الصفقة أسطورية لأمريكا لكنها ستضر بالاقتصاد السعودى وتنهكه السعودية تشترى أسلحة ضخمة وليست لديها القدرة على استخدامها .. ومصانع السلاح الأمريكية المستفيد الأوحد
“من يرد الحماية عليه أن يدفع”، كان هذا هو الشعار الذى رفعه الرئيس الأمريكى ترامب إبان حملته الانتخابية، وهو ما استطاع الوفاء به خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة... فحقق نصرا اقتصاديا سيؤثر سلبا على الاقتصاد السعودى، هكذا يلخص الكاتب الصحفى عبد الله السناوى المشهد الخاص بقمة الرياض. ما تقييمك لزيارة ترامب إلى الرياض؟ نحن أمام ظواهر الأحداث، وسوف يمضى الوقت حتى نكتشف حقيقة الموقف كله وتداعياته، وما سوف يترتب عليه، والإنجاز الرئيسى للرئيس الأمريكى ترامب أنه حصل على صفقات بنحو 400 مليار دولار، نصفها فى توريد السلاح إلى السعودية، وأتوقع أن هناك مبالغ أخرى سوف تدفعها دول عربية فى الخليج، طبقًا لنظرية “ترامب” الأساسية التى ذكرها أثناء حملته فى انتخابات الرئاسة الأمريكية “إن من يُرد الحماية عليه أن يدفع”، إذن نحن أمام صفقة اقتصادية لها بُعد سياسي. الفكرة كلها مرتبكة وغير واضحة، وفيما يبدو أن ترامب يكتفى فى هذه المرحلة بمحاولة تخفيف الضغوط عليه، والعودة إلى الولاياتالمتحدة بصفقة أسطورية، أعتقد أنها ستضر بالسعودية بأكثر من أى توقع، إذ إنها تعانى عجزا فى الموازنة، فيما أثرى الاقتصاد الأمريكي، وأضررنا بالاقتصاد السعودى وتنهكه، واضح أن الهدف السعودى الأساسى هو تثبيت نظام الحكم، وربما نقل السلطة إلى محمد بن سلمان. كيف ترى الفرق بين خطاب أوباما فى جامعة القاهرة وخطاب ترامب فى الرياض؟ لو قارنا الاجتماع الذى تم فى الرياض بخطاب أوباما التاريخى فى جامعة القاهرة عقب توليه الرئاسة الأمريكية فهناك فرق كبير جدًا، فأوباما قدم رؤية جديدة، لكنه عجز عن التنفيذ، وخضع أمام الضغط اليهودى على المؤسسة الأمريكية، فيما لم يقدم “ترامب” أى شيء له قيمة أو له تأثير، بل الهدف واحد هو مفهوم التطبيع الإسرائيلى السياسى والاقتصادى والاستخباراتى مع إسرائيل مجانًا، والوقوف ضد إيران، والمتابع لكلمة الرئيس السيسى، يلاحظ أنه لا وجود لاسم إيران، وأن هناك عدم ارتياح مصرى لفكرة القوة المشتركة، وفى هذه النقطة أرجو أن نكون واضحين ويجب ألا ننخرط فى أى قوة عسكرية، فلسنا علينا أن ندفع من دماء أولادنا مقابل صفقة القرن دون أى ضرورة، وأتصور أن هناك ذعرا زائدا، ومبالغة فى تضخيم حجم العداء مع إيران، لأن هذا يرشح المنطقة إلى مزيد من التقسيم والاضطرابات، ومصر التى رفضت طوال تاريخها أى اصطفافات على أساس مذهبي، ولا كانت جزءا فى تحالفات عسكرية، وليس لدينا أى مصلحة، وأتصور أن كلمة الرئيس السيسى كانت موفقة أكثر من أى توقع سابق. وماذا عن إعلان التحالف العسكري؟ هذا يطرح عدة تساؤلات: لماذا السعودية لم توافق على التحالف العسكرى فى إطار جامعة الدول العربية؟ ولماذا تريد أن تشهر هذه القوة تحت رعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية مقابل صفقات سلاح لها داع، طوال الوقت السعودية تشترى أسلحة بكميات ضخمة، فى الوقت نفسه ليست لديها قدرة على استخدامها، والمحصلة أنه لا يوجد سوى تحريك مصانع السلاح الأمريكي، فالصفقات التى أُبرمت بين السعودية وأمريكا نصفها – ما يعادل 200 مليار دولار- فى التسليح، وهو مبلغ أسطورى لا تقدر السعودية الوفاء به، وربما يؤدى إلى إفقارها، فيبدو أن ترامب “فتح مغارة على بابا وعبأها فى أكياس ورحل” .. فى حين أن السعودية وقعت على اتفاقيات مع مصر تم تعليقها بعد أزمة “تيران وصنافير” ولم تنفذها، ومع هذا سوف تنفذ بالحرف كل ما تم التوقيع عليه مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. هل هذه الصفقات أو الاتفاقات ستؤثر بالإيجاب فى تصحيح صورة ترامب بأمريكا؟ أستطيع أن أسمى ما فعله ترامب “الهروب إلى الشرق الأوسط”، بمعنى أن لديه أزمات داخلية مستحكمة، ثم يتوصل إلى مثل هذه الصفقات مستغلاً السعودية التى تبحث عن حماية أمريكية، برغم تهديدات ترامب السابقة للسعودية وقراراته للكونجرس بمنع السعوديين وملاحقاتهم على خلفية أحداث 11 سبتمبر، فترامب تصور أن هذه صفقة القرن الحقيقية، فالأهداف الداخلية هى أساس “الهروب إلى الشرق الأوسط” وتحسين صورته، لكن إلى أى حد سوف يتحقق ذلك؟ أشك أن يصمد طويلاً؛ لأن هناك تحقيقات تتم، تذكرنا بزيارة نيكسون إلى مصر عام 1974 تحت شعار أنه يحفظ السلام، لكن هذا لم يمنع سقوطه.. وأين القضية الفلسطينية فى تلك الجولات؟ أخشى أن تكون قبلات فى الرياض وصفعات فى إسرائيل للعالم العربى فى الأيام المقبلة، لأن أفكاررترامب واضحة فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، قد يكون التنفيذ فى وقت لاحق، أما الآن فقد يطلب التمهل فى إتمامها، إذا كان هو لا يعترف بحل الدولتين بطريقة حاسمة، وغير معنيّ بأى مراجعات دولية، ولا هو يحترم القرار الذى صدر من مجلس الأمن بالإجماع على السلام واعتبار المستوطنات الإسرائيلية عملا غير شرعي. ذكرت فى مقالك السابق حول زيارة ترامب إلى المنطقة.. مسألة تقسيم مصر وتحديدًا سيناء.. فما الذى ورد فى وثائق أمريكية بشأن ذلك؟ ورد فى دراسات وأبحاث أمريكية متخصصة مشروع اقتطاع جزء من سيناء لحل أزمة إسرائيل، وهذا الكلام أكبر من أى شخص، وأكبر من أى رئيس، ومن أى نظام، أن يتكلم عن سيناء الواضحة المحددة، وأظن أن هذا الحديث لا يقدر عليه أى أحد، لكن أتمنى أن تتكلم مصر بوضوح وبصوت مرتفع، لتؤكد أن مثل هذا الكلام لا يجب طرحه، فالموافقة على مثل هذه المشروعات تعنى اليقين بأن الجيش المصرى لن يوافق، وكذلك الشعب المصرى لن يقبل هذا، ولا الدستور يسمح باقتطاع أى جزء من الأراضى المصرية، ولا بد أن يكون ردنا علنيا، وأتمنى أن يكون الرفض المصرى فى العلن واضحًا وصريحًا ونهائيًا.. فهذا الكلام غير مطروح للنقاش. فى رأيك ما تداعيات زيارة ترامب على المنطقة العربية؟ أعتقد أن المشهد كله “بائس”، وهو ما انعكس ذلك على وجوه القادة العرب والدول الإسلامية، أظن أنهم فى حيرة من أمرهم، لا نستطيع القول إن هناك ابتهاجا وسعادة بتلك الزيارة؛ لأنهم أمام حدث كبير، ولأنهم غاضبون ولا يستطيعون المواجهة. المفترض أن تكون السعودية بعد هذا المؤتمر الكبير حققت سيطرتها على العالم العربي، لكن فى حقيقة الأمر من الناحية المعنوية هذا ليس صحيحًا، بل النقيض، أكاد أن أقول إنه حدث سطو مسلح على الأموال السعودية، أكاد أن أقول إن هناك جزية أمريكية حدثت، هذا لا يولِّد قيادة، القيادة تنتج عنها مبادرات، والقدرة على التأثير فى الأحداث، مشهد “هش”، أظن أنه سوف لا يصمد طويلاً أمام تعقيدات الأحداث، وأعتقد أن تكون نتائجه عكسية، لا أحد يتحدث عن تحالف إستراتيجي، ولكن صفقة تجارية وابتزاز سياسي، أشبه بسطو مالى على بنك، لا توجد آفاق سياسية ولا تصورات، لا يوجد شيء ملموس وواضح، حتى فكرة “التحالف الإستراتيجي” فى الشرق الأوسط هى فكرة مؤجلة إلى عام 2018 ، وأنها قوة من 34 ألف جندي، ما قوام هذه القوات؟ ومن قياداتها؟ وفى أى معركة؟ ومن العدو بالضبط؟ هل سندخل فى حرب مع إيران.. مثلاً أو روسيا !! وماذا عن إسرائيل؟ واضح جدًا من زيارة ترامب إلى إسرائيل أنها زيارة حميمية، وقد سبق أن كلينتون وأوباما فعلا نفس الشيء ووقفا أمام حائط المبكى، لكن ترامب بدا أكثر تعاطفًا والأكثر تأثرًا بالوقوف أمام حائط المبكى، كما قال على إسرائيل إنها دولة رائعة، ولم يشر فى كلامه إلى حل الدولتين، ولا إلى أى مرجعية دولية، وبالتالى فقد حصل ب “سطو مسلح” على الأموال السعودية، مقابل كلام عام حول الحرب على إيران، وهذا ليس فى صالح المنطقة بأكملها، ويؤدى إلى اندلاع حروب مذهبية. إن زيارة ترامب بوجه عام هى عملية دعم حقيقية للدولة الإسرائيلية، وإنكار لأى حق فلسطيني، برغم أنه فى نفس يوم زيارة ترامب لإسرائيل، كانت الضفة الغربية تشهد إضرابًا كاملاً تضامنًا مع الأسرى، ومع هذا لم يذكر كلمة واحدة عن الأسرى، ولا عن الاستيطان، ولا عن حل الدولتين، فأى سلام يتوقعه عاقل من ترامب ؟! إذن ما خلاصة تلك الزيارات؟ أن أمريكا حتى الآن أخذت حق الولاية على الخليج مقابل 400 مليار دولار، وإسرائيل حصلت على وعد بالتطبيع المجانى مع الدول العربية، وأيضًا فى نفس اللحظة الاقتتال المجانى فى المنطقة ضد إيران على أساس مذهبي، فهذا هو الحصاد الأخير من زيارة ترامب للمنطقة، والملاحظ أن ما أُعلن ببيان الرياض بتحالف الشرق الأوسط الجديد لم يطلع عليه أحد من القادة العرب والإسلاميين، بدليل أن بعضهم قال إنه لم يطلع على البيان، ولا علم لهم به، بنفس الطريقة التى أُعلن به عن تحالف عربى دون إخطار للدول المشاركة فيه، وهذا التحالف الجديد، لا أعتقد أن لديه مقومات البقاء والقدرة، خصوصا أن كلمة الرئيس السيسى كانت واضحة إبراز أمرين رئيسيين، الأول: إنه لم يذكر إيران على الإطلاق، على عكس كل ما قيل فى هذه القمة، والثاني: إن هناك قضايا لا يجب تجاوزها، مثل: ليبيا واليمن، وأن الذى يضع الأجندة هو القوة فى جبهتين العراقوسوريا، والعراق تتواجد أمريكا، وأن الوضع فى سوريا يؤكد انفلات اللعبة كلها، وهذا أمر مستحيل، وسينتج عنه صدام عسكرى مباشر بين الولاياتالمتحدةوروسيا؛ فالكلام يقوى الإرهاب، ويدعو إلى مزيد من الاستقطاب فى المنطقة، وكل هذا لصالح إسرائيل وحدها.