فيما ألِفْناهُ من عربيّةٍ ، يُمْكِنُ أن نضع مرادفاً أو إثنَين، لهذا السؤال : أخياليٌّ أنتَ؟ أمُخْتَلٌّ أنتَ؟ ذلك لأن كلمة طوباوِيّ، وهى نسَبٌ إلى «طوبَى»، تعنى فى سايكولوجيّة الانزياح، شخصاً ذا أوهامٍ . لكنْ، سرعانَ ما يختلف الأمرُ جدّاً، حين نعود إلى الأصل الحضاريّ، والرِّسِّ اللغوى للكلمة : يوتوبيا Utopia الكلمة مركّبةٌ فى الأصل الإغريقى من :ou أى “ لا “، ومن topos أى : مكان . هكذا تعنى الكلمة فى الأصل: لا مكان . لكن هناك ميلاً آخر إلى معنى «المكان الطيّب» eu-topos * هذا الاستطرادُ مَرَدُّهُ أننى كنت موَلّهاً فى الأيّام العشرة الماضية بقراءة النصّ ذى الإنجليزيّة المعاصِرةِ، لكتاب توماس مور “ يوتوبيا “، المكتوب أساساً باللغة اللاتينية، والذى كانت طبعتُه الأولى فى العام 1518 بمدينة بازِل السويسريّة . * ولِدَ توماس مور فى العام 1478 وأُعدِمَ بقطع الرأس فى العام 1535 * عاصرَ توماس مور اثنين من ملوك إنجلترا : هنرى السابع، وهنرى الثامن . وتولّى مناصبَ رفيعةً بينها رئيس البرلمان، ووزير الخزانة . لكنه كان على خلاف مع هنرى الثامن، حول زواج الملك من آن بولين (التى قطَعَ الملكُ رأسَها)، وطبيعة علاقة الملك مع روما. كما رفضَ أن يُقْسِمَ يمينَ الولاء لهنرى الثامن. هكذا سُجِن فى برج لندن الشهير، ثم أُعدِمَ بقطع رأسه، فى السابع من تموز ( يوليو ) 1535. فى العام 1935 ( أى بعد أربعمائة سنة من إعدامه ) طوّبَه البابا بيوس الحادى عشر، قدِّيساً . * قد قلتُ إنى أمضَيتُ عشرة أيّامٍ من حياتي، أقرأُ “ يوتوبيا “ توماس مور . هل لى أن أقولَ إن تلك الأيامَ العشرةَ كانت من أجدى أيّام حياتي؟ الحقُّ أننى أغبِطُ نفسى . * يرى كاوتسكى النمساوى ّ، سكرتير فريدريك إنجلز، ومَن جمعَ وأعَدَّ المجلّدَ الأخير من “ رأسمال “ ماركس، بعد رحيل ماركس، أقولُ: يرى كاوتسكى أن “ يوتوبيا “ توماس مور كانت المبشِّر بالاشتراكية، بل بالشيوعيّة ! * “ اليوتوبيا “ فى أسلوبها، اختارت فنَّ القصص، فالمؤلف يلتقى مصادَفةً، السيدَ هيثلودَى الذى كان مع القبطان أمريكو فيسبوشى ، وهو مَن بلغَ القارة الجديدة، بتكليفٍ من ملك البرتغال . يحكى السيد هيثلودَى عن بلادٍ ربما كانت “ البيرو “ الحاليّة، وعن أحوال الناس فيها وأطوارِهم . المجتمعُ المساواتيُّ القائم فى تلك البلاد يقتربُ فى تفاصيله من أحلام مَن يهوَونَ المساواتيّةَ سبيلاً : لا نقود، لا أغنياء، السكنُ للجماعة، والمأكلُ للجميع فى موائدَ للجميع ! * نَصٌّ من اليوتوبيا الأكبرُ سنّاً فى أيّ منزل، كما أسلفتُ، هو مَن يُسَيِّرُ الأمورَ . الزوجةُ لزوجِها، والطفلُ لأبَوَيه . والصغيرُ يخضعُ للكبير عموماً . كل مدينةٍ مقسَّمةٌ إلى أربعة أقسام متساوية . ووسط كلِ قسمٍ سوقٌ لكل صنوف البضاعة . منتَجاتُ البيوتِ يؤتى بها إلى هنا لتُخزَنَ فى مستودَعاتٍ، مقسّمةٍ حسب نوع المنتوج . إلى هنا يأتى مُدَبِّرُ المنزلِ ليأخذَ ما تحتاجه الأسرةُ، ويمضى به إلى المنزل، بدون أن يدفعَ شيئاً أو عوَضاً . لِمَ يُحْرَمُ ممّا يريدُ؟ ثمّتَ وفرةٌ فى كل شيء، وليس هناك خوفٌ من أن يأخذَ المرءُ أكثرَ من حاجته .