تعد شهادة أحد المجندين التونسيين وهو السيد المولدى بن علية، خير توثيق تاريخى للمشاركة التونسية فى حرب أكتوبر. يقول المولدي: «كنت فى تلك الفترة جنديا أؤدى واجبى العسكري، وليلة 6 أكتوبر زارنا الرئيس الحبيب بورقيبة بصفته رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة فى ثكنة وادى الليل بالضاحية الغربيةلتونس العاصمة. وهناك التقى بالفيلق العسكري، وألقى فيه كلمة أعطاه من خلالها الأوامر للالتحاق بأرض المعركة فى سيناء المصرية.
ويواصل بن علية ليقول:«كنا 5 آلاف جندى نتقد حماسا، ونسابق الزمن فى الاستعداد للرحيل وقع نقلنا مباشرة إلى مطار سيدى أحمد ببنزرت، حيث حملتنا طائرات إلى مطار بن غازى الليبي، بينما تكفل عدد من الجنود والقيادات العسكرية بالسير برا ضمن قافلة المعدات العسكرية التى تتكون من شاحنات وأسلحة ثقيلة ومدرعات وعتاد.
وأفاد بن علية:«أن وصول الجيش التونسى إلى سيناء كان يوم 9 أكتوبر 1973، وسرعان ما دخلت تحت إمرة قيادة الجيش المصري.. وفى يوم 15 أكتوبر 1973 صدرت أوامر بانسحاب الفيلق التونسى من سيناء ليتمركز بمنطقة بورسعيد، لحراستها، مع القيام بزرع الألغام على طول منطقتها الساحلية، ومراقبة وتفتيش كل القادمين إليها، خصوصا أنه يمتلك أسلحة مثل التى بحوزة العدو الإسرائيلي، علاوة على تقارب فى نوعية البزة العسكرية التى يرتديها، مما لا يخول للعدو تضليله أو إمكانية التسرب إلى بورسعيد.
وبين المولدى أن إقامة الفيلق التونسى بهذه المنطقة قد دامت 7 أشهر كاملة، تولى خلالها حراسة المنطقة بكل اقتدار، حيث لم تسجل خلالها أى خروقات للعدو.. وأشار أنه بعد هذه المرحلة جاءت أوامر برحيل الفيلق التونسى وعودته إلى أرض تونس، وقد تم تعويضه بفيلق تونسى آخر واصل مهمة حراسة بورسعيد المصرية.
ويعلق المحلل السياسى التونسى توفيق مدنى ل «الأهرام العربى» قائلا: برغم أن تونس دولة ضعيفة من الناحية العسكرية فإنها أصرت على المشاركة فى الحرب حتى ولو بشكل رمزى، خصوصا أن تونس من حيث خياراتها السياسية والاقتصادية والثقافية، كانت مع التبعية للغرب، وكان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مع تبنى نهج التسوية مع إسرائيل، وضرورة اعتراف العرب بقرار التقسيم 181، وهو الموقف الذى أعلنه فى أريحا سنة 1965، وتم على إثره تخوينه من قبل بعض الأنظمة العربية القومية آنذاك.
ولكن حرب أكتوبر وضعت مرتكزات خط التسوية وكان لها وقع كبير، فى ضوء تحطيم جبروت آلة الحرب الصهيونية - الأمريكية، خصوصا عندما اجتازت القوات المسلحة المصرية قناة السويس, بعد تحطيمها خط بارليف، والانتصارات العسكرية الأولى على الجبهة الشرقية. وبصرف النظر عن الطابع الذى كان يراد فى حينه لتلك الحرب، وعن النتائج التى أسفرت عنها، فإنه يجب رؤية ما نجم عنها من تغيرات مهمة على مجرى الأحداث فى العالم. لقد كشفت حرب أكتوبر عن قدرة الجيوش العربية على إلحاق الهزيمة العسكرية بالعدو الصهيوني، وبمواجهة الخطط العدوانية للإمبريالية الأمريكية، عندما يكون هناك قرار سياسى بخوض الحرب ضد معسكر أعداء الأمة العربية، من أجل تحرير الأراضى العربية المحتلة. وأظهرت للعالم أن العرب أمة مقاتلة و مناضلة، لها من الإمكانات ما يجعلها قادرة على محو الهزيمة التاريخية. وترافق مع هذا كله، مع استخدام العرب لأول مرة سلاح النفط فى خريف 1973 كوسيلة من وسائل الحرب الاقتصادية ضد الدول الإمبريالية المؤيدة للكيان الصهيوني.