالكم أكثر مما تفعلون¢..!
- حتي ذلك الوقت كانت مساهمات دول أوربية صاحبة اقتصاديات كبري كألمانيا وفرنسا لا تزيد علي 1,8% فقط من مجموع دخلها القومي . بل ان دولا أوربية عدة من بينها ايطاليا وأسبانيا وبلجيكا والمجر وسلوفينيا كانت مساهمتها أقل من 1% ..!
الخلاف حول ايران
يعتبر الخلاف بين ضفتي الأطلنطي حول الاتفاق مع ايران بشأن برنامجها النووي . هو من أكبر نقاط الخلاف بين الجانبين ..
- فالرئيس الأمريكي ترامب اعتبر خلال حملته الانتخابية أن هذا الاتفاق هو أسوأ اتفاق وقعته الولايات المتحدة في تاريخها . ووعد بتمزيقه ..
- ترامب مازال علي موقفه .. وهاجم ايران بشدة في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة .. وصفها ب ¢الدولة المارقة¢ و¢الديكتاتورية الفاسدة¢ .. وقال : ¢ان الاتفاق مع ايران هو من أسوأ الصفقات واكثرها انحيازا التي دخلت فيها الولايات المتحدة علي الاطلاق.. بصراحة. هذا الاتفاق معيب للولايات المتحدة ولا اعتقد انكم رأيتم اسوأ ما فيه بعد¢..
- كما هاجم ترامب في خطابه النظام الايراني و¢انشطته المزعزعة لاستقرار المنطقة¢. .قال ¢صدقوني . لقد حان الوقت لأن ينضم الينا العالم بأسره في المطالبة بأن توقف حكومة ايران سعيها خلف الموت والدمار¢.. أضاف: ¢ان الحكومة الايرانية حوّلت بلدا غنيا وذا تاريخ وثقافة عريقين الي دولة مارقة مرهقة اقتصاديا وتصدر بشكل أساسي العنف وسفك الدماء والفوضي¢..
- المشكلة أن الولايات المتحدة تكاد تكون معزولة مع اسرائيل في هذا الملف .. فمن ناحية تؤكد دائما الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلفة بالتحقق من احترام ايران لالتزاماتها في الاتفاق . أن ايران ملتزمة بتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق ..
- ومن ناحية أخري لا تريد الدول الأوربية الدخول في مشاكل مع ايران حول برنامجها النووي . لأن الدول الأوربية تري أن هناك مصالح اقتصادية مع ايران يمكن أن تحصل عليها .. الدليل علي ذلك أنه بمجرد التوقيع علي الاتفاق يوم 14 يوليو 2015 .. بدأ كبار المسئولين الأوربيين في التقاطر لزيارة طهران قبل أن يجف مداد الاتفاق النووي .. فضلا عن أنه لم يكن قد تم التصديق عليه من البرلمانات الأوربية ..
- كان أول المسئولين الأوربيين الذين زاروا طهران هو ¢زيجمار جابرييل¢ نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الاقتصاد الألماني في ذلك الوقت .. وصل الي العاصمة الايرانية بعد مرور 5 أيام فقط علي توقيع الاتفاق النووي .. ثم أعقبته بعد أيام قليلة ¢فيديريكا موجريني¢ منسقة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوربي .. ارتدت ملابس طويلة بأكمام طويلة . وغطت شعرها ب ¢ايشارب¢ .. قبل أن تهبط بها الطائرة في طهران يوم 27 يوليو 2015 .. بعد ذلك بيومين فقط وصل الي طهران وزير الخارجية الفرنسي ¢لورانس فابيوس¢ حاملا دعوة من الرئيس الفرنسي ¢فرانسوا هولاند¢ الي الرئيس الايراني حسن روحاني للقيام بزيارة رسمية الي باريس ..
- بالطبع لم تكن هذه الزيارات لتبادل السلامات مع الملالي في طهران .. انما كانت تعكس سباقا محموما بين الدول الأوربية للفوز بأكبر نصيب من ¢كعكة¢ اعادة البناء والتعمير والصفقات مع ايران بعد الافراج عن أموالها المجمدة في البنوك الغربية . والغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ..!
* القصة كلها في سطر واحد هي أن الدول الأوربية حسمت أمرها بشأن البرنامج النووي الايراني .. علي أساس أن غض الطرف عن انتاج ايران للسلاح النووي أفضل من الدخول معها في مشاكل قد تصل الي مواجهة عسكرية ..
- ربما لأن المواجهة العسكرية غير مضمونة النتائج .. فضلا عن أنها ستكون عالية التكلفة ماديا وبشريا .. ثم ان هذه المواجهة تحتاج الي قرار من مجلس الأمن الدولي .. ومجلس الأمن لايمكن أن يصدر مثل هذا القرار . لأن كل من روسيا والصين حليفتان لايران . وستعارضان صدور القرار ..!
- فاذا أضفنا الي ما سبق . أن القنبلة النووية الايرانية لا تشكل أي تهديد حقيقي لأي دولة من دول مجموعة ¢5 + 1¢ التي وقعت الاتفاق مع ايران "وهي الولايات المتحدة . وبريطانيا . وفرنسا . وروسيا . والصين . وألمانيا" .. ندرك بسهولة سبب توقيع هذه الدول علي الاتفاق..
* علي ضوء ذلك يمكن أن نفهم أسباب الموقف الأوربي الداعم للاتفاق النووي مع ايران . الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة . عندما قال : ¢ان التزامنا بشأن عدم الانتشار النووي قد أتاح الوصول الي اتفاق صلب ومتين يتيح التحقق من أن ايران لن تمتلك السلاح النووي. ان رفض هذا الاتفاق اليوم من دون اقتراح أي بديل سيكون خطأ جسيما. وعدم احترامه سينطوي علي انعدام مسئولية لأنه اتفاق مفيد¢..
* وفي تصريحات لمنسقة السياسات الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موجيريني علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة .. أكدت موجيريني علي أن ¢الاتفاق لا يخص دولة أو أخري . وانما يخص المجموعة الدولية¢ ..
* بالطبع هناك محاولات تجري الآن لاجراء بعض التعديلات علي الاتفاق . قبل حلول 15 أكتوبر الجاري الذي يقدم فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقريرا الي الكونجرس الأمريكي حول مدي التزام ايران ببنود الاتفاق .. ليتحدد علي ضوء ذلك الموقف الأمريكي من الاستمرار في الاتفاق أو الانسحاب منه ..!
الأزمة الكورية
هي احدي نقاط الخلاف الكبيرة بين ضفتي الأطلنطي .. الي درجة أن بعض الأصوات داخل الدول الأوربية أعلنت أن اتفاقية تأسيس حلف شمال الأطلنطي لا تلزم الدول الأوربية بمشاركة الولايات المتحدة في أي عمل عسكري تقوم به ضد كوريا الشمالية !..
- الأزمة الكورية شغلت قسما كبيرا من خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصل الي درجة التهديد بتدمير كوريا الشمالية بالكامل! .. كما وصف رئيسها كيم يونج أون ب ¢الرجل الصاروخ¢ بسبب الصواريخ البالستية التي يطلقها. مؤكدا علي أن أون ¢انطلق في ¢مهمة انتحارية له ولنظامه¢..
- ثم وجه ترامب رسالة تحذير مغلفة الي الصين عندما قال: ¢هناك دول لا تكتفي بمبادلات تجارية مع هذا النظام فحسب . لكنها تمده أيضا بالسلاح وتوفر دعما ماليا لدولة تهدد باغراق العالم في صراع نووي¢..!
* هذا التصعيد العسكري مع كوريا الشمالية لا توافق عليه معظم دول العالم .. بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية اللتان ترفضان أي عمل عسكري لأنه سيدمرهما تماما ..
* الموقف الأوربي في هذه الأزمة عبر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون في خطابه بالأمم المتحدة وشدد علي ضرورة الحوار .. كما سبق أن عبرت عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أكدت في أكثر من مناسبة عن رفضها استخدام القوة العسكرية في حل النزاع مع كوريا الشمالية ..
* ويوم 13 أغسطس 2017 صرح مسئول في حلف شمال الأطلنطي لوكالة أنباء ¢فرانس برس¢ بأنه في حال هاجمت كوريا الشمالية القواعد العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي. فان دول الحلف لن تشارك تلقائيا في الصراع . في ظل ما نصت عليه اتفاقية الدفاع المشترك التأسيسية للحلف .. مشيرا الي أن ¢المادة 6 من معاهدة واشنطن. وهي الاتفاقية التأسيسية للدفاع المشترك بين دول الحلف. تحدد النطاق الجغرافي لتطبيق الدفاع المشترك. الذي يشمل أياً من الأراضي الأوروبية أو الأمريكية. أو الخاضعة لولاية أي من الأطراف الثنائية في منطقة شمال الأطلنطي. أي شمال مدار السرطان¢ ..
* هكذا تتسع الفجوة بين ضفتي الأطلنطي .. والقراءة المتأنية لخطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في جامعة السوربون بباريس يوم الثلاثاء 26/9/2017 . الذي دعا فيه الي ضرورة تشكيل قوة عسكرية أوربية للتدخل السريع .. قد تكشف لنا عن رؤية أوربية للاستقلال عسكريا عن حلف شمال الأطلنطي .. ربما تصبح هي ¢ورقة الطلاق¢ بين ضفتي الأطلنطي .. التي كتبت الأحرف الأولي بها في القمة الأوربية . التي عقدت يوم الخميس الماضي بالعاصمة الاستونية تالين . وبحثت سبل اصلاح الاتحاد الأوربي .. ¢من أجل أوربا مستقلة¢..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.