تلك الرائحة.. لعلنى اليوم يجب أن أستغل تلك المساحة.. لتمرير قيم يجب أن نستعيدها وفى مقدمتها الصدق مع النفس.. وتلك حكاية ذات الوجه المصقول الناعم والملامح الإغريقية التى لا يوجعها فى هذا العالم سوى سوء التفاهم على حد قول جبران.. ولذلك فهى ترى أن زوجها السابق قد دفع ضريبته تقصيراً وبعاداً إنسانياً انعكس على روح الحياة وشكلها، وولد فجوة بينهما أخذت بالاتساع شيئا فشيئا وكان النتاج عدم رضاء بالواقع واندفاعاً للبحث عن المجهول .. فهى متهمة طوال الوقت بالتخلى عن حقها فى حياة أسرية كباقى النساء، لأنها تجاسرت بعد عشرين عاما أن تصمم على الحصول على حريتها.
هى ترى أنها أنثى فاضلة قادتها حياتها البائسة المملة إلى التفتيش عن حقيقتها وعن من يشاركها أفكارها ويربت على مشاعرها.. ببساطة عن رجل يحبها.
إنها تلك الرائحة التى تسمى الصدق مع النفس، والتى يجب أن نتعرف بأنفسنا عليها ونسعى عبرها لمعرفة ذواتنا والتصالح معها.
يوم التقيتها حدثت تلك الومضة المدهشة.. شعرت أننى انعدلت موازينى وأننى أخيرا وجدت الطريق إلى روحى.. أذهلتنى بجمالها ومحبتها حتى إننى كنت أسألها .. أنت كده إزاى .. أو أقول لها أنت متأكدة إنك إنسانة حقيقية على الأرض أم أنت خيال.
كنا نقضى يومنا فى رغى متواصل بموضوعات مهمة ونتبادل الآراء .. وبما أن مجال عملنا هو الكتابة فكنا نتناقش حول آخر مقالاتنا بوضوح وصراحة وإن كنت أرى الحب والغرام فى تعليقاتها المأخوذة بما أكتبه مرت الشهور ونحن غير آبهين سوى بذلك الوهج المشتعل بيننا .. وتلك المشاعر الناصعة .. غير منتبهين لما فى حياة كلينا من ألم ودوافع إحباط. كل ما أعرفه أننى بعد أن خرجت من براثن الجماعة المشبوهة التى انتميت إليها سنوات طويلة.. وجدت نفسى بطلا محمولا على الأكتاف.. وفى ذلك التوقيت المبهر فى سجل حياتى لم يخفق قلبى بحق لسواها .. فكان على أن أقتنص السعادة والابتهاج مهما كانا غير واقعيين.
تناسيت فى غضون تلك الفترة وجود زوجتى وأبنائى بشكل يلبى فى حياتى كما كنت معتادا، فهى وبدون تدبير تعرفت إلى زوجتى وأحبتها للغاية .. وكنت أنا منجذبا لها لشعورى بما تضفيه على أيامى وشخصى من طاقة إيجابية لما تحمله روحها من محبة شديدة تستطيع أن توزعها على من حولها بصفاء.. حتى إننى كنت أخاف عليها من الوغد الذى ترعرع داخلى على مدى سنوات وجعلنى أتمتع بكل هذه الوصولية وأنا معترف تماما بدناءاتى .. كنت أسعد بمجرد إطلالتها فإن لم نلتق لعشاء أو غداء نظل يومنا نتبادل الكتابة على الواتس آب. كنت أحاول الاجتهاد أيضا فى دخول مشروعات كتابية تشجعنى هى عليها .. واستمر الوضع لشهور وكأننى أعيش فى سلام !!
وفى وسط كل هذا الانغماس الحلو فجأة ظهرت فى حياتى الفتاة التى كنت أعرفها قبل انبهارى هذا .. الفتاة التى كانت تلاحقنى كظلى والتى تعودت على وجودها الذى تناقص فى الفترة السابقة بفعل انتهاء العمل بيننا وتهربى منها واعتبارى لها كائنا لحوحا مملا .. ولكنها العادة والتعود والقولبة استطاعت بها أن تشدنى إليها وخصوصا لأن ظروفى المادية أصبحت مرتبكة، فقد فضلت الابتعاد عن المحبوبة الجديدة بكل محبتها ولطافتها .. التى أذهلتها تصرفاتى وأزعجتها.
عند هذا الحد يا سيدتى أرجو ألا تعتبرينى رجلا أفاقا مخادعا بل اعتبرينى مختلا عاطفيا أفضل ..
لم أعد أعرف أيا منهما أريد .. المهم أننى أيضا كنت أريد إرضاء زوجتى وأبنائى الذين اضطررت أن أدخل معهم فى جدل وخلافات بسبب فتاتى الأولى التى غارت منها زوجتى لسنوات وما زالت، وأنا لا أستطيع الفكاك من براثن سيطرتها لأنها تعرف تفاصيلى، فهى فى مقام مساعدتى وسكرتيرتى الخصوصية جدا. أما الحبيبة الجديدة الهانم الجميلة الأنيقة، فقد كانت سيدة محترمة بمعنى الكلمة، وحاولت تفهم انحرافاتى المزاجية ولكننى لم أستطع مواصلة علاقتى حتى الطفيفة معها لغيرة فتاتى منها وتهديداتها. متهم أنا بالخيانة لزوجتى والنذالة مع حبيبتى، كما أننى شخص مشكوك فى الأصل فى مصداقيتى رغم وجود معجبين ومحبين. أحاول أن أخدع نفسى دوماً بتبرير كل تصرفاتى أمام مرآة روحى، ولكننى لا ألبث أن أنهار وأبقى لأيام ببيتى مغلقا بابى يملؤنى اليأس والإحباط. ولن أنسى رسائل الحبيبة التى حاولت إفاقتى وإخراجى من مستنقع الكذب الذى سقطت فيه معنويا. ولكنها تلك الورود الملقاة فى طريقى لتزيين خطواتى الشيطانية من خيانة لزوجتى مع فتاتى.. وإقصاء السيدة صاحبة الضمير من حياتى حتى لا أستمع لتأنيباتها على إهمالى لزوجتى وأبنائى الذين نشأت بينى وبينهم فجوة عميقة بسبب وجود فتاتى السكرتيرة العابثة الأنانية التى تكيد لزوجتى أمامى وأنا عاجز عن الدفاع عنها .. وهنا أعترف أننى منساق جبان ولا أعرف كيف الفكاك منها .. مستسلم لها وأخاف أن تفضحنى بجنونها إن غضبت لتدمر ما تبقى من سمعتى .. أهرب إلى تدخين الحشيش بغزارة لأرتكب المزيد من الأخطاء فى حق زوجتى وأبنائى وفى حق نفسى وفى حق تلك الملائكية التى أحبتنى ولم تؤذنى وحاولت تقريبى من زوجتى وأبنائى دون أن تكون لها أغراض سوى أن تبتهج بسعادتى وراحتى.
لعلنى أكون قد أزحت بعض ثقل عن صدرى باعترافى هذا بأننى مخطئ، وإن كنت مازلت أمارس كل نزقى بمنتهى الدم البارد على أرض الواقع !! جلال . وسط البلد
عزيزى الراقص مع الذئاب والماشى فى طريق الشيطان المفروش بالورود... هيهات أن تستمر .. وإننى أرجوك أن تكف عن كل هذا العبث الثقيل مع تلك الربع دوزنة من النساء، وإن كنت لا أود الزج بتلك الحبيبة المنسحبة ذات الضمير الحى فى وسط نسائك .. ولكن يبدو أن ذلك هو قدرها.. فهى قد أحبتك بصدق وإلا ما كانت لتقترب من زوجتك وأبنائك لتحاول أن تصلح ذات البين وأنا واثقة أنها كانت تخفف بحبك وطأة وألم تلك العلاقة بينكما المحكوم عليه بالفناء. أما زوجتك فهى لم تفلح فى ترويض وحشيتك .. لأنها كما يبدو من كلامك تألمت بسبب خيانتك وانشغالها بتطبيب نفسها لتستطيع مواجهة واقع عدم وجودك معها هى وأطفالها منك واليتامى فى حياتك..
لا أريد أن أقسو عليك ويكفيك وجودك تلك الذئبة المفترسة فى مجريات أيامك وساعاتك ودقائقك، ويكفيك ثقل حملها بكل شرورها وتهديداتها لتكون انتقاما عادلا منك .. أكره قسوتى ولكن ما أقوله مبنى على اعترافك الشخصى، وإن كنت لا أخليك من مسئولية تقريبها إلى حد وصولها لكل هذا التمكن من خنقك. يقينا عليك أن تستعيد بيتك المهمل وامراتك صاحبة الجلد التى عاشت كل تلك الإهانات وقبلتها على كرامتها لتحافظ على الأولاد وتحمى بيتها من الانهيار!! أما الملائكية أو الهانم أو الحبيبة أو المبهجة كما سميتها مرارا عبر رسالتك، فاتركها لشأنها ترمم انكساراتها وتتداوى وتذكر أنها فى عز محبتها لك بحثت عن مصلحتك أنت .. فتأكد أنها ستكون كفيلة بنفسها ..
يا عزيزى ..كن صادقا مع نفسك وأفلت من براثن الذئبة حتى لا تصيبك العدوى وتتحول إلى مستذئب تأكل أفراد عائلتك ..
أما إشارتك لمن كنت تنتمى إليهم فكريا وأفلت منهم فهؤلاء ذئاب آخرون لا تعتمد على طريقتهم فى الحياة واخلع قمصانهم عنك وفر إلى الحياة لتراقصها من جديد نظيفا نقيا ماحيا خصالهم وأساليبهم فى ممارسات الحياة اليومية ولا يكفى أن تخلع أفكارهم والأهم أن تخلع سلوكياتهم التى أعتقد أنها كانت السبب الرئيسى لتكوينك بهذا القدر من الضعف الإنسانى، ولا تكترث بقضية حملك على الأعناق وأدوار البطولة لأنها كلها قبض الريح.. حاول أن تتذكر كلماتى عل حياتك تنتظم.