دقائق من الرعب جنوب قنا.. 24 مصابًا بينهم أطفال في انقلاب ميكروباص بقفط    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    رغم هرولة الشرع للتطبيع، مروحيات إسرائيلية تستبيح مقر "الفرقة 15" بالسويداء    ليلة استمتع فيها الجمهور.. تامر حسنى يختتم حفل مهرجان العلمين بأغنية "قدها" وسط تصفيق حار    التنمية المحلية: بدء تنفيذ مشروع تطوير شارع إبراهيم بمنطقة الكوربة    وزير الخارجية يختتم جولته الأفريقية بشراكة اقتصادية تحقق التكامل بين مصر والقارة السمراء    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم بلدة المغير شرقي رام الله بالضفة الغربية    ترامب: لدينا فرصة للتوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي    "الجبهة الوطنية": دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية تخدم أجندات مشبوهة    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    تقرير يكشف موعد جراحة تير شتيجن في الظهر    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    تردد قناة الأهلي الناقلة لمباريات الفريق بمعسكر تونس    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 26 يوليو 2025    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم السبت 26 يوليو 2025    24 مصابًا.. الدفع ب15 سيارة إسعاف لنقل مصابي «حادث ميكروباص قنا»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    "الذوق العالى" تُشعل مسرح مهرجان العلمين.. وتامر حسنى: أتشرف بالعمل مع منير    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    محمد رياض يستعرض معايير التكريم بالمهرجان القومي للمسرح: لا تخضع للأهواء الشخصية    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    ترامب يحذر الأوروبيين من أمر مروع: نظموا أموركم وإلا لن تكون لديكم أوروبا بعد الآن    تامر حسني يهاجم عمرو دياب بعد تصنيف الهضبة لألبومه "لينا ميعاد": أنا تريند وأنت تحت    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 26 يوليو 2025    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    خبر في الجول - اتفاق مبدئي بين بيراميدز وبانيك لضم إيفرتون.. ومدة التعاقد    رد فعل مفاجئ من كريم فؤاد بعد أنباء إصابته بالصليبي (صورة)    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    هاكل كشري بعد الحفلة.. المطرب الشامي يداعب جمهوره في مهرجان العلمين    روعوا المصطافين.. حبس 9 متهمين في واقعة مشاجرة شاطئ النخيل في الإسكندرية (صور)    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    أخبار كفر الشيخ اليوم.. شاب ينهي حياة آخر بسبب خلاف على درجة سلم    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    باحثة في قضايا المرأة: الفتيات المراهقات الأكثر عرضة للعنف الرقمي    عقود عمل لذوي الهمم بالشرقية لاستيفاء نسبة ال5% بالمنشآت الخاصة    مشروبات طبيعية تخفض ارتفاع ضغط الدم    الجلوكوما أو المياه الزرقاء: سارق البصر الصامت.. والكشف المبكر قد يساهم في تجنب العمى الدائم    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    عالم أزهري: خمس فرص ثمينة لا تعوض ونصائح للشباب لبناء المستقبل    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    متحف الفن المعاصر بجامعة حلوان يستعد لاستقبال الزوار    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الكردى لقمان محمود ل «الأهرام العربى»: هوية المبدع هى الإبداع !
نشر في الأهرام العربي يوم 13 - 03 - 2017

الشعر زهور تنبت فوق الأطلال والخرائب، تسقى بالدموع، وتزهر بلا جذور، تماماً مثل الشعوب الجوالة وعلى رأسها الشعب الكردي، الظامئ للدولة القومية، العصامى الذى – مثل الإله فيراكوتشا - صنع نفسه بنفسه، فالكرد وهم أرباب سيوف وأقلام، شعب يحفر وجوده على الخارطة بنصل القلم، إذا لم يجد شيفرة السيف، مشرئباً لنيل مطامحه التى يطمرها التاريخ، وتجحدها السياسة، وهنا يتجلى الإبداع كأفضل ما يكون مثل كوة السجن، يطل منه المرء على الحياة مطلقاً زفراته، ولقمان محمود فى هذا الصدد، أحد هؤلاء الذين استطاعوا إعادة توحيد الشعر بالبطولة، هو شاعر كردى الأرومة عربى اللسان، يزاوج بين الكردية والعربية، أى أنه مبدع bilingual، لم يعصمه فخره بكرديته عن الافتتان بالعربية، والكتابة بلغة الضاد، التى أثرت محصوله اللغوى بتراث عريق عز نظيره فى لغات الأمم الأخرى، وقد أفاد “لقمان” من هذه المزواجة أيما إفادة، فقد صقلت أسلوبه، وشحذت قريحته، وقد نضح ذلك على إنتاجه الأدبى الذى يعد من العلامات الفارقة فى الأدب الكردى المتعرب أو العربى المتكرد فى العصر الراهن.
قيل “ما نكتبه هو ابن ما نقرأه” وقيل “الكتابة هى فى الحقيقة إعادة كتابة أو إعادة تشكيل لمفردات اللغة، وبأن ما نكتبه قد كتبه أشخاص آخرون قبلنا” حدثنا عن الكتابة الأولى؟
ولدتُ فى زمنٍ أعمى، كانت الأولوية فيه للأذن، وكأنَّ للعيون وظيفة أخرى غير القراءة. حينها كان كل شيء قلقاً وصعباً. فمن يملك الثرثرة يكون صوته أكبر مساحة وأعلى ضجيجاً، وكأنّ الشعر تراكم للكلام، وكأنّ الشعراء هم الورثة الحقيقيون لهذا التراكم غير المكتوب.
ومع ذلك كان الشعر بمثابة صناعة جيدة لهذا الزمن الموزون والمقفّى. فمن الصعب على أيّ كان – حتى يومنا هذا – نسيان الشاعر الأمى صبرى خلو سيتي، الذى برهن طيلة خمسين عاماً من الشعر، بأنّ مهمة الشعر قومية ووطنية بالدرجة الأولى. وسط هذا المحيط الحماسى من الشعر والأغانى الشعبية والثرثرة، بدأتُ الكتابة.
كل ما أعرفه أنّ الكتابة الأولى لي، قد تشكّلت فى محيط شفوي، ثم تكررت هذه الكتابات بشكل يومي، كى تكون أكثر عرضةً للنسيان. فأغلب كتاباتى الأولية بلغتى الأم، ضاعت من النسيان. وهذا ما جعل المكانُ الأبقى لهذه اللغة مكاناً لا نذهب إليه إلّا بالذاكرة. فبالذاكرة تزداد الحاجة إلى الشعر، كلّما ازداد العالم قسوة ووحشية. فالصبر الذى خسر أسنانه، ترك خلفه أنياباً. هكذا تقول الكتابة الأولى وهى تُصغى إلى زمنها فى اللغة الكردية التى هى لغة أبى وطفولتي.
بإلقاء نظرة شاملة على المشهد الشعرى والأدبى الكردي، كيف تقيّم حركة الشعر داخله هل هى فى تقدم أم فى تراجع؟
الشعوب العاطفية، والشعوب المضطهدة، والشعوب العاطلة عن العمل، شعوبٌ منتجة للشعر بالدرجة الأولى. لذلك بالكاد تجد كردياً لا يكتب. ولإلقاء بقعة ضوء على المشهد الشعرى والأدبي، أجد أنّ كردستان بأجزائها الأربعة تختلف عن بعضها البعض إبداعياً. ففى عام 1970م، أصدر الشاعر شيركو بيكس مع نخبة من الشعراء والقصاصين الكرد فى كردستان العراق، أول بيان أدبى تجديدى كردى والمعروف باسم “بيان روانكه” – المرصد. وكانت تهدف هذه الحركة إلى رفع مستوى الأدب الكردى واللغة الكردية، وإلحاقهما بركب الحداثة.
بالفعل كان لهذا البيان تأثيره الكبير على الحركة الأدبية بشكل عام، لكن ضمن اللهجة السورانية. أى أن اللهجة الكرمانجية لكرد سوريا لم تتفاعل مع الإبداع بشكل جدى إلا فى الأعوام الأخيرة من الألفية الجديدة.
من ناحية التقييم أجد أن هذا الشعر ضرورى حتى ولو كان مضراً بالتنفس الطبيعي، طالما نتنفس من رئة الحروب لا من رئة السلام..
كيف ترى رحلتك الأدبية ما بين أعمالك الأولى من شعر ونقد ودراسات، منها على سبيل المثال “أفراح حزينة”،”خطوات تستنشق المسافة: عندما كانت لآدم أقدام”، “دلشاستان”، “إشراقات كردية: مقدمة للشعر فى كوردستان”،”مراتب الجمال قراءات فى الشعر الكردى الحديث”، “أتابع حريتي” ، “القمر البعيد من حريتي” وتجربتك الآن؟
ذاكرتى الأدبية سوداء دائماً، وهى بحاجة إلى نقاهة طويلة. وكأنّ ديوان “دلشاستان” كانت البداية الحقيقية لرحلة الاعتقال والاستجواب. الآن كل شيء واضح وجلي، وكأن الحرية قد أصبحت أصغر. أتوق أحياناً إلى ذاك الكتاب المتعفن فى الأمن السياسي. الآن كل شيء سهل وبسيط وفى متناول اليد. ومع ذلك لكل كتاب خصوصيته فى الحرية وفى القمع. فى الفرح وفى الحزن. تبدو تجربتى الآن وكأننى عاشقٌ مقتول فى أغنية كردية. أحاول دائماً إيقاظ ألم دفين غير نائم بطبيعة الحال.
حدثنا عن بداية اكتشاف اللغة الكردية وصعوبات الكتابة بلغة ممنوعة؟
كنتُ مفتوناً بصوت أبى وهو يقرأ شعر ملايى جزيري. تعلمت من أبى هذا الترف المعنوى كلّما حكّنى الحب أو الألم أو الوطن. ومنه تعلّمت القراءة والكتابة.
هل الكتابة باللغة العربية تعد انفصالاً عن الهوية الكردية؟ وهل الكاتب الكردى محروم من لغته الأم؟
للكتابة دور مهم ومؤثر فى نشر السلام، فحين يتحدث الكاتب عن الحرية والعدالة والكرامة فإنه يجسد المعنى الحقيقى للسلام. لذلك تأتى الكتابة فى زمننا هذا، لتعلن ضرورة الدفاع عن كل جمال فى الإنسان، معليةً من شأن الحوار بين بنى البشر. طالما الكاتب يؤسس لحقيقة مغايرة لتلك الحقيقة السياسية.
يقول الروائى البيروفى ماريو بارغاس يوسا (1936)، صاحب نوبل للآداب (2010)، أن المثقف فى هذا العصر تحوّل إلى مهرّج، علماً أنّ من حقه أن يصير كذلك، طالما أنّ المجتمع المعاصر فى حاجة إلى التهريج، وأنّ الجماهير أصبحت فى حاجة إلى التنفيس وليس إلى التوعية.
حتى إن كثير من المفكرين والنُقَّاد يصفون عصرنا هذا بأنه عصر القلق والكآبة بامتياز، برغم التطور المضطرد والمتسارع فى المجالات العلمية والطبية كافةً.
ففى عصرنا هناك ما يزيد على ثلاثة آلاف لغة يتكلم بها البشر، ومنها مائة لغة يتحدّث بها أكثر من مليون شخص، ومن هذه المائة لغة هناك تسع عشرة لغة يتحدّث بها ما يزيد على خمسين مليون نسمة.
المقصود هنا هو أن التواصل الثقافى بين الشعوب يشكل إحدى الضرورات المهمة التى يجب أن تتكرس بعمق، خصوصا فى زماننا الذى أخذت فيه الحواجز تسقط بفضل الانفتاح الاقتصادى والإعلامى الضخم، والاتساع المذهل لوسائل الاتصال الإلكترونى الذى يشهده العالم.
ففى الأعوام الاخيرة فقط استطاعت اللغة الكردية أن تتنفس الصعداء كتابة وقراءة. شخصيا أحب اللغة العربية وأكتب بها أيضا، ولا أقف مع من يعتبر الكتابة بغير الكردية انفصالا عن الهوية. هوية المبدع هو الإبداع.
يرى البعض أن الشعر فى إقليم كردستان العراق متوهج ونشيط ومتمكن من أدواته اللغوية والفنية والشعرية على عكس أماكن أخرى بما فيها المهجر لماذا؟
اللغة الكردية فى كردستان العراق كانت تتنفس من رئة الحرية، بينما لغة كردستان سوريا كانت تتنفس من رئة القمع والمنع. الكردى العراقى تعلّم لغته فى المدارس والجامعات، بينما الكردى السورى تعلّمها فى السر والخوف.
طبعاً هناك أسباب كثيرة، ربما أولها تعود إلى أن اللهجة السورانية كانت تنتهج الحداثة منذ بداياتها، عكس اللهجة الكرمانجية التى ما زالت تنتهج الكلاسيكية. وكأن السورانية لهجة المدنيين، والكرمانجية لهجة القرويين.
ما يكتبه الأدباء الأكراد بلغات أخرى كالتركية والعربية والفارسية.. هل يمكن اعتباره أدباً كردياً أيضاً كما يقول البعض؟
من الإجحاف سحب الهوية الكردية من يشار كمال، لأنه ولد فى مكانٍ كانت اللغة الكردية ممنوعة تماماً، لصالح لغة الدولة التركية. كما ينطبق ذلك على سليم بركات الذى يكتب بلغة عربية تنتصر دائماً للألم والواقع الكرديين.
إذا فكرنا بمنطق المتسيسين، لا يمكننا اعتبار هذا الأدب كردياً، إذا كان بعيداً عن الأهداف الوطنية والقومية. لذلك سيبقى هذا المنطق الخاطئ سائداً طالما الكرد بدون دولة. أعتقد مع وجود دولة ربما يفكرون مثل الكولومبيين الذين وضعوا أخيراً صورة جابرييل جارسيا ماركيز على عملتها، علماً بأنه كان يكتب بالإسبانية. وعلماً أن كولومبيا قد حصلت على استقلالها من إسبانيا عام 1810.
إن المثقف الكردى الانفعالى قد تحول فى ظل الشعارات القومية إلى موظف. فهذا المثقف – الموظف، قد أصبح وباء قومياً، يقاس كل شيء عنده بمعيار الربح والخسارة.
هل الأدب الكردى امتلك حريته حالياً؟
نعم. يمتلك الأدب الكردى حريته حالياً، لكنه لم يفقد عبوديته بعد. فالذئاب المفترسة لا تجد غايتها إلا فى قطيع الحملان. لذلك نستطيع الحديث مطوّلاً بدون أن نقول شيئاً ذا جدوى، تماماً مثلما تفعل الخطابات السياسيّة. ففى الأدب نصالح ما لا يتصالح فى الواقع.
هل استوعب الكرد محيطهم العربى والتركى والفارسي، وإن لم يكن بإرادتهم فرغماً عنهم، وأن الكاتب الكردى سواء فى إيران أم تركيا أم سوريا والعراق لم يكن فى أى يوم من الأيام بمنأى عن التأثر بالثقافة السائدة (الفارسية، العربية، التركية)؟
نعيش اليوم كما البارحة فى مكانٍ معقد، برغم أن الشمس تشرق كل يوم على أرضنا، لكننا بلدان للعتمة والظلام، وهذا ما يجعلنا نعيش اليوم زمناً معقداً التبس فيه كل شيء. أصبح بإمكاننا، فى ظل الثورة المعلوماتية والرقمية والتواصلية، أن نضع كل شيء تحت المجهر لتحليله وفهمه وتدقيق تفاصيله نظراً للتدفق الكبير للمعلومات. لكن فى الوقت نفسه، فقد منحتنا هذه الثورات أيضاً كل إمكانات المواربة والتضليل واللعب بالحقائق، بإظهار جزء منها قد يكون شكلياً، وإخفاء الجوهر، وتوجيه الرأى العام وفق هذه المعطيات.
فحتى وقت قريب كانت اللغة الكردية ممنوعة فى كردستان (ما عدا كردستان العراق). كانت كلمة كردستان فى بعض الفترات تجلب لقائلها الموت. فى ظل هكذا ظروف كان الكردى يستوعب محيطه تماماً، لكن الآخر لم يكن يعترف به وبوجوده، لذلك الآخر لم يستوعب الكردي. وهذا ما دفع الكردى إلى الكتابة بلغة الآخر (بالثقافة السائدة: الفارسية والعربية والتركية) كى يستوعبه هذا الآخر كرهاً.
لماذا فى القصص الكردية نجد ملامح واضحة من الأدب العربى وكثيراً من أجواء ألف ليلة وليلة، كذلك ملامح من الملاحم الفارسية وقصص الحب والبطولات الشهيرة فى الأدب الفارسي،” كقصة رستم وأفراسياب”، و”خسرو وشيرين”، و”مجنون ليلى”. ومن التركية أيضاً هناك تأثرات كثيرة؟
الكثير من القصص الكردية أدرجت ضمن الأدب الفارسى أو التركي، ومع ذلك يكفى الكرد ملحمة “مم وزين” لأحمدى خاني. فالكرد كأحد تلك الشعوب التى عاشت فى ميزوبوتاميا، هم أيضا تركوا أساطير وملاحم وقصصاً غنائية عديدة لا تستهان بها. ولعل استحضار عناوين مثل حكاية “كاوا الحدّاد” و “قلعة دمدم” و”سيامند وخجي” و “فرهاد شيرين” على سبيل المثال يُؤكّد أنّ لهذا الشعب حكاياته وملاحمه وأساطيره.
البعض يرى أنه حتى إن وجدت الهوية فهى متشظية واللغة غير موحدة، والأبجدية كذلك، كتاب كردستان إيران والعراق يكتبون بالأبجدية المتطورة عن العربية واللهجة السورانية، أما الكتاب الكرد فى سوريا وتركيا فيكتبون باللهجة الكرمانجية والأبجدية اللاتينية، ولا يمكن التواصل بين كتاب هاتين الطبقتين إلا فيما ندر؟
لك الشكر والتقدير أستاذ السيد حسين على هذه المعلومة القيّمة التى تدفع بعض الكتاب الكرد إلى الدفاع عن أنفسهم لأنهم يكتبون بغير اللغة الكردية، وهنا أحب أن أوضح أن هذه الفروقات البسيطة بين اللهجتين الكرمانجية والسورانية، كالفرق بين لغة الإنجليز والأمريكان.
هناك بعض الخصوصية فى كل لهجة، وهذا لا يعنى أن اللغة الكردية ستبقى إلى الأبد هكذا بدون تجسير بين اللهجتين.
دعنا نعرج باتجاه السياسة قليلاً، هل أنت مع إسقاط اتفاقيات سايكس بيكو وإعلان استقلال دولة كردستان الكبرى كما يطالب بذلك غالبية الكرد؟
السعى الكردى من أجل دولة مستقلة سعى قديم - جديد، يستمد حيويته من حاجة واقعية، ومن حق عادل. وحدها المصالح الدولية والمعادلات الإقليمية هى التى حالت دون بلوغ الكرد مطلبهم - الحلم المشروع.
وقد أسهمت الأيديولوجية القوموية الكمالية فى تركيا، والبعثية فى العراق وسوريا، والأيديولوجية الدينية - المذهبية للنظام الإيرانى لاحقاً فى إعطاء دفعة حيوية للنزوع الكردى نحو الاستقلال؛ لأنها أدت إلى تشكّل مناخ عام غير سوى على الصعيد الشعبي، وحتى على صعيد النخب فى ميدان التعامل مع المسألة الكردية، وذلك نتيجة الممارسات التمييزية على الأرض، وسياسات القتل الجماعى التى بلغت ذروتها فى حملات الأنفال والكيماوي. هذا إلى جانب اعتماد سياسة الاضطهاد المزدوج من جانب أنظمة الدول المعنية بحق الكرد. وقد تجسّد ذلك فى حرمانهم من أبسط حقوقهم القومية الطبيعية وتعرّضهم فى الوقت ذاته لجملة من الإجراءات الاضطهادية استهدفت وجودهم القومى بكل أبعاده.
فمنذ أن رسم سايكس وبيكو حدود الدول، والكرد يناضلون فى سبيل الاعتراف بخصوصيتهم القومية وتاريخهم وثقافتهم. فالكرد هم الشعب الوحيد فى منطقة الشرق الأوسط الذى لا يزال من دون دولة، إلى جانب الفلسطينيين.
نعم، أنا مع غالبية الكرد. أنا مع الكردى الذى دفع من ماله وعرضه وروحه لهذا الوطن. نعم أنا مع دولة كردستان الكبرى لأنها حلم الكردى البسيط والفقير وهذا الحلم لن يتحقق لا فى القريب ولا فى البعيد، لأن الساسة الكرد ضد هذه الدولة.
حلمنا الكردى قريب من الحلم العربي. كلما نادى العربى بأمة عربية واحدة كلما أصرّ السياسى على تمزيقه. هكذا نحن أيضا يا صديقى نحب دولة كردية لكن رياح الساسة الكرد والجيران تهب عكس ما نريد.
ما رأيك فى البسالة التى أبلاها الشعب الكردى بكل أطيافه فى الدفاع عن الأراضى الكردية؟ وكيف تابعتم من دحر «داعش» من المناطق الكردية؟
جميلٌ أن ينتصر الكرد على ألد أعداء الإنسانية. لقد انتصر الكرد مرتين، مرة من أجل الكرد، وأخرى من أجل العالم. البربرية والوحشية فى صورة داعش تحطمت على أيدى الكرد الأبطال. هناك مقولة تقول: “لا ينتصر غير الكردى على الكردى إلا بمؤازرة من كردي”. لذلك أستطيع القول إن دحر داعش فى المناطق الكردية عمّم الفرح فى جميع أرجاء كردستان والعالم.
وماذا عن دور المرأة الكردية؟
لقد أذهلت العالم. نعم المرأة الكردية استطاعت قيادة المعركة ضد داعش فى كوبانى ومنبج وشنكال. نصرها المادى أعطى دفعاً معنوياً كبيراً للمرأة بشكل عام.
وما رأيك بالفيدرالية التى أعلن عنها أخيراً فى المناطق الكردية بسورية؟ هل سوريا إلى التقسيم .. مامدى صحة هذه المقولة؟
نصح سياسيون كرد بُعيد الاحتلال الأمريكى للعراق بتطبيق مبدأ الفيدرالية على الأراضى العراقية، بحيث تؤمّن الطوائف والقوميات سلامتها وتخفَّض أكلاف حروب أهلية متوقعة.
لكن الاقتراحات الكردية تلك جوبهت برفض العرب السنّة والشيعة بأكثريتهم، وفى متن أحاديث أكثر السياسيين العراقيين نُظر إلى المقترح الكردى كأنه إهانة للعراق المركزيّ. هذا الواقع يفيد بتشابه مآلات دولتى البعث، وأن ما حدث فى العراق مطابق لما حدث ويحدث الآن فى سوريا.
علينا ألا ننسى أنه فى السنوات الأولى من عمر سوريا الحديثة، كانت فرنسا قد قسمت سوريا إلى دويلات لها أعلامها وبرلماناتها وحكوماتها، وعاشت تلك الدويلات متجاورة إلى أن توحدت لاحقاً فى ظل الاحتلال، بعد أن رفض السوريون (وهنا أقصد الكرد) واقع التقسيم الفرنسى ذاك، فكانت تجمعهم قيم مشتركة، والأهم مصالح مشتركة. الفيدرالية إذاً أهم خيار لبقاء سوريا المحطمة الآن موحدة.
كما علينا ألا ننسى أن اتفاقية (سايكس بيكو) أقحمت قوميات وطوائف متمايزة بجغرافيا محددة سميت سوريا، وفقاً لتفاهمات ومصالح الدول الكبرى، ثم جاءت الحكومات السورية المتعاقبة لتزيد الطين بلة، فطمست اختلافات المكونات السورية وخنقتها ومنعتها من التنفس عن نفسها خصوصا إبان تسلم حزب البعث للسلطة، هذا الحزب الذى عرَّب سوريا ورفض كل ما هو غير عربي.
هل أثر العمل بالصحافة فى النص الشعرى فى أعمالك؟ وماذا عن مجلة “سردم” التى تصدر بالعربية والكردية؟
إلى حد ما كان عملى فى الصحافة على حساب النص الشعري. المبدع فى الغرب يمكنه أن يتخذ من الكتابة مهنة له إذا استطاع أن يحقق شهرته، فى حين أن الكاتب الكردى لا يمكنه فعل ذلك حتى مع وجود تلك الشهرة.
تعذّبتُ كثيراً فى إصدار مجلة “إشراقات كردية”، كنتُ أعمل ليل نهار كى تصل المجلة إلى ما كنتُ أريد. فى الأخير عرفت أن ما أقوم به هو من واجب المؤسسات الثقافية. لذلك أرى أن مجلة “سردم” كانت فى غاية الأهمية بالنسبة لي، لأنها كانت تصدر عن أهم مؤسسة ثقافية فى كردستان، وهى مؤسسة سردم للطباعة والنشر.
لماذا يكتب لقمان محمود؟
أكتب لأنّ من أبسط دلالات الكتابة – بالنسبة لى – أننى أتنفس. أكتب لأن فى الكتابة حياة. إنّ الإنسان حين يمتلك كينونته كإنسان ستكون كل القضايا الإنسانية العادلة قضاياه .. فأنا أكتب عن مشاعر تجمع البشر تحت سماء واحدة، فالشعر لا يزال بإمكانه أن ينقذ العالم من خلال العاطفة الإنسانية.
ما جديدك فى الفترة المقبلة ؟
- أعمل على جمع نصوصى الأخيرة التى كتبتها فى أحلك الظروف، وكأنّ الساعة الأكثر ظلمة هى تلك التى تأتى من قلب نور ميت. كما أعمل على جمع ما كتبته فى جريدة “التآخي”، أثناء تحريرى لصفحة “إشراقات كردية”. ربما أفضل تسمية لهذه النصوص هى “زعزعة الهامش”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.