ماركس متوسط القامة ، عمره 34 سنة، أخذ شعره يشيب بالرغم من أنه فى ريعانه. قويّ البِنية ، تشبه ملامحُه زيمير Szemere رئيس وزراء الحكومة الثورية الهنغارية قصيرة العمر فى 1848 ، الذى كان صديقاً لماركس، لكنّ سحنته أغمق ، كما أن شعره ولحيته أسودان. الأخير لا يحلق شعره، وفى عينيه الواسعتين النفّاذتين شيءٌ شيطانيٌّ . لكن المرء يستطيع القول منذ الوهلة الأولى إن هذا الرجل ذو عبقرية وقوّة. إن ذكاءه المتفوق يمارس تأثيراً لا يقاوَم فيما يحيط به . فى حياته الخاصة ، لا يحبّ النظام ، مريرٌ ، وسيّء المزاج . إنه يحيا حياة الغجريّ ، حياة مثقفٍ بوهيميّ ، أمّا الاغتسال والمَشط وتبديل الثياب فلا يكاد يعرفها إلا نادراً . يستمتع بالشراب. وهو فى الغالب لا يفعل شيئاً أياماً وأيّاماً ، لكن إن كان لديه عملٌ يؤدِّيه اشتغلَ ليلَ نهارَ فى مثابرةٍ لا تكِلُّ . ليس لديه وقتٌ محددٌ للمنام والاستيقاظ . وغالباً ما يسهر الليلَ كلَّه ، ثم يتمدد على الأريكة بكامل ملابسه حوالَى الظهيرة ، وينام حتى المساء ، غير عابيءٍ بحقيقة أن العالَمَ يتحركُ جيئةً وذهاباً فى غرفته. زوجته هى أختُ الوزير البروسيّ، فون ويستفالِنْ، وهى امرأةٌ مهذّبةٌ لطيفةُ المعشر ، عوّدتْ نفسَها على هذه العِيشة البوهيمية، حبّاً بزوجها، وهى مرتاحةٌ الآنَ تماماً فى هذا البؤس . لديها ابنتان وولدٌ ، والثلاثة حسنو الهندام حقاً ، وعيونهم ذكيةٌ مثل عينى أبيهم . ماركس ، زوجاً وأباً ، أفضل الرجال وأرقُّهم ، بالرغم من شخصيته القلِقة . يعيش ماركس فى حيٍّ من أسوأ أحياء لندن أى من أرخصها . لديه غرفتان . إحداهما تطلّ على الشارع وهى الصالون ، غرفة النوم فى الخلف . وليس فى الشقّة كلها قطعة أثاث ثابتة نظيفة . كل شيءٍ مكسورٌ ، مهتريءٌ وممزّقٌ ؛ وثمّتَ طبقةٌ ثخينةٌ من الغبار فى كل مكانٍ . وفى كل مكانٍ أيضاً الفوضى العظمى. وسط الصالون طاولةٌ ذات طرازٍ عتيقٍ مغطّاةٌ بمشمَّعٍ . على هذه الطاولة مخطوطاته ، وكتبه وصحفه ، ثم دُمى الأطفال ، وأدوات زوجته للترقيع والخياطة ، مع عددٍ من الأكواب مثلومة الحافات ، والملاعق القذرة، والسكاكين والشوكات والمصابيح ، وهناك محبرةٌ ، وكؤوسٌ ، وغلايين فخّار هولندية ، ورماد تبِغٍ – أى أن كل شيء على أسوأ حالٍ ، وعلى الطاولة إيّاها . إن أدنى الناس سيرتدُّ خجِلاً من هذه المجموعة المرموقة . حين تدخل غرفة ماركس ، يدهمك الدخان وأدخنة التبغ حتى لتدمع عيناك كأنك تتلمّس طريقك فى كهف . وبالتدريج ، تعتاد عيناك على الضباب ، وتبدآنِ تميِّزان أشياءَ قليلةً . كل شيءٍ قذرٌ مغطّى بالغبار . والجلوسُ خطِرٌ . أحد الكراسى له ثلاثة أرجلٍ فقط . وعلى كرسيّ آخر صادفَ أنه متماسكٌ يلعب الأطفال لعبة الطهو. هذا الكرسيّ يقَدَّمُ إلى الزائر ، لكن طهو الأطفال يظل فى مكانه . إنْ جلستَ ضحّيتَ بسروالك. لا شيء من هذا يضايق ماركس أو زوجته . أنتَ تُستَقبَلُ خيرَ استقبالٍ . ويقَدّمُ لك الغليون والتبِغُ وما سوى ذلك بكل كرمٍ ، كما أن الحديث اللطيف المفعَم بالروح كفيلٌ بالترميم الجزئى للنواقص . بل إن المرء ليعتاد العِشرةَ ، ويرى هذه الحلْقةَ مثيرةً للاهتمام وأصيلةً . ها هى ذى الصورة الحقيقية للحياة العائلية للزعيم الشيوعيّ ، ماركس … A Prussian Police Agent's Report, Published in G.Mayer, “ Neue Beitrage zur Biographie von Karl Marx” , In Grunberg's Archiv, Vol.10, pp.56-63.