سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشاعر الكردي لقمان محمود: نحن في زمن لا مگان فيه للمثقف والسياسي يقتل ويمشي في جنازة القتيل!
الكتابة باللغة العربية ترميم للوجع الكردي وليست انفصالا عن الهوية الكردية
في إمكان أي شخص أمّي ومتخلف أن يُسكت أهم مثقف بطلقة واحدة من المسدس
لقمان محمود بدأت هذا الحوار مع الشاعر لقمان محمود سعيا للتعريف بمفاهيم كردية وابداعات مازالت بعيدة عن العربي الذي يتجاور مع الكردي جغرافيا وحتي دينيا باعتبار الحوار هو السبيل الوحيد للتواصل بيننا فكان هذا الحوار الذي آمل ان يستمر ويتواصل بين العربي والكردي في كل مكان من هذا الوطن . لكن من هو الشاعر لقمان محمود ؟ هو شاعر وناقد من مواليد عامودا 1966عضو اتحاد الأدباء الكرد وله عدة أعمال مطبوعة: مثل دواوين: أفراح حزينة وخطوات تستنشق المسافة، ودلشاستان ، و القمر البعيد من حريتي، أتابع حريتي ، ومن الدراسات: إشراقات كردية: مقدمة للشعر في كردستان، والمبدع الراحل محيي الدين زنكنة بأقلام أصدقائه، بالإشتراك مع رؤوف بيكرد و نوزاد أحمد أسود،ومراتب الجمال: قراءات في الشعر الكردي الحديث، وترويض المصادفة (كتاب نقدي)، و شرارة الأناشيد القومية في الغناء الكردي لغرب كردستان، ليس منغلقا بم تفسر تعامل المثقفين الكرد مع من هم خارج قوميتهم بطريقة يبدو فيها الكثير من الحذر وكأنهم يعيشون في عالم سري يخافون اقتراب الآخر منه ؟ - من الإجحاف القول أنّ المثقف الكردي حذر و منغلق علي قوميته ولغته، أو أنه يعيش بمعزل عن الآخر العربي، التركي، الفارسي. حسب تجربتي في الوطن الأم (كردستان سوريا) كان المثقف الكردي هو من كان يمدّ الجسور بين المثقفين الكرد والعرب، تلك الجسور التي كان يهدمها السياسي (النظام). في سوريا كان هناك أكثر من جسر بين المثقف الكردي والعربي، و كان أغلب المثقفين العرب يتفهمون الحالة الإبداعية والسياسية لدي شريكه الكردي في الوطن والهوية. كنّا نحاول بشتي الطرق أن يتعرف الآخر ذ العربي (المثقف العربي) علي مأساتنا ككرد. كان علي هذا الآخر أن يعرف أننا ولدنا ونعيش علي أرضنا و أرض آبائنا وأجدادنا، وأننا حتي الآن نُعامل كلاجئين (لا أوراق ثبوتية، لا إقامة، لا مواطنة.. إلخ). هذه المأساة الكردية تعرّف عليها الكثيرون وتعاطفوا معها إنسانياً و أخلاقياً. لذلك أستطيع القول أن المثقف السوري (والسوري بشكل عام) إنسان رائع.. بريء من النظام السياسي المستبد، وبريء من الحزام العربي الذي فُرض علي الكردي بالقوة، وبريء من سحب الجنسية السورية من الكردي.. إلخ. حسب تجربتي الشخصية، كان لي صداقات قوية جداً مع أغلب شرائح المجتمع السوري (الشاعر، الكاتب، الناقد، المفكر، السينمائي، الفنان، الباحث). فديواني الأول (أفراح حزينة) المطبوع في عام 1990، صدر بدعم ومساندة من الصديق الشاعر إبراهيم الجرادي، حيث تكفل هذا الشاعر الرقّاوي (من محافظة الرقة) بطباعة الديوان وتوزيعه. حيث كتب عن الديوان (في حينه) نخبة من الكتاب والنقاد، أمثال يوسف سامي اليوسف، وعدنان بن ذريل وبندر عبد الحميد.. وغيرهم كثيرون. كما خصص الكاتب حسين حموي في برنامجه الإذاعي (رأي وكتاب) ساعة كاملة عن هذا الديوان. المثقف الكردي كان وما زال مفتوحاً علي الآخر من جميع النواحي، و إلا كيف تفسر علاقاتنا الشخصية و صداقاتنا الشخصية مع كل من كانوا من النخبة المثقفة في المجتمع السوري، و أقصد هنا الدكتور برهان غليون والدكتور طيب تيزيني والدكتور عبد الرزاق عيد.. وغيرهم كثيرون. هذه الأسماء (وهي ليست حصرية بكل تأكيد) كنّا نلتقي بهم أسبوعياً ونناقش معهم أهم المستجدات علي الساحتين السورية والكردية. هؤلاء كانوا أصدقاء الكرد معنوياً ومادياً.. فأفضل الكتابات عن الكرد كانت بأقلام هؤلاء، وأغلب من حصلوا علي رسائل الدكتوراه (من الكرد) حصلوا عليها بدعم ومساندة من هؤلاء.حينما أتذكر المثقف السوري العربي الآن، أتذكر الجرح الكردي أكثر، وخير دليل علي ذلك هو هذا الجنون الذي يمارسه النظام في دمشق علي الإنسان والحجر والتراب.. التراكمات الثقافية تشعر وأنت تقرأ النص الكردي أن هذا النص خلق لذاته أي ليكون منزويا مع ذاته فقط ..فهل هي خصوصية كردية أم هو انعكاس شعور داخلي لصاحب النص علي نصه ونفسه ؟ - النص الكردي كأي نص آخر يحمل في طياته التراكمات الثقافية من هنا وهناك.. فالخصوصية في أي نص عائد إلي خصوصية الكاتب الابداعية بالدرجة الأولي. بمعني أن المبدع الكردي الذي يكتب وفق ما تعكسه مرآة الابداع، يخلق نوعا ما صورة حقيقية لشعوره الداخلي إزاء الانسان والواقع الكرديين. ربما لذلك عندما نحكي عن نص كردي غير منزو في رقعة جغرافية محددة، يتبادر إلي الذهن والوعي مباشرة تجربة الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكس، الذي صار يُقرأ في أغلب اللغات العالمية، والذي كتب عن الأنفال وعن مدينة حلبجة (التي قصفها النظام البعثي بالمواد الكيماوية)، كما كتب عن الحب والحرية والبشمرجة وعن صديقه الشاعر محمود درويش. هذا الشاعر الكردي والذي مازال يكتب بلغته الكردية استطاع الحصول علي أهم جائزة عالمية وهي جائزة تو خولسكي الأدبية. إن خصوصية هذا الشاعر تعكس خصوصيته الكردية والإبداعية والإنسانية. كذلك الأمر مع الشاعر والروائي سليم بركات الذي يكتب باللغة العربية لايصال معاناة هذا الشعب الكردي الي شريكه العربي بلغته حصراً. النص الكردي متشعب يختلف من كاتب إلي آخر، ومن مبدع إلي آخر. هناك نصوص كردية خلقت ميتة، وهناك نصوص أخري لا تختلف عن أي نص إنساني خالد. فرضت علينا الكتابة باللغة العربية هل تعتبر انفصالا عن الأصل أو الهوية الكردية ؟ - عندما تبدع يكون الإبداع هو هوية المبدع الحقيقي. فالكتابة باللغة العربية ليست انفصالاً عن الهوية الكردية بقدر ما هو واقع فرض عليك بالقوة أمام منع اللغة الكردية. ورغم ذلك تبقي الكتابة باللغة العربية بمثابة ترميم للوجع الكردي. فالكردي المحروم من لغته الأم يجد نفسه في لغة غريبة (فرضت عليه) لا يعرف منها والداه سوي الفاتحة والدعاء، فيصر تحت ضغط التهميش والحرمان والضرورة أن يتعلم هذه اللغة الطارئة علي تفكيره وأحاسيسه ووعيه بكل السبل. هكذا تطرأ لغة أخري مسموحه بها إلي جانب لغة الأم الممنوعة.. ومهما كبرت هذه اللغة فإنها لا تصير لغة للحلم الذي يحلم به أي كردي. بهذا المعني لا أعتبر الكتابة باللغة العربية انفصالا عن الاصل أو انفصالا عن الهوية الكردية. نقطة من بحر لماذا لم يتعامل العربي مع إبداعات الكرد؟ - إذا أخذنا بعين الإعتبار الجانب الأهم في ذلك سنجد أن العربي يتعامل مع ابداعات الكرد إذا كانت هذه الابداعات مترجمة إلي اللغة العربية، فحتي الآن لا توجد في كردستان العراق وزارة أو مؤسسة تهتم بترجمة الأدب الكردي إلي اللغة العربية، وما يحصل من ترجمات فردية غير متخصصة أحياناً - تكون بمثابة نقطة من بحر. هذا الواقع يقع علي عاتق الكردي أولاً وأخيراً . إن ما يترجم من الأدب الكردي إلي اللغة العربية يلاقي قبولاً نوعاً ما من الكتاب والنقاد العرب، وهذا ما وجدته في الكثير من الكتب النقدية التي تصدر للنقاد العراقيين. صناعة دكتاتورية هل تجد فاصلا بين العربي والكردي وهل من أسباب واضحة له ؟ - كشاعر وناقد ومترجم أجد أن الفاصل الذي تقصده هو فاصل وهمي يصنعه السياسي كجدار بين الكردي والعربي، وهي صناعة دكتاتورية ممنهجة لمآرب شخصية، اتضح ذلك في دولة الممانعة السورية طيلة أربعين عاماً، وعندما ظهرت حقيقة هذه الممانعة ظهر الجدار كوهم حقيقي للعربي والكردي معاً. والآن نجد مليون سبب واضح لهدم البيوت علي رؤوس ساكنيها بالطائرات والمدافع والراجمات وصواريخ سكود. لا للتنكر للقومية التمسك بالقومية الكردية إلي أي حد يؤثر إيجابا أو سلبا علي المبدع / المبدعة الكردية ؟ - أظن أن المبدع الذي يتنكر لقوميته سيكون منبوذاً من الكردي والعربي معاً. فالمبدع جميل ومحترم بقوميته الحقيقية، بجماله الحقيقي، لا بالمساحيق. الإبداع بشكل عام إنساني. فالمبدع الحقيقي سواء كان متمسكا بقوميته أو لم يكن متمسكا بها هو كردي يتألم مع آلام أمته. أظن لا يوجد انسان لا يتمسك بقوميته، وهذا التمسك إذا انعكس علي الابداع ستكون كارثة أدبية إن لم يكن مبدعا حقيقيا. أحيانا أنزعج من بعض النصوص المباشرة عن الكرد وكردستان. إذاً السلبية والايجابية تختلف من نص لآخر ومن مبدع إلي آخر. المنفي وتأثيراته المنفي وتأثيراته علي هوية النص الكردي وإبرازه للوجود بروحه الكردية الموجوعة إن صحت التسمية ؟ - عشتُ المنفي و أنا في سوريا، وعشته و أنا في ألمانيا، وأعيشه منذ أعوام وأنا بين أهلي وأصدقائي في كردستان العراق.المنفي مرافق للنص أينما كنت، وان كان بدرجات متفاوته. لذلك الروح الكردية الموجوعة موجودة في جميع هذه المنافي: سوريا وألمانيا وكردستان. التجارب في المنافي هل ثمة فرق بين تجربة شعراء الجزيرة (الأكراد) وباقي شعراء الكرد في المنافي ومن هم في اقليم كردستان ؟ - بحكم عملي في مجلة سردم العربي، تصلني بشكل مستمر أهم الاصدارات من كردستان والعراق والوطن العربي. بمعني أنني مطلع علي الشعر الكردي في الأجزاء الأربعة من كردستان بشكل جيد. و بناء علي سؤالك عن الفرق بين التجارب الشعرية في الجزيرة السورية وباقي التجارب في المنافي واقليم كردستان، أستطيع القول إن الشعر حتي هذه اللحظة في »الجزيرة« هو شعر متواضع جداً قياساً إلي الشعراء الرواد الكلاسيكيين أمثال: جكر خوين وسيدايي تيريز، وبي بهار، عثمان صبري، زنار سلوبي.. وغيرهم. أغلب هذه التجارب ما زالت مقلدة نوعا ما للأب الشعري: جكر خوين. وهذا الكلام لا يعني أن الجزيرة خالية من الشعر، بل شبه خالية من الشعراء الكبار. هناك أسماء لها حضور قوي أمثال: أحمد حسيني، دلشا يوسف، خلات أحمد، جان دوست، عزيز غمجفين..و غيرهم. إن الشعر الكردي في هذا الجزء المغلوب علي أمره، بسبب السياسة البعثية جعلت الاغلبية يتجهون إلي اللغة العربية، لذلك تجد من يكتب باللغة العربية أكثر من الذين يكتبون باللغة الكردية.أما باقي الشعراء الكرد في المنافي فليسوا سوي صورة مصغرة ومؤلمة عن هذا الواقع الحقيقي في الجزيرة.بالنسبة لإقليم كردستان، يكاد يكون الأمر مختلفا ومغايرا تماما، فالشعراء في هذا الاقليم أصحاب تجارب شعرية متميزة، ليس علي الصعيد الكردستاني فقط، بل علي الصعيد العربي والعالمي. الشعر في اقليم كردستان العراق متوهج ومثابر ونشيط ومتمكن من أدواته اللغوية والفنية والشعرية، وهذا عائد في جانب منه إلي المدارس والجامعات الكردية في هذا الاقليم منذ انشاء الدولة العراقية في عام 1920، وهذا الجانب له أهميته الكبري في تجديد اللغة والعمل عليها. لذلك عندما نحكي عن التجربة الشعرية في اقليم كردستان فأننا نحكي عن مدارس شعرية لها خصوصيتها الإبداعية.فإذا كان هناك أدونيس والماغوط وأنسي الحاج في الشعرية العربية، فهناك شيركو بيكس ولطيف هلمت وبدرخان سندي في الشعرية الكردية. الحوار .. الحوار ما رأيك في موضوع الحوار العربي الكردي وما هي استفادة الكرد من ذلك ؟ - الحوار في أغلب الأحيان يمنع الحرب، ويؤدي في أغلب الأحيان إلي منع سفك الدماء. الحوار العربي الكردي تم مرارا وتكرارا مع الحكومات المتعاقبة في العراق، لكن هذا الحوار كان ينتهك من الجانب العربي. الآن، وبعد تجربة الكرد الناضجة في اقليم كردستان اصبحوا متمسكين بالحوار اكثر من أي وقت مضي، فالكرد أصحاب سلام وأصحاب حرية وأصحاب تعايش سلمي مع جميع المكونات الأخري. تجربة الكرد مع العرب دليل علي أن الحوار العربي- الكردي في تفاهم مستمر، فأغلب الدول العربية تحترم تجربة كردستان العراق في التعايش في دولة العراق الفيدرالي، وهذا بحد ذاته انتصار للسياسة الكردية المستندة علي الحوار. وربما الفائدة العظيمة في ذلك هو هذا السلام والطمأنينة في هذا الاقليم. وحسب الحكمة المتداولة: الجلاد لا يحاور الضحية. والكردي طوال تاريخه ضحية للدول المستبدة في العراق و سوريا وتركيا وايران. هذه الدول تضع شروط الحوار والقتل والترحيل والانتقال و القصف الكيماوي. في ظل حوار كهذا أنا ايضا اتساءل ما هي استفادة الكرد من ذلك؟ المثقف والسياسي ما المطلوب من المثقف الكردي إزاء الحالة العامة أمطلوب منه أن يندمج أو يحاور أو ينتظر أم ماذا ؟ - نحن في زمن لا مكان فيه للمثقف، لا في كردستان فقط، وإنما في جميع دول العالم. السياسي يعلن الحرب، والسياسي يخمد الحرب. السياسي يدمر والسياسي يبني. السياسي يقتل والسياسي يمشي في جنازة القتيل. علي المبدع الحقيقي (إن كنت تقصد ذلك) التفرغ للإبداع، فبإمكان أي شخص أمّي ومتخلف أن يُسكت أهم مثقف وأهم كاتب بطلقة واحدة من المسدس. الاحتياج للترجمة أشد الترجمة إلي أي حد تجدها مهمة في إيصال الشعر من لغة إلي أخري ؟ - أغلب الشعراء العالميين قرأناهم عن طريق الترجمة، فلولا الترجمة لبقيت قراءاتنا في جانب منها معتمة، ولبقيت روحنا أقل فرحاً. الترجمة مهمة جداً، فالانسان لا يتقن سوي لغتين أو ثلاث لغات. عن طريق الترجمة استطعنا قراءة معظم الشعر العالمي والانساني.. ففي الترجمة تتقارب الشعوب وتحتك الثقافات والحضارات. فنحن الآن في أشد الحاجة إلي معرفة بعضنا البعض وخاصة في الشعر، باعتباره سيبقي ديوان العرب. من بيده مفتاح الترجمة ؟ - الدولة.. المؤسسات.. المجتمع الحضاري. وكما يقول الصديق المترجم آزاد البرزنجي (له أكثر من 45 كتاباً في الترجمة): أي مجتمع يخلو من حركة ترجمة جادة، هو مجتمع غير مدني وغير حضاري. في رأيك من الشريك الحقيقي للمثقف اليوم ؟ - الشريك الحقيقي للمثقف هو المثقف. تماشياً مع (موضة) اليوم. فشريك السياسي هو السياسي. وشريك المدمن هو المدمن. وشريك الحرامي هو الحرامي. وشريك العَالم هو العالم. وشريك المخترع هو المخترع. وشريك المتشرد هو المتشرد. وشريك اللاجئ هو اللاجئ. وشريك الميت في قبره هو الميت في القبر المجاور.