تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات الطب البيطري 2024 المرحلة الأولي بالنسبة المئوية    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بمدينة الخانكة    وزير الزراعة: تجاوز صادرات البطاطس 1.3 مليون طن للمرة الأولى    وزير السياحة: ارتفاع معدل إنفاق السائحين... وتوقعات بتجاوز حاجز 18 مليون زائر بنهاية العام    خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء.. " كامل الوزير" يستعرض خطة تطوير الطريق الدائري الإقليمي    اللحظات الأخيرة من إصلاح كابلات "جزيرة الذهب" استعدادا لإعادة التيار للجيزة    الحوثيون يعلنون عن خطوات تصعيدية جديدة ردا على الحرب فى غزة    رابطة العالم الإسلامي: مؤتمر "حلّ الدولتين" فرصة للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ    إسرائيل تفرض رقابة عسكرية مُشددة على المُراسلين الأجانب الراغبين في دخول غزة    مقتل 4 على الأقل إثر خروج قطار يحمل نحو 100 راكب عن مساره جنوب ألمانيا    الاحتلال يقصف حَيَّيْ التفاح والشجاعية في مدينة غزة    تمارا حداد: الهدنة الإنسانية.. خطوة سياسية تكتيكية لشرعنة الحصار واستمرار الحرب على غزة    مستشار ترامب ل "الفجر": إيران تلقّت ضربة عسكرية مباشرة بأمر من ترامب بسبب برنامجها النووي    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    الصفاقسي التونسي يعلن تعاقده مع علي معلول.. والتفاوض مع لاعب الزمالك    جدول مباريات الزمالك في الدور الأول من الدوري المصري الممتاز موسم 2024-2025    الغندور يعلن رحيل نجم الزمالك.. ويكشف وجهته المقبلة    رضا عبدالعال: «القرعة ظالمة ومعمولة علشان الأهلي ياخد الدوري»    الأرصاد تحذر من ارتفاع الأمواج في عدد من الشواطئ (تعرف عليها)    إصابة 5 أشخاص بحادث انقلاب سيارة في البحيرة    صور حادث تصادم قطار خط المناشي بجرار زراعي في البحيرة    القبض على عاطلين متهمين بهتك عرض زميلهم بشبين القناطر    السيطرة على حريق اندلع بمحيط فيلا في منطقة الشيخ زايد    في أولى جولاته الميدانية.. مدير أمن سوهاج الجديد يتفقد عددًا من المواقع الشرطية بالمحافظة    أحمد نبيل: تعليم الأطفال فن البانتومايم غيّر نظرتهم للتعبير عن المشاعر    «السياحة والآثار» تواصل استعداداتها لإدراج منطقة «تل العمارنة» الأثرية بقائمة التراث العالمي    ثقافة الفيوم تناقش التحولات الاجتماعية في الرواية المصرية بعد ثورة 23 يوليو.. صور    متخليش الصيف ينسيك.. فواكه ممنوعة لمرضى السكر    معاناة حارس وادي دجلة محمد بونجا.. أعراض وأسباب الإصابة ب الغيبوبة الكبدية    شروط القرض الشخصي لأصحاب المهن الحرة في البنك الأهلي    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. استشهاد 4 فلسطينيين فى قصف الاحتلال على خان يونس.. هزات أرضية وصلت ل3.8 درجة بمقياس ريختر فى ميانمار.. مقاتلون سابقون فى طالبان نقلوا لبريطانيا حفاظا على سلامتهم    طه عزت: الموسم المقبل بلا تأجيلات.. وهناك تنسيق مع حسام حسن بسبب الأجندة الدولية    عقب مصرع مدير أمن الوادي الجديد.. وفاة رقيب شرطة متأثرا بإصابته فى حادث المنيا    دفاع أحد ضحايا سفاح المعمورة بعد الحكم بإعدامه: طالبنا بتعويض مدنى مليون جنيه    مدرب بيراميدز عن موعد مباراة دجلة: اللعب فى حرارة 45 درجة تهديد لصحة اللاعبين    ثروت سويلم: لا يوجد خلاف بين اتحاد الكرة ورابطة الأندية.. ولا تأجيلات فى الدورى    أخبار × 24 ساعة.. توقعات بارتفاع الحد الأدنى لتنسيق كليات علمى من 1 ل2%    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    إيهاب توفيق يشعل المهرجان الصيفي للموسيقى بالإسكندرية (فيديو وصور)    المعهد القومي للكبد: مصر حققت إنجازًا عالميًا في القضاء على فيروس "سي"    «قالوا لي إني ميتة».. أنوار تروي مأساة 9 سنوات انتهت باختفاء الزوج ووقف المعاش    حددت شروطا للظهور به وارتدته وخلعته قبل 11 عاما.. قصة سما المصري مع الحجاب بعد «فيديو البكاء»    تنسيق الثانوية العامة 2024 علمي علوم بالنسبة المئوية المرحلة الأولى (جدول)    سعر الدولار فى التعاملات الصباحية اليوم الاثنين 28-7-2025 فى البنوك    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    بعد توقف 11 عاما.. رئيس حقوق الإنسان بالنواب يُشارك في تشغيل مستشفي دار السلام    رغم ارتفاع درجات الحرارة.. قوافل "100 يوم صحة" تواصل عملها بالوادى الجديد    رفضت عرسانًا «أزهريين» وطلبت من زوجها التعدد.. 19 معلومة عن الدكتورة سعاد صالح    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ الوادي الجديد ينعى مدير الأمن الراحل إثر حادث سير بالمنيا    جامعة أسيوط تشهد فعاليات اللقاء العلمي "GEN Z ANALYSTS" بكلية التجارة    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    البابا تواضروس يصلي القداس مع شباب ملتقى لوجوس    محافظ الغربية يكرم أوائل الثانوية الأزهرية بالجمهورية من أبناء المحافظة    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    وزارة التربية والتعليم تعلن بدء تحويلات المدارس الدولية IPS    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عماد حمدي.. فتى الشاشة الأول.. والأخير.. الظلم حرام
نشر في الأهرام العربي يوم 03 - 07 - 2017

المخرجون يصرون علي ترشيح عماد لأدوار الفتى الأول برغم تخطيه الخمسين

نادية الجندي تلح على عماد في أن يقدمها كنجمة.. فينتج لها أول بطولة

برغم النجاح الكبير الذي يحققه عماد حمدى فيما يسند إليه من أدوار، فإنه لاحظ فجأة أنه لم يعد شابا كما كان الشعر الأبيض تسلل إلي رأسه، والتجاعيد أصبحت واضحة فوق وجهه، لكن المخرجين لم يقتنعوا بذلك وظلوا يصرون علي ترشيحه لأدوار الفتى الأول و»الرجل العاشق» الذي تهواه النساء، مثل فيلم «بين الأطلال» الذي قدمه مع فاتن حمامة، قصة وحوار يوسف السباعى، سيناريو وإخراج عز الدين ذو الفقار، والذي حقق نجاحا باهرا، مثلما حققت أيضا أفلام «صخرة الحب، قلب يحترق، قلب من دهب، وهدى» نجاحات تغرى أي فنان أن يستمر في تقديمها طالما تحقق كل هذا النجاح، فإنه قرر أن يضع نهاية لهذه النوعية من الأدوار، قبل أن يجبره الآخرون على ذلك، ويطالبه الجمهور بهجرها، فكانت البداية عندما التقى شادية لأول مرة بعد الانفصال، في فيلم «ارحم حبى» ليقدم مالم يقدمه من قبل، دور الزوج المخدوع، ليكتشف أن هناك من هو أكثر منه شبابا يستطيع أن يلعب دور «الحبيب» ببراعة، كما قدم بعده مع شادية أيضا فيلم «المرأة المجهولة» والذى استدعى أن يظهر فيه كل منهما وقد كسا الشيب رأسه، فبدت عليه ملامح الكبر واضحة لا تخطئها عين، وهو مالم يبد على شادية، برغم المكياج المبالغ فيه لإظهارها قريبة منه في السن، كما أصبح لأول مرة أبا لفنان في عمر شكرى سرحان، فكان لابد أن يتخذ قرارا بعدم العودة لأدوار «الفتى الأول» مرة أخرى، فأقبل على أدوار الرجل الوقور ذى الحكمة، الذي يحركه عقله وليس قلبه، مثل «الرباط المقدس، جسر الخالدين، أقوى من الحياة» حتى عرض عليه المخرج حسن الإمام فيلم «زوجة من الشارع».

شعر عماد بحماسة كبيرة للفيلم خصوصا بعد أن عرف أن هدي سلطان وكمال الشناوي سيشاركانه، فضلا عن ممثلة جديدة تدعى نادية الجندي، لم يكن سمع باسمها من قبل، لكنه لم يمانع من إتاحة الفرصة لها.

بدأ حسن الإمام تصوير الفيلم في بلدة «أجا» بمحافظة الدقهلية، لتقع عيني عماد حمدى على الممثلة الشابة نادية الجندي لأول مرة، ومن خلال العمل أمام الكاميرا والظهور في مشاهد مشتركة كان لابد أن يكون بينهما حوارات وتعليقات، وكأي ممثلة جديدة فإنها بحاجة إلى إرشادات وخبرة النجوم الكبار، فلجأت إليه تطلب توجيهاته، فلم يبخل عنها بتوجيهاته المخلصة في فترات الاستراحة ما بين التصوير، بدأ عماد يفكر بعمق في حياته الموحشة التي أصبحت مثل صحراء قاحلة، بعد ست سنوات عاشها بمفرده بعد انفصاله عن شادية، حتى إنه شعر بحاجته إلى شريكة تبدد وحشته أكثر من أي وقت مضى، فبدأ يتخيلها شريكةً لحياته، غير أنه كان يستبعد ذلك بسبب فارق العمر بينهما، لكنه فجأة وجدها تقترب منه وتهتم بشئونه، فشعر أنها تبادله نفس مشاعره، بل وشجعته على أن يتجرأ ويطلب منها الزواج، فلم تتردد لحظة، ووافقت على الفور، ومع انتهاء فيلم «زوجة من الشارع» عاد عماد حمدى إلى بيته بزوجة، وقبل أن ينتهى العام، كانا قد أنجبا ابنهما «هشام».

اللجوء إلى المسرح

بعد الزواج من نادية الجندى، لم يعد هناك ما يهتم به سوى السينما ونادية، حتى هوايته في حب الخيل، لم يعد يهتم بها، فبعد أن كان لديه مزرعة خيل، يقتنى فيها 35 جوادا من أفضل خيول السباق، حيث كان كلما توافر لديه مبلغ من المال، بادر باقتناء حصن جديد، فلم يكن المال بالنسبة له هدفا، بل وسيلة للاستمتاع بالحياة، بدأ يبيع خيوله واحدا تلو الآخر، حتى إن مدرب خيوله، وهو «يهودي» من مواليد بولاق، كان يمتلك حصاناً واحداً عندما بدأ الإشراف على تدريب خيول عماد، لكنه أصبح يمتلك إسطبلاً مليئا بالخيول، فيما لم يعد لدى عماد سوى حصان واحد، حتى إنه كان يتندر عليه في بعض الأحيان، وهو يشير نحو حصان يجر عربة حنطور أو يجر بعض الأحمال الثقيلة، قائلاً: بص يا أستاذ عماد مش فاكر الحصان ده

لا طبعاً إيه كنا زمايل في المدرسة

العفو يا أستاذ.. أنا أقصد أقولك إنه كان حصانك وكان عندنا في الإسطبل قبل ما تبيعه.

شعر عماد أنه لابد أن يبدأ مرحلة جديدة من خلال نوعية مختلفة من الأدوار، قد يقع خلالها في الحب، غير أنه ليس الحبيب الشاب، الذى اعتاد الجمهور أن يراه فيها الجمهور، مثل أدواره في أفلام «أقوى من الحياة، أنى أتهم، العملاق، لا تذكريني، لا تطفئ الشمس، الخرساء، بلا دموع» حتى أكد رؤيته لأدواره الجديدة على الشاشة من خلال قبوله لدور «المراهق الكبير» مع عز الدين ذو الفقار، في دور الرجل الوقور الذي يدرك أنه لابد أن يبتعد من أجل أن يأخذ الشباب دوره في الحب والحياة، وفي الوقت نفسه لفت نظر عماد إلى نوعية الأدوار المناسبة له، فقدم بعده أفلام «وفاء إلى الأبد، الخطايا، غدا يوم آخر، سلاسل من حرير» حتى عرض عليه المخرج عاطف سالم تقديم رواية عبد الحميد جودة السحار «أم العروسة» الذي كتب لها السيناريو والحوار عبد الحي أديب، أمام تحية كاريوكا، وسميرة أحمد، ويوسف شعبان، وحسن يوسف، ومديحة سالم، ليحقق الفيلم نجاحا كبيرا، وفتحا جديدا في الكوميديا الاجتماعية في السينما، ليعيده مجددا إلى النجومية، ليجد مكالمة هاتفية من الفنان السيد بدير، يطلب لقاءه بإلحاح:
= إيه رأيك لو نشتغل مع بعض؟
* إنت بتسألني.. طبعا موافق
= مش لما تعرف هانعمل إيه الأول؟
* يا سيدي إعمل اللي تعمله أنا معاك باكون مطمن.. يظهر «أم لعروسة» فتح شهيتك للسينما الكوميدية؟
= هو فتح نفسى فعلا بس للمسرح.. مش للسينما
* مسرح.. يااااه؟!
= إيه ياااه دي.. عندك مانع؟
* بالعكس.. أنا باقول ياه أنه أخيرا المسرح افتكرني
= قصدك أنك لو وافقت يبقى إنت اللي افتكرت المسرح.. ياما اتحايلنا عليك وإنت اللى كنت بترفض
* ماكنتش برفض لكن السينما ماكنتش بتخليني أفكر في أي حاجة تانية.. بس إنت عارف أنا بحب المسرح أد إيه من أيام «فرقة أنصار التمثيل والسينما».. فاكر؟
= ودي أيام تتنسى.. بس أفهم من كده أنك موافق
* أبصملك بالعشرة من غير ما أعرف الرواية.
مع تولى السيد بدير مسئولية مسرح التليفزيون، حرص على أن يثري مكتبة التليفزيون المسرحية بالعديد من الأعمال المتنوعة، فتعاقد مع عماد على ثلاث مسرحيات جديدة، بدأها بمسرحية «خان الخليلي» التي أخرجها حسين كمال، والثانية «خطيئة حواء» وأخرجها جلال الشرقاوي، والثالثة» الرجل والطريق» وأخرجها محمود الشريف، لتحقق المسرحيات الثلاث نجاحا كبيرا، حتى إن السيد بدير قرر أن تجوب كل محافظات مصر، للعرض فيها، فاضطر عماد للاعتذار عن عدم الاستمرار فيها، بسبب ارتباطه بتصوير عدد من الأفلام في القاهرة، غير أنه لم يبتعد أيضا عن المسرح، حيث رشحه المخرج كمال ياسين لبطولة مسرحية «شاهين ما مات» لتوفيق الحكيم، لتقديمها على المسرح القومي، أمام سميرة محسن وحسن عابدين، لتعرض خلال شهر مايو من العام 1963، في ظل انشغال كل البيوت بالامتحانات، حتى إنه فوجئ في إحدى ليالى العرض بوجود عشرة متفرجين فقط في الصالة، برغم تفوق كل عناصر المسرحية، فقرر ترك المسرحية، فعرض عليه مسرح القطاع الخاص تقديم مسرحية خلال الموسم الصيفي في الإسكندرية، فوافق برغم ارتباطه بتصوير بعض الأفلام في القاهرة، ومع بداية الموسم الشتوى للعام 1964 يقدم مسرحية «خان الخليلى» للكاتب الكبير نجيب محفوظ في دور «أحمد عاكف» فيما لعب أمامه الفنان الشاب صلاح قابيل دور شقيقه «رشدي» ولعبت نادية الجندي دور «نوال»، ليعود بعدها بعامين في العام 1966 ويقدم الرواية نفسها للسينما، مع المخرج
عاطف سالم، ويشاركه البطولة الممثل الشاب حسن يوسف في دور شقيقه، وسميرة أحمد في دور «نوال» التي أحبها الشقيقان.
نكسة سياسية.. وفنية
في العام نفسه 1966 قدم عددا آخر من الأفلام من بينها «جناب السفير، ثورة اليمن، فارس بني حمدان»، إضافة إلى عدد من الأفلام الخفيفة مثل «شقاوة رجالة، كنوز، النصف الآخر، الست الناظرة، مراتي مجنونة مجنونة، وعفريت مراتي» وغيرها من تلك النوعية التي قدم فيها عماد حمدي أدوارا، كان يمكن لأي ممثل مساعد القيام بها، بعيدا عن الخبرة الكبيرة والتاريخ الطويل للفنان عماد حمدى، فضلا عن نوعية أخرى من الأفلام قدمها في لبنان مثل فيلم «كرم الهوى» أمام صباح وإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي، ومعهم نادية الجندى، إضافة إلى عدد من الفنانين اللبنانيين منهم فريال كريم، وأمال عفش، قاسم حمية، برلنتي فؤاد، وراح يتعاقد على عدد آخر من الأفلام اللبنانية، يسمح من خلالها لزوجته الفنانة نادية الجندي بالتواجد في أكبر عدد من الأفلام التي تظهر قدراتها كممثلة جديدة، حتى استيقظ صباح يوم 5 يونيو 1967 على طرق شديد وعصبي على باب شقته التي يعيش فيها في بيروت، ففتح ليجد بائع الجرائد:
* إيه ده في إيه يا ابني.. إيه الإزعاج ده.. في حد يخبط على حد ويصحيه من النوم كده؟
= شو نوم وما نوم يا أستاذ.. لساك نايم ما دريان
* دريان إيه ومش دريان.. إنت هاتحاسبني.. إيه اللى حصل الدنيا خربت
= إيه أستاذ خربت ما عمرت.. ما سمعت؟
* سمعت إيه ما تتكلم على طول؟
= الحرب يا أستاذ.. الحرب.. الصهاينة دخلوا مصر
* إنت بتقول إيه إنت اتجننت؟
= إيه والله عندك حق أستاذ.. اللى صار بيخليني أدخل «العصفورية» (أدخل مستشفى المجانين برجلي)
خلال ساعات بدأت الحقيقة تتضح جلية أمام عماد حمدى، بعد العدوان الإسرائيلي على مصر، وتعرض الجيش المصرى لنكسة كبيرة بعد أن قامت إسرائيل، وعلى مدار ثلاث ساعات، بغارات جوية على سيناء والدلتا وأطراف القاهرة، وفي أعقابها انطلقت تشكيلات القوات البرية الإسرائيلية، لتخترق الحد الأمامي للجبهة المصرية في سيناء، كما اخترقوا الدفاعات السورية على طول الجبهة في الجولان، حتى وصلوا إلى القنيطرة.
شعور مؤلم سيطر على عماد حمدى، وجميع الفنانين المصريين في لبنان، مثلما سيطر الإحساس نفسه على كل العرب، وما إن هدأت الأوضاع وتم وقف إطلاق النار، حتى سارع عماد بالعودة هو وزجته نادية الجندي إلى القاهرة.
ما إن استقرت الأوضاع السياسية، حتى بدأت عجلة السينما تدور على استحياء، في ظل الأجواء الحزينة التي يعيشها الشعب المصري والعربي، ما انعكس بشكل مباشر على الأعمال التي تقدمها السينما للجمهور، في محاولة لتخفيف حالة الحزن وأجواء النكسة، فاضطر عماد لأن يشارك في مجموعة من الأعمال التي لا تتناسب وقدراته كممثل، قبلها سواء مجاملة لأصحابها، أم أخرى ساء تقديره فيها، وربما حتى لا يضطر إلى الدخول في دائرة النسيان مثلما وافق على تقديم فيلم «بنت الشيخ» أمام سميرة توفيق مجاملة لزوجته نادية الجندي، التي شاركت في بطولة الفيلم مع عدد كبير من الفنانين اللبنانيين أيضا، ليعود إلى القاهرة ويطلبه الفنان عبد الحليم حافظ ليشارك معه في فيلم «أبى فوق الشجرة»، في دور والده، مثلما فعل معه فيلم «الخطايا»، غير أن الدور كان أصغر وأقل أهمية من فيلم «الخطايا»، ليكون تواجده في السينما على غرار هذه النوعية من الأدوار المساعدة، مثل دوره في «ميرامار»، و»نادية» و»زوجة لخمسة رجال» في الوقت الذي قدم بعض الأدوار، على قلتها، إلا أنها بدت وكأنها كتبت خصيصا له، مثلما قدمه المخرج حسين كمال في دور «أنيس زكي» في فيلم «ثرثرة فوق النيل» عن قصة نجيب محفوظ، سيناريو وحوار ممدوح الليثى، وبرغم أنه لم يكن البطل الأول في الفيلم، فإن دور «أنيس زكي» حاز على إعجاب النقاد والجمهور، على حد سواء، واستحق التقدير، بعد أن أكد أنه ممثل من طراز فريد، غير أن ذلك لم يشفع له لدى المنتجين والمخرجين، أو الكتاب، فلم يعرض عليه سوى أدوار المساعدة مثل الأب أو الحما، أو طبيب العائلة، ليتراجع بعدها اسم عماد حمدي، فكما لم يعد الفتى الأول، لم يعد أيضا البطل الأول في الأفلام، بل أصبح اسمه يأتي في المرتبة الثالثة أو الرابعة مثل أفلام «الخيط الرفيع، أزمة سكن، الزائرة، ليلة حب أخيرة، حب وكبرياء، الرجل الآخر، أبناء للبيع، البحث عن الفضيحة، شلة المراهقين» حتى طلبت زوجته السابقة الفنانة الكبيرة شادية ليشاركها بطولة فيلم «ذات الوجهين» ليستعيد مكانته على الشاشة من خلال الفيلم، ما أشعل الغيرة في قلب زوجته الحالية نادية الجندي، وطالبته بأن ينتج لها فيلما يقدمها كبطلة أولى في السينما، فلم يتردد وبدأ البحث عن عمل يقدمها من خلاله:
* مش فاهم تقصدى إيه؟
= أقصد أنك مش شايف أنى نجمة وأستحق أبقى بطلة أولى؟
* يا ستي عارف وشايف.. بس مش مهم أنا أشوف.. المهم الجمهور
= والجمهور بيحبني
* بس مش أكتر منى
= إنت كده.. تقلب كل حاجة لهزار
* طب بس عايزاني أعمل إيه؟
= عايز أعمل فيلم يقدمنى للجمهور صح.. يعرف منه أني أنا النجمة بتاعت المرحلة اللى جاية.. تمثيل وغنا واستعراض.
* تمثيل آه.. لكن غنا واستعراض إزاي؟
= زي الناس.. إنت عندك شك في كده؟
* أنا ماعنديش شك أنك ممثلة موهوبة.. ومؤكد أنك هاتخدى فرصتك في يوم من الأيام.. لكن....
= لكن إيه.. إنت مستخسر فيا فيلم..
* وأنا مالى أنا لو عليا عايز أشوفك أكبر نجمة في مصر.. لكن إيه بس اللى في إيديا؟
= في إيدك تنتجلي فيلم
* أنتجلك؟
= إيه خسارة فيا.. ما أنت سبق وأنتجت لشادية بدل الفيلم اتنين
* إيه.. آه.. حاضر أوعدك يا ستي أول ما ألاقى رواية كويسة هانتجهالك
= أنا لقيتها خلاص وجاهزة
قررت نادية أن تقدم شخصية «بمبة كشر» التي قدمتها نادية لطفى للمسرح في نقس العام، والتي كتبها سمير خفاجي، وأخرجها حسين كمال، غير أن نادية أسندت كتابة القصة السينمائية للكاتب جليل البنداري، وكتب لها السيناريو والحوار محمد مصطفى سامى، وطلبت أن يخرج الفيلم حسن الإمام، الذي أكد لعماد حمدي أن الفيلم سيتطلب ميزانية ضخمة غير عادية، لوجود استعراضات عديدة به، ما يتطلب كتابة أغاني وألحان ومدرب رقصات، فضلا عن وجود عدد كبير من مجاميع راقصات مغنيات، إضافة إلى ملابس وديكورات تختلف عن ملابس وديكورات الأفلام العادية، على اعتبار إن الفيلم إضافة إلى أنه استعراضى غنائي، فهو تاريخي أيضا لأن أحداثه تدور خلال الثلاثينيات، وبرغم ذلك كله، اضطر عماد حمدى لأن يوافق تحقيقا لرغبة نادية الجندى.
بداية النهاية
قرر حسن الإمام أن يبدأ تصوير الفيلم بعد انتهاء شهر رمضان، غير أنه ما إن مرت عشرة أيام من الشهر، حتى فوجئ، كما فوجئ العالم كله بعبور الجيش المصري قناة السويس يوم السادس من أكتوبر 1973، لتحقق القوات المصرية نصرا عظيما، وتحطم خط بارليف، ويخوض الجيش المصرى أشرس المعارك الحربية، سطر فيها ملحمة عسكرية أبهرت العالم كله، من أجل استعادة الأرض المحتلة، لتتوقف عجلة الإنتاج السينمائى، حيث سارع الفنانون بالمشاركة في المجهود الحربي والتبرع بالدم، وزيارة الجرحى في المستشفيات، وبرغم تخطى عماد حمدي الستين من عمره، فإنه حرص على التبرع بدمه من أجل الجرحى والمصابين، بل وحرص على أن يكون في مقدمة صفوف الفنانين لزيارة الجنود الجرحى بالمستشفيات.
ما إن انتهت الحرب، وعادت الأوضاع إلى الاستقرار حتى بدأ المخرج حسن الإمام الاستعداد لتصوير الفيلم مطلع العام 1974، بطولة نادية الجندى، ومشاركة
عماد حمدى، ومعهما سمير صبرى، سعيد صالح، صفاء أبو السعود، حسن مصطفى، أمينة رزق، والمطرب شفيق جلال.
لم يكتف عماد بإنتاج الفيلم، بل كتبه باسم نادية الجندى، كما لم يبخل على الإنتاج بشيء، برغم ضخامته، حيث أراد فيلماً استعراضياً ناجحاً، حتى بلغت تكاليف إنتاجه أكثر من خمسين ألف جنيه - ما يوازي خمسين مليون جنيه الآن - وأصبح معروفاً أنه من إنتاج نادية الجندي، غير أنه اتفق معها، على أن تأخذ نسبة من إيرادات الفيلم، باعتبارها زوجته وبطلة الفيلم، ولم يكتب عقدا بذلك، فالاتفاق بين زوج وزوجته لا يحتاج لكل تلك الإجراءات التي تُتخذ عادةً بين الغرباء.
بدأ عرض الفيلم ليحقق نجاحاً كبيرا، حتى استمر عرضه لأكثر من عشرة أسابيع حقق خلالها إيرادات كبيرة، غير أنه الأهم أنه قدم نادية الجندي للجمهور باعتبارها نجمة استعراضية جديدة، صنع اسمها ودفعها في طريق الفن خطوات واسعة، غير أن المفاجأة التي لم يتوقعها أن نادية الجندى تعاملت مع الفيلم باعتباره إنتاجها بالفعل، ليس لعماد علاقة به، باعتبار أن الأوراق والعقود كلها باسمها، فقامت بوضع كل إيرادات الفيلم باسمها في البنك، وأنكرت أن لعماد علاقة بالفيلم سوى أنه ظهر فيه كممثل، لم يكن هذا أمام شركة التوزيع أو العاملين معها في الفيلم، بل أمام عماد حمدى نفسه:
* يظهر أنك نسيتى
= بالعكس أنا فاكرة كل حاجة كويس.. إنت اللى نسيت
* نسيت إيه؟
= نسيت أن الفيلم باسمى.. وبورق رسمي
* الورق ده علشان يبقى قدام الناس.. لكن اللي بينا شيء تانى
= اللى بينا علاقة زوجية مالهاش علاقة بالشغل
* إنت اللى بتقولى الكلام ده
= إنت شايف حد تانى بينا بيتكلم
* للدرجة دي نسيتى كل حاجة
= أنا مانسيتش حاجة.. إنت اللى لازم تبقى واقعى
* عندك حق.. أنا فعلا اللى لازم أكون واقعى.
لم يحزن عماد حمدى على خسارة كل أمواله، ولم يندم على ما أنفقه من أجل الوقوف إلى جوار نادية الجندى لتحقق طموحاتها وأحلامها، لأن التضحية التي قام بها من أجل زوجته أم ابنه، لكن ما أحزنه رد فعل نادية تجاه ما قام به، فلم يستطع أن يتحمل الاستمرار معها كزوج، لينتهى الحوار بينهما إلى طريق مسدود، بعد إصرار نادية على موقفها.
أخذ عماد حقيبة ملابسه وترك بيته لزوجته، ليذهب إلى بيت توءمه عبد الرحمن، عند منتصف الليل، وقد حاول أن يبدو هادئا، غير أن الانكسار بدا واضحا عليه، لكن توءمه الذي هو جزء من كيانه فهمه دون أن يتكلم، وشعر بأنه لا يرغب في الكلام، فاحترم صمته، فلم يشأ أن يزيد من آلامه، كما أن عماد كان يشعر بإرهاق شديد فدخل إلى حجرته ونام نوماً عميقاً، وكأنه لم ينم من شهورٍ طويلة، ليبقى في بيت توءمه 6 أيام متواصلة، ثم قام بعدها بإرسال قسيمة الطلاق إلى زوجته نادية الجندى، ليخرج من الزيجة الثالثة خالي الوفاض، كأنه يبدأ حياته من جديد، دون أن يندم على شيء، لا على الإنتاج السينمائي الذي كلفه كل ما لديه، ولا على شقة الزمالك، التي كتبها باسم نادية، والتي كانت في الأصل شقتين يمتلكهما وحولهما إلى شقةٍ واحدة من تسع غرف، يقدر ثمنها بالملايين، لكن كل ما يهمه هو تصحيح خطأ وقع فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.