سعر الريال السعودي اليوم الثلاثاء 23-4-2024 في بداية التعاملات    انخفاضات ملحوظة في أسعار السلع والمنتجات الغذائية في السوق المصرية بعد تدخل حكومي    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 23 - 4 - 2024 في الأسواق    آخر مستجدات تطور العلاقات المصرية الفرنسية في عهد السيسي وماكرون    مقتل 10 أشخاص إثر تحطم مروحتين في شمال غرب ماليزيا    وزير خارجية إيران: نأسف لقرار الاتحاد الأوروبي فرض قيود "غير قانونية" على طهران    عصابة القتلة تضحى برئيس الاستخبارات.. استقالة أهارون حاليفا معترفا بالفشل    الجيش الأوكراني: خسائر روسيا القتالية في أوكرانيا ترتفع إلى 461 ألفًا    موعد مباراة الزمالك القادمة والقنوات الناقلة    محافظ شمال سيناء يستقبل وزير الشباب والرياضة    الإسماعيلي: ندفع بأحمد الشيخ تدريجيا لهذا السبب.. ونجهز اللاعبين للأهلي    الثانوية العامة 2024.. تعرف علي مواصفات ورقة امتحان اللغة الأجنبية الثانية    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء 23-4-2024 والموجة الحارة لمدة 72 ساعة    حالة الطرق اليوم، زحام مروري بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    بعد قليل.. استكمال محاكمة المتهمين في قضية فساد الري    ندوة بجامعة القاهرة لتشجيع وتوجيه الباحثين لخدمة المجتمع وحل المشكلات من وجهة نظر جغرافية    التهاب الجيوب الأنفية الحاد: أعراض ووقاية    وول ستريت تتعافى وارتفاع داو جونز 200 نقطة وخروج S&P500 من دائرة الخسارة    أزمة لبن الأطفال في مصر.. توفر بدائل وتحركات لتحديد أسعار الأدوية    مصرع عامل غرقًا بمياه الترعة في سوهاج    مُسن يطلق النار على عامل بسوهاج والسبب "مسقى مياه"    مصر تستهدف زيادة إيرادات ضريبة السجائر والتبغ بنحو 10 مليارات جنيه في 2024-2025    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    نيللي كريم تظهر مع أبطال مسلسل ب100 وش.. وتعلق: «العصابة رجعت»    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    بالأرقام.. تفاصيل توزيع مخصصات الأجور في الموازنة الجديدة 2025 (جداول)    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 23 أبريل 2024    إزالة 14 حالة تعد بمركز ومدينة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية    لبنان.. شهيد جراء قصف طيران الجيش الإسرائيلي سيارة في محيط بلدة عدلون    ملتقى القاهرة الأدبي.. هشام أصلان: القاهرة مدينة ملهمة بالرغم من قسوتها    مصرع عامل دهسه قطار الصعيد في مزلقان سمالوط بالمنيا    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    اتحاد الكرة يوضح حقيقة وقف الدعم المادي لمشروع «فيفا فورورد»    أستاذ مناعة يحذر من الباراسيتامول: يسبب تراكم السموم.. ويؤثر على عضلة القلب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام عطلة شم النسيم 2024 للقطاعين بعد ترحيل عيد العمال    بلينكن ينفي "ازدواجية المعايير" في تطبيق القانون الأمريكي    رئيس الوزراء يهنئ وزير الدفاع بعيد تحرير سيناء سيناء    بشرى سارة لجمهور النادي الأهلي بشأن إصابات الفريق    عاجل.. صفقة كبرى على رادار الأهلي الصيف المقبل    بعد وفاته في تركيا، من هو رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني؟    نصائح مهمة لمرضى الجهاز التنفسي والحساسية خلال الطقس اليوم    الكونجرس يشعر بالخطر.. أسامة كمال: الرهان على الأجيال الجديدة    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    عبدالجليل: دور مدير الكرة في الأهلي ليس الاعتراض على الحكام    «فلسطين توثق المجازر».. فعاليات متعددة في رابع أيام مهرجان أسوان (تعرف عليها)    علي هامش انعقاد مؤتمر الاتحاد العربي.. 11 دولة عربية في ضيافة النقابة العامة للغزل والنسيج بالقاهرة    عامر حسين: الأهلي احتج على مشاركة حارس الاتحاد السكندري    الشرطة تداهم أوكار الكيف.. سقوط 85 ديلر مخدرات في الإسكندرية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    علي جمعة عن سبب تقديم برنامج نور الدين: ربنا هيحاسبني على سكوتي    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23 أبريل في محافظات مصر    مصرع شخص وإصابة 2 في تصادم 3 تريلات نقل بالوادي الجديد    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الكردى لقمان محمود ل «الأهرام العربى»: هوية المبدع هى الإبداع !
نشر في الأهرام العربي يوم 13 - 03 - 2017

الشعر زهور تنبت فوق الأطلال والخرائب، تسقى بالدموع، وتزهر بلا جذور، تماماً مثل الشعوب الجوالة وعلى رأسها الشعب الكردي، الظامئ للدولة القومية، العصامى الذى – مثل الإله فيراكوتشا - صنع نفسه بنفسه، فالكرد وهم أرباب سيوف وأقلام، شعب يحفر وجوده على الخارطة بنصل القلم، إذا لم يجد شيفرة السيف، مشرئباً لنيل مطامحه التى يطمرها التاريخ، وتجحدها السياسة، وهنا يتجلى الإبداع كأفضل ما يكون مثل كوة السجن، يطل منه المرء على الحياة مطلقاً زفراته، ولقمان محمود فى هذا الصدد، أحد هؤلاء الذين استطاعوا إعادة توحيد الشعر بالبطولة، هو شاعر كردى الأرومة عربى اللسان، يزاوج بين الكردية والعربية، أى أنه مبدع bilingual، لم يعصمه فخره بكرديته عن الافتتان بالعربية، والكتابة بلغة الضاد، التى أثرت محصوله اللغوى بتراث عريق عز نظيره فى لغات الأمم الأخرى، وقد أفاد “لقمان” من هذه المزواجة أيما إفادة، فقد صقلت أسلوبه، وشحذت قريحته، وقد نضح ذلك على إنتاجه الأدبى الذى يعد من العلامات الفارقة فى الأدب الكردى المتعرب أو العربى المتكرد فى العصر الراهن.
قيل “ما نكتبه هو ابن ما نقرأه” وقيل “الكتابة هى فى الحقيقة إعادة كتابة أو إعادة تشكيل لمفردات اللغة، وبأن ما نكتبه قد كتبه أشخاص آخرون قبلنا” حدثنا عن الكتابة الأولى؟
ولدتُ فى زمنٍ أعمى، كانت الأولوية فيه للأذن، وكأنَّ للعيون وظيفة أخرى غير القراءة. حينها كان كل شيء قلقاً وصعباً. فمن يملك الثرثرة يكون صوته أكبر مساحة وأعلى ضجيجاً، وكأنّ الشعر تراكم للكلام، وكأنّ الشعراء هم الورثة الحقيقيون لهذا التراكم غير المكتوب.
ومع ذلك كان الشعر بمثابة صناعة جيدة لهذا الزمن الموزون والمقفّى. فمن الصعب على أيّ كان – حتى يومنا هذا – نسيان الشاعر الأمى صبرى خلو سيتي، الذى برهن طيلة خمسين عاماً من الشعر، بأنّ مهمة الشعر قومية ووطنية بالدرجة الأولى. وسط هذا المحيط الحماسى من الشعر والأغانى الشعبية والثرثرة، بدأتُ الكتابة.
كل ما أعرفه أنّ الكتابة الأولى لي، قد تشكّلت فى محيط شفوي، ثم تكررت هذه الكتابات بشكل يومي، كى تكون أكثر عرضةً للنسيان. فأغلب كتاباتى الأولية بلغتى الأم، ضاعت من النسيان. وهذا ما جعل المكانُ الأبقى لهذه اللغة مكاناً لا نذهب إليه إلّا بالذاكرة. فبالذاكرة تزداد الحاجة إلى الشعر، كلّما ازداد العالم قسوة ووحشية. فالصبر الذى خسر أسنانه، ترك خلفه أنياباً. هكذا تقول الكتابة الأولى وهى تُصغى إلى زمنها فى اللغة الكردية التى هى لغة أبى وطفولتي.
بإلقاء نظرة شاملة على المشهد الشعرى والأدبى الكردي، كيف تقيّم حركة الشعر داخله هل هى فى تقدم أم فى تراجع؟
الشعوب العاطفية، والشعوب المضطهدة، والشعوب العاطلة عن العمل، شعوبٌ منتجة للشعر بالدرجة الأولى. لذلك بالكاد تجد كردياً لا يكتب. ولإلقاء بقعة ضوء على المشهد الشعرى والأدبي، أجد أنّ كردستان بأجزائها الأربعة تختلف عن بعضها البعض إبداعياً. ففى عام 1970م، أصدر الشاعر شيركو بيكس مع نخبة من الشعراء والقصاصين الكرد فى كردستان العراق، أول بيان أدبى تجديدى كردى والمعروف باسم “بيان روانكه” – المرصد. وكانت تهدف هذه الحركة إلى رفع مستوى الأدب الكردى واللغة الكردية، وإلحاقهما بركب الحداثة.
بالفعل كان لهذا البيان تأثيره الكبير على الحركة الأدبية بشكل عام، لكن ضمن اللهجة السورانية. أى أن اللهجة الكرمانجية لكرد سوريا لم تتفاعل مع الإبداع بشكل جدى إلا فى الأعوام الأخيرة من الألفية الجديدة.
من ناحية التقييم أجد أن هذا الشعر ضرورى حتى ولو كان مضراً بالتنفس الطبيعي، طالما نتنفس من رئة الحروب لا من رئة السلام..
كيف ترى رحلتك الأدبية ما بين أعمالك الأولى من شعر ونقد ودراسات، منها على سبيل المثال “أفراح حزينة”،”خطوات تستنشق المسافة: عندما كانت لآدم أقدام”، “دلشاستان”، “إشراقات كردية: مقدمة للشعر فى كوردستان”،”مراتب الجمال قراءات فى الشعر الكردى الحديث”، “أتابع حريتي” ، “القمر البعيد من حريتي” وتجربتك الآن؟
ذاكرتى الأدبية سوداء دائماً، وهى بحاجة إلى نقاهة طويلة. وكأنّ ديوان “دلشاستان” كانت البداية الحقيقية لرحلة الاعتقال والاستجواب. الآن كل شيء واضح وجلي، وكأن الحرية قد أصبحت أصغر. أتوق أحياناً إلى ذاك الكتاب المتعفن فى الأمن السياسي. الآن كل شيء سهل وبسيط وفى متناول اليد. ومع ذلك لكل كتاب خصوصيته فى الحرية وفى القمع. فى الفرح وفى الحزن. تبدو تجربتى الآن وكأننى عاشقٌ مقتول فى أغنية كردية. أحاول دائماً إيقاظ ألم دفين غير نائم بطبيعة الحال.
حدثنا عن بداية اكتشاف اللغة الكردية وصعوبات الكتابة بلغة ممنوعة؟
كنتُ مفتوناً بصوت أبى وهو يقرأ شعر ملايى جزيري. تعلمت من أبى هذا الترف المعنوى كلّما حكّنى الحب أو الألم أو الوطن. ومنه تعلّمت القراءة والكتابة.
هل الكتابة باللغة العربية تعد انفصالاً عن الهوية الكردية؟ وهل الكاتب الكردى محروم من لغته الأم؟
للكتابة دور مهم ومؤثر فى نشر السلام، فحين يتحدث الكاتب عن الحرية والعدالة والكرامة فإنه يجسد المعنى الحقيقى للسلام. لذلك تأتى الكتابة فى زمننا هذا، لتعلن ضرورة الدفاع عن كل جمال فى الإنسان، معليةً من شأن الحوار بين بنى البشر. طالما الكاتب يؤسس لحقيقة مغايرة لتلك الحقيقة السياسية.
يقول الروائى البيروفى ماريو بارغاس يوسا (1936)، صاحب نوبل للآداب (2010)، أن المثقف فى هذا العصر تحوّل إلى مهرّج، علماً أنّ من حقه أن يصير كذلك، طالما أنّ المجتمع المعاصر فى حاجة إلى التهريج، وأنّ الجماهير أصبحت فى حاجة إلى التنفيس وليس إلى التوعية.
حتى إن كثير من المفكرين والنُقَّاد يصفون عصرنا هذا بأنه عصر القلق والكآبة بامتياز، برغم التطور المضطرد والمتسارع فى المجالات العلمية والطبية كافةً.
ففى عصرنا هناك ما يزيد على ثلاثة آلاف لغة يتكلم بها البشر، ومنها مائة لغة يتحدّث بها أكثر من مليون شخص، ومن هذه المائة لغة هناك تسع عشرة لغة يتحدّث بها ما يزيد على خمسين مليون نسمة.
المقصود هنا هو أن التواصل الثقافى بين الشعوب يشكل إحدى الضرورات المهمة التى يجب أن تتكرس بعمق، خصوصا فى زماننا الذى أخذت فيه الحواجز تسقط بفضل الانفتاح الاقتصادى والإعلامى الضخم، والاتساع المذهل لوسائل الاتصال الإلكترونى الذى يشهده العالم.
ففى الأعوام الاخيرة فقط استطاعت اللغة الكردية أن تتنفس الصعداء كتابة وقراءة. شخصيا أحب اللغة العربية وأكتب بها أيضا، ولا أقف مع من يعتبر الكتابة بغير الكردية انفصالا عن الهوية. هوية المبدع هو الإبداع.
يرى البعض أن الشعر فى إقليم كردستان العراق متوهج ونشيط ومتمكن من أدواته اللغوية والفنية والشعرية على عكس أماكن أخرى بما فيها المهجر لماذا؟
اللغة الكردية فى كردستان العراق كانت تتنفس من رئة الحرية، بينما لغة كردستان سوريا كانت تتنفس من رئة القمع والمنع. الكردى العراقى تعلّم لغته فى المدارس والجامعات، بينما الكردى السورى تعلّمها فى السر والخوف.
طبعاً هناك أسباب كثيرة، ربما أولها تعود إلى أن اللهجة السورانية كانت تنتهج الحداثة منذ بداياتها، عكس اللهجة الكرمانجية التى ما زالت تنتهج الكلاسيكية. وكأن السورانية لهجة المدنيين، والكرمانجية لهجة القرويين.
ما يكتبه الأدباء الأكراد بلغات أخرى كالتركية والعربية والفارسية.. هل يمكن اعتباره أدباً كردياً أيضاً كما يقول البعض؟
من الإجحاف سحب الهوية الكردية من يشار كمال، لأنه ولد فى مكانٍ كانت اللغة الكردية ممنوعة تماماً، لصالح لغة الدولة التركية. كما ينطبق ذلك على سليم بركات الذى يكتب بلغة عربية تنتصر دائماً للألم والواقع الكرديين.
إذا فكرنا بمنطق المتسيسين، لا يمكننا اعتبار هذا الأدب كردياً، إذا كان بعيداً عن الأهداف الوطنية والقومية. لذلك سيبقى هذا المنطق الخاطئ سائداً طالما الكرد بدون دولة. أعتقد مع وجود دولة ربما يفكرون مثل الكولومبيين الذين وضعوا أخيراً صورة جابرييل جارسيا ماركيز على عملتها، علماً بأنه كان يكتب بالإسبانية. وعلماً أن كولومبيا قد حصلت على استقلالها من إسبانيا عام 1810.
إن المثقف الكردى الانفعالى قد تحول فى ظل الشعارات القومية إلى موظف. فهذا المثقف – الموظف، قد أصبح وباء قومياً، يقاس كل شيء عنده بمعيار الربح والخسارة.
هل الأدب الكردى امتلك حريته حالياً؟
نعم. يمتلك الأدب الكردى حريته حالياً، لكنه لم يفقد عبوديته بعد. فالذئاب المفترسة لا تجد غايتها إلا فى قطيع الحملان. لذلك نستطيع الحديث مطوّلاً بدون أن نقول شيئاً ذا جدوى، تماماً مثلما تفعل الخطابات السياسيّة. ففى الأدب نصالح ما لا يتصالح فى الواقع.
هل استوعب الكرد محيطهم العربى والتركى والفارسي، وإن لم يكن بإرادتهم فرغماً عنهم، وأن الكاتب الكردى سواء فى إيران أم تركيا أم سوريا والعراق لم يكن فى أى يوم من الأيام بمنأى عن التأثر بالثقافة السائدة (الفارسية، العربية، التركية)؟
نعيش اليوم كما البارحة فى مكانٍ معقد، برغم أن الشمس تشرق كل يوم على أرضنا، لكننا بلدان للعتمة والظلام، وهذا ما يجعلنا نعيش اليوم زمناً معقداً التبس فيه كل شيء. أصبح بإمكاننا، فى ظل الثورة المعلوماتية والرقمية والتواصلية، أن نضع كل شيء تحت المجهر لتحليله وفهمه وتدقيق تفاصيله نظراً للتدفق الكبير للمعلومات. لكن فى الوقت نفسه، فقد منحتنا هذه الثورات أيضاً كل إمكانات المواربة والتضليل واللعب بالحقائق، بإظهار جزء منها قد يكون شكلياً، وإخفاء الجوهر، وتوجيه الرأى العام وفق هذه المعطيات.
فحتى وقت قريب كانت اللغة الكردية ممنوعة فى كردستان (ما عدا كردستان العراق). كانت كلمة كردستان فى بعض الفترات تجلب لقائلها الموت. فى ظل هكذا ظروف كان الكردى يستوعب محيطه تماماً، لكن الآخر لم يكن يعترف به وبوجوده، لذلك الآخر لم يستوعب الكردي. وهذا ما دفع الكردى إلى الكتابة بلغة الآخر (بالثقافة السائدة: الفارسية والعربية والتركية) كى يستوعبه هذا الآخر كرهاً.
لماذا فى القصص الكردية نجد ملامح واضحة من الأدب العربى وكثيراً من أجواء ألف ليلة وليلة، كذلك ملامح من الملاحم الفارسية وقصص الحب والبطولات الشهيرة فى الأدب الفارسي،” كقصة رستم وأفراسياب”، و”خسرو وشيرين”، و”مجنون ليلى”. ومن التركية أيضاً هناك تأثرات كثيرة؟
الكثير من القصص الكردية أدرجت ضمن الأدب الفارسى أو التركي، ومع ذلك يكفى الكرد ملحمة “مم وزين” لأحمدى خاني. فالكرد كأحد تلك الشعوب التى عاشت فى ميزوبوتاميا، هم أيضا تركوا أساطير وملاحم وقصصاً غنائية عديدة لا تستهان بها. ولعل استحضار عناوين مثل حكاية “كاوا الحدّاد” و “قلعة دمدم” و”سيامند وخجي” و “فرهاد شيرين” على سبيل المثال يُؤكّد أنّ لهذا الشعب حكاياته وملاحمه وأساطيره.
البعض يرى أنه حتى إن وجدت الهوية فهى متشظية واللغة غير موحدة، والأبجدية كذلك، كتاب كردستان إيران والعراق يكتبون بالأبجدية المتطورة عن العربية واللهجة السورانية، أما الكتاب الكرد فى سوريا وتركيا فيكتبون باللهجة الكرمانجية والأبجدية اللاتينية، ولا يمكن التواصل بين كتاب هاتين الطبقتين إلا فيما ندر؟
لك الشكر والتقدير أستاذ السيد حسين على هذه المعلومة القيّمة التى تدفع بعض الكتاب الكرد إلى الدفاع عن أنفسهم لأنهم يكتبون بغير اللغة الكردية، وهنا أحب أن أوضح أن هذه الفروقات البسيطة بين اللهجتين الكرمانجية والسورانية، كالفرق بين لغة الإنجليز والأمريكان.
هناك بعض الخصوصية فى كل لهجة، وهذا لا يعنى أن اللغة الكردية ستبقى إلى الأبد هكذا بدون تجسير بين اللهجتين.
دعنا نعرج باتجاه السياسة قليلاً، هل أنت مع إسقاط اتفاقيات سايكس بيكو وإعلان استقلال دولة كردستان الكبرى كما يطالب بذلك غالبية الكرد؟
السعى الكردى من أجل دولة مستقلة سعى قديم - جديد، يستمد حيويته من حاجة واقعية، ومن حق عادل. وحدها المصالح الدولية والمعادلات الإقليمية هى التى حالت دون بلوغ الكرد مطلبهم - الحلم المشروع.
وقد أسهمت الأيديولوجية القوموية الكمالية فى تركيا، والبعثية فى العراق وسوريا، والأيديولوجية الدينية - المذهبية للنظام الإيرانى لاحقاً فى إعطاء دفعة حيوية للنزوع الكردى نحو الاستقلال؛ لأنها أدت إلى تشكّل مناخ عام غير سوى على الصعيد الشعبي، وحتى على صعيد النخب فى ميدان التعامل مع المسألة الكردية، وذلك نتيجة الممارسات التمييزية على الأرض، وسياسات القتل الجماعى التى بلغت ذروتها فى حملات الأنفال والكيماوي. هذا إلى جانب اعتماد سياسة الاضطهاد المزدوج من جانب أنظمة الدول المعنية بحق الكرد. وقد تجسّد ذلك فى حرمانهم من أبسط حقوقهم القومية الطبيعية وتعرّضهم فى الوقت ذاته لجملة من الإجراءات الاضطهادية استهدفت وجودهم القومى بكل أبعاده.
فمنذ أن رسم سايكس وبيكو حدود الدول، والكرد يناضلون فى سبيل الاعتراف بخصوصيتهم القومية وتاريخهم وثقافتهم. فالكرد هم الشعب الوحيد فى منطقة الشرق الأوسط الذى لا يزال من دون دولة، إلى جانب الفلسطينيين.
نعم، أنا مع غالبية الكرد. أنا مع الكردى الذى دفع من ماله وعرضه وروحه لهذا الوطن. نعم أنا مع دولة كردستان الكبرى لأنها حلم الكردى البسيط والفقير وهذا الحلم لن يتحقق لا فى القريب ولا فى البعيد، لأن الساسة الكرد ضد هذه الدولة.
حلمنا الكردى قريب من الحلم العربي. كلما نادى العربى بأمة عربية واحدة كلما أصرّ السياسى على تمزيقه. هكذا نحن أيضا يا صديقى نحب دولة كردية لكن رياح الساسة الكرد والجيران تهب عكس ما نريد.
ما رأيك فى البسالة التى أبلاها الشعب الكردى بكل أطيافه فى الدفاع عن الأراضى الكردية؟ وكيف تابعتم من دحر «داعش» من المناطق الكردية؟
جميلٌ أن ينتصر الكرد على ألد أعداء الإنسانية. لقد انتصر الكرد مرتين، مرة من أجل الكرد، وأخرى من أجل العالم. البربرية والوحشية فى صورة داعش تحطمت على أيدى الكرد الأبطال. هناك مقولة تقول: “لا ينتصر غير الكردى على الكردى إلا بمؤازرة من كردي”. لذلك أستطيع القول إن دحر داعش فى المناطق الكردية عمّم الفرح فى جميع أرجاء كردستان والعالم.
وماذا عن دور المرأة الكردية؟
لقد أذهلت العالم. نعم المرأة الكردية استطاعت قيادة المعركة ضد داعش فى كوبانى ومنبج وشنكال. نصرها المادى أعطى دفعاً معنوياً كبيراً للمرأة بشكل عام.
وما رأيك بالفيدرالية التى أعلن عنها أخيراً فى المناطق الكردية بسورية؟ هل سوريا إلى التقسيم .. مامدى صحة هذه المقولة؟
نصح سياسيون كرد بُعيد الاحتلال الأمريكى للعراق بتطبيق مبدأ الفيدرالية على الأراضى العراقية، بحيث تؤمّن الطوائف والقوميات سلامتها وتخفَّض أكلاف حروب أهلية متوقعة.
لكن الاقتراحات الكردية تلك جوبهت برفض العرب السنّة والشيعة بأكثريتهم، وفى متن أحاديث أكثر السياسيين العراقيين نُظر إلى المقترح الكردى كأنه إهانة للعراق المركزيّ. هذا الواقع يفيد بتشابه مآلات دولتى البعث، وأن ما حدث فى العراق مطابق لما حدث ويحدث الآن فى سوريا.
علينا ألا ننسى أنه فى السنوات الأولى من عمر سوريا الحديثة، كانت فرنسا قد قسمت سوريا إلى دويلات لها أعلامها وبرلماناتها وحكوماتها، وعاشت تلك الدويلات متجاورة إلى أن توحدت لاحقاً فى ظل الاحتلال، بعد أن رفض السوريون (وهنا أقصد الكرد) واقع التقسيم الفرنسى ذاك، فكانت تجمعهم قيم مشتركة، والأهم مصالح مشتركة. الفيدرالية إذاً أهم خيار لبقاء سوريا المحطمة الآن موحدة.
كما علينا ألا ننسى أن اتفاقية (سايكس بيكو) أقحمت قوميات وطوائف متمايزة بجغرافيا محددة سميت سوريا، وفقاً لتفاهمات ومصالح الدول الكبرى، ثم جاءت الحكومات السورية المتعاقبة لتزيد الطين بلة، فطمست اختلافات المكونات السورية وخنقتها ومنعتها من التنفس عن نفسها خصوصا إبان تسلم حزب البعث للسلطة، هذا الحزب الذى عرَّب سوريا ورفض كل ما هو غير عربي.
هل أثر العمل بالصحافة فى النص الشعرى فى أعمالك؟ وماذا عن مجلة “سردم” التى تصدر بالعربية والكردية؟
إلى حد ما كان عملى فى الصحافة على حساب النص الشعري. المبدع فى الغرب يمكنه أن يتخذ من الكتابة مهنة له إذا استطاع أن يحقق شهرته، فى حين أن الكاتب الكردى لا يمكنه فعل ذلك حتى مع وجود تلك الشهرة.
تعذّبتُ كثيراً فى إصدار مجلة “إشراقات كردية”، كنتُ أعمل ليل نهار كى تصل المجلة إلى ما كنتُ أريد. فى الأخير عرفت أن ما أقوم به هو من واجب المؤسسات الثقافية. لذلك أرى أن مجلة “سردم” كانت فى غاية الأهمية بالنسبة لي، لأنها كانت تصدر عن أهم مؤسسة ثقافية فى كردستان، وهى مؤسسة سردم للطباعة والنشر.
لماذا يكتب لقمان محمود؟
أكتب لأنّ من أبسط دلالات الكتابة – بالنسبة لى – أننى أتنفس. أكتب لأن فى الكتابة حياة. إنّ الإنسان حين يمتلك كينونته كإنسان ستكون كل القضايا الإنسانية العادلة قضاياه .. فأنا أكتب عن مشاعر تجمع البشر تحت سماء واحدة، فالشعر لا يزال بإمكانه أن ينقذ العالم من خلال العاطفة الإنسانية.
ما جديدك فى الفترة المقبلة ؟
- أعمل على جمع نصوصى الأخيرة التى كتبتها فى أحلك الظروف، وكأنّ الساعة الأكثر ظلمة هى تلك التى تأتى من قلب نور ميت. كما أعمل على جمع ما كتبته فى جريدة “التآخي”، أثناء تحريرى لصفحة “إشراقات كردية”. ربما أفضل تسمية لهذه النصوص هى “زعزعة الهامش”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.