«الأنفاق» السلاح الذي مكن حماس من الصمود ومنع الجيش الإسرائيلي من اقتحام القطاع برا تراجع اهتمام الشباب بالانضمام للخدمة العسكرية ونيتانياهو المسئول ونيتانياهو يرد: شابيرا «دس أنفه فيما لايعنيه»
في السابع من يوليو 2014، قام الكيان الصهيوني بحربه الثالثة وليست الأخيرة على قطاع غزة، التي سميت ب “الجرف الصامد”، لتستمر لما يزيد على 51 يومًا كاملة، فيما تعد إحدى أطول المواجهات أو الحروب العربية الصهيونية قاطبة، استشهد على إثرها ما يزيد عن ألفي شهيد وأصيب ما يزيد على عشرة آلاف فلسطيني، ودمرت في ظلها آلاف المنازل والبنية التحتية في القطاع! ومنذ عدة أشهر، ومراقب الدولة الإسرائيلي السابق، يوسيف شابيرا، حمل على عاتقه إجراء تحقيق خاص في نتائج حرب “الجرف الصامد”، التي اعتبرها كثير من الكُتاب والصحفيين والباحثين الصهاينة حرب التعادل بين الجيش الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أو إقرار بعضهم بهزيمة جيشهم الذي يقهر، وهي استنتاجات لم تكتمل حتى صدور تقرير شابيرا، في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، حينما فجّر القاضي السابق قنبلته ليس للداخل الصهيوني فحسب، وإنما للعالم بأسره، لتأكيده بأن الكيان الصهيوني مجرد “شبكة عنكبوت”، وجبهته الداخلية مهترئة، وقياداته السياسية وجنرالاته العسكريين وقفوا عاجزين أمام قوة وصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لعدم إدراكهم لقوة التحدي وإصرار المقاومة لدى هذا الشعب المحاصر والمُغتصبة أراضيه! منذ عدة أشهر والداخل الإسرائيلي في حالة من التوتر والقلق المتصاعدين بعد توالي تسريبات التحقيق الذي أجراه القاضي شابيرا، والإعلان بين الفينة والأخرى عن قرب صدور تقريره النهائي والخاص بالتحقيق في نتائج الحرب، وهو بالمناسبة ليس تقريرًا رسميًا للتحقيق في مجريات الحرب ككل، حيث لم تُشكل لجنة تحقيق رسمية بذلك حتى الآن، على غرار ما جرى من قبل من تحقيقات رسمية، كما جرى بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، حينما شُكلت لجنة “أجرانات”، وكذا لجنة “كاهان” التي تكونَّت للتحقيق في نتائج الحرب الصهيونية الأولى على لبنان، في العام 1982، في وقت شكَّلت لجنة القاضي “إلياهو فينوجراد” للتحقيق في نتائج الحرب الصهيونية الثانية على لبنان، يوليو 2006، وهي كلها لجان عسكرية رسمية شكلت بعد إخفاق الجيش الصهيوني في مواجهاته السابقة مع العرب، لنؤكد من خلالها أن الكيان الصهيوني ليس قوة عسكرية ضخمة كما تصدرها لنا وسائل الإعلام الإسرائيلية، المنشورة باللغة العبرية، ولا كما يُعلمنا الغرب بأن إسرائيل القوة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وإنما الكيان الصهيوني مجرد “فقاعة هواء” يمكن هزيمته طالما توفرت الإرادة وعوامل النجاح، كما حدث في كل الحروب السابقة، حرب أكتوبر، ومواجهة حزب الله اللبناني في العام 2006، وربما بشكل أو بآخر في حروب غزة الثلاثة الأخيرة! الثابت أن كل هذه التقارير الرسمية أو غير الرسمية التي تم تشكيلها بغرض التحقيق في نتائج الحرب، كانت تضع البيض كله في سله واحدة، بمعنى أنها وجهت الاتهامات للقيادات الحاكمة بالتقصير والإخفاق، حتى إن كلمة “إخفاق” تكررت عشرات المرات في تقرير فينوجراد على سبيل المثال والاستهانة والاستخفاف بالخصم أو الطرف الآخر، والتسبب في تراجع قوة الردع الإسرائيلية أمام هذا الطرف، بعد التباين الواسع بين القيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب، وعدم وضوح خطط “بنوك الأهداف” الصهيونية في تلك الحروب! الهروب من الخدمة العسكرية التقرير بصيغته النهائية، والصادر في تاريخ الثامن والعشرين من فبراير، وهو التاريخ الذي سيسجل بأحرف من ذهب، حمَّل بنيامين نيتانياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، ووزير حربه السابق، الجنرال موشيه بوجي يعالون، المسئولية كاملة عن الإخفاقات التي وقعت في حرب غزة (الجرف الصامد)، نتيجة لمقتل عشرات الجنود الإسرائيليين، وضياع هيبة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وتراجع اهتمام الشباب الإسرائيلي بالانضمام ل “قدس الأقداس” الممثل في الجيش نفسه، الذين باتوا يفضلون الهروب من الخدمة العسكرية، أو التهرب من الانضمام إليه من البداية!
السلاح الإستراتيجي (الأنفاق) من بين النتائج المهمة التي خرج بها التقرير هو استخلاص العبر والدروس المستفادة، كما جرى للحروب الصهيونية السابقة، فكلما تعرَّت الجبهة الداخلية الإسرائيلية كلما زادت وتيرة التدريبات والمناورات العسكرية للجيش الإسرائيلي على جبهاته ككل، ربما اعتياده لذلك الأمر، بدعوى أن التجمع الصهيوني لا مصير أمامه سوى خوض الحروب كي يبقى على الأراضي الفلسطينية المحتلة، جاثمًا فوق الصدور. تلك الصدور التي لم تقف مكتوفة الأيدي، ولكنها أحسنت استغلال ما يمكن أن يوجه سهامه وبنادقه تجاه الكيان الصهيوني، ووجد الفلسطينيون في قطاع غزة أن صنعهم للقذائف والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى هو الحل الأنجع، يسبقهم بالقطع سلاح “الأنفاق” الذي بات حديث الساعة، وربما حديث الصباح والمساء وربما المستقبل، فهو السلاح الإستراتيجي الذي تمكنت المقاومة الفلسطينية في حروبها الثلاث الماضية من تلقين الجيش الإسرائيلي دروسًا لن ينساها، بل وأجبرت الأنفاق هذا الجيش على عدم اقتحامه للقطاع برًا، غير مرة، خاصة حربه الأخيرة. وكان من البديهي للجيش الصهيوني وضع “بنوك أهداف” تجاه الحرب على غزة (الجرف الصامد)، من بينها وأد فكرة “الجهاد المقدس” للجانب الفلسطيني وتوجيه أنظار الشباب والأطفال الفلسطينيين إلى أن قياداتهم السياسية يزجون بهم في أتون حرب سيصبحون بعدها “شهداء” وبيوت من تبقى منهم مهدمة، وبنيتهم التحتية مهترئه، وجزء ممن عاشوا سيصبحون جرحى ومصابي حرب، أي كسر فكرة مواجهة الجيش الإسرائيلي مستقبلاً وقتلهم معنويًا، وتشويه صور الفصائل الفلسطينية المقاومة؛ في حين لم يدرك الصهاينة بعد أن الحروب تزيد من إصرار وقوة وعزيمة الشعب المُحتل، أي أن هدفهم هذا لم ولن يتحقق! فالحديث عن السلاح الإستراتيجي بيد حركة حماس، والممثل في قوة “الأنفاق” كان سببًا في صداع الإسرائيليين ككل، حتى إن القيادات العسكرية لم تعرف من أين سيخرج المقاومون من الأنفاق لقتلهم، وهو ما أشار إليه الموقع الإلكتروني الإخباري “واللا “ غير مرة، وبصورة أو بأخرى، من أن مصادر أمنية إسرائيلية حذرت المستعمرين الصهاينة في مناطق غلاف غزة من استمرار حفر الأنفاق بالقرب من مستوطناتهم. المناكفة السياسية الغريب أن الجنرال موشيه بوجي يعالون، وزير الحرب السابق، اعترف بأن الحرب سادتها أخطاء كثيرة لقواته الغازية، إضافة إلى اعترافه بأن بعض أعضاء الحكومة الصهيونية المصغرة (الكابينيت) تصرفوا بدون مسئولية خلال الحرب على غزة، وبعضهم حاول المساس بنيتانياهو. فالتقرير برمته ينتقد نيتانياهو ويعالون وزير الحرب، وجهات إسرائيلية استخباراتية أخرى، لم تنقل كل المعلومات للكابينيت الصهيوني، واكتفت بتوجيهها نيتانياهو ويعالون فحسب، في حين أنه من واجبات المجلس الوزاري المصغر إجراء مباحثات مستمرة حول مجريات الكيان في السلم والحرب معًا. بيد أن نيتانياهو هوَّن على نفسه بتقليله من أهمية التقرير، بدعوى أنه تقرير خاص وقام به قاض ليس تخصصه الخوض في المعارك العسكرية وأن شابيرا دسَّ أنفه فيما لا يعنيه، ولا يمتلك من القدرات السياسية أو العسكرية التي تمكنه من صدور تقرير رصين، برغم معرفة رئيس الوزراء الإسرائيلي المسبقة بذلك! في وقت ادعى نيتانياهو أنه عرض خطر الأنفاق على الكابينيت أكثر من 13 مرة، ونوقشت قضية الأنفاق واستخلص لأكثر من مرة العبر والدروس المستفادة من الحروب السابقة، مشيرًا إلى أن تقرير مراقب الدولة لم يذكر ذلك الأمر! لكن نيتانياهو يرغب في التقزيم من نتائج التقرير الذي أدانته بشكل شخصي، لتتحول الساحة السياسية الإسرائيلية إلى حالة من التناطح الانتخابي والمناكفة السياسية التي سيخرج منها نيتانياهو كما سبق وخرج من غيرها من القضايا الجنائية والسياسية والعسكرية كالشعرة من العجين سالمًا غانمًا، إذ بإمكانه تحويل هذا التقرير إلى صالحه، بأي وسيلة كانت، مثل توجيه ضربة قاصمة لقطاع غزة، أو تحريف الأنظار بزيادة وتيرة بناء المستوطنات، أو بزياراته الخارجية المهمة، مثل زيارته المقبلة لروسيا ولقائه بالرئيس فيلاديمير بوتين للحديث عن كيفية ضم هضبة الجولان السورية المحتلة لبلاده، بشكل رسمي وشرعي، ودعوة بوتين للتصديق الروسي على ذلك، كما سبق وفعل مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حينما التقاه الشهر الماضي، وطلب منه ضم الجولان رسميًا، ولم يعلق الأخير، ولم ينبس ببنت شفة! على النقيض من ذلك، لم يتطرق تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي إلى الطرف الآخر الممثل في الجانب الفلسطيني، وكأنه لم يكن موجودًا من البداية، والحديث برمته يدور داخل التجمع الصهيوني، وحول التناقضات بين القيادات وتوجيه الإدانات لهم فحسب، وكذا طرح قضايا أمنية وعسكرية حول مدى اتخاذ قرار الحرب وآلياته قبل وأثناء رحى الحرب، وكأننا أمام ساحة تدريب عسكرية لم ولن يسقط فيها جندي صهيوني واحد! وحتى لا يسقط جنود صهاينة آخرون قتلى أو مصابون بجروح طفيفة، فإن تقرير شابيرا الذي جاء في أكثر من مائتي صفحة، وتناول بالتفصيل مدى التقصير والإخفاق العسكريين في الحرب على غزة، وتوجيه سهامه ناحية يعالون ونيتانياهو ومعهما رئيس الأركان السابق، إبان الحرب نفسها، الجنرال بيني جانتس، ورئيس الاستخبارات العسكرية “أمان”، الجنرال آفيف كوخافي، جاء ليناقش مدى استغلال حماس والفصائل الفلسطينية للأنفاق، ومحاولة التصدي لها وضرورة تحديد مسئولية كل وزير أو شخص سياسي وعسكري، مما يعني أننا أمام معضلة صهيونية حقيقية تكمن في التباين الإسرائيلي الواضح بين القيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب، وتداخل المسئوليات بينهما، فضلاً عن تهميش نيتانياهو للمجلس الوزاري المصغر، ناهيك عن عدم وضع “ بنوك أهداف “ للحرب الصهيونية على غزة، والتقليل من قدرات حماس وتجهيزاتها الأمنية والعسكرية في القطاع! ردود أفعال انتخابية! طبيعى أن توجه أصابه الاتهام من المعارضة الإسرائيلية نيتانياهو، حيث طالبته بالاستقالة، وتحمل مسئولياته، واتهموه بالفشل والتقصير، حيث طالبه رئيس الوزراء الأسبق ووزير الحرب المعروف، إيهود باراك بتقديم استقالته فورًا، ووصفه ب “ الجبان “، وهو ما ناقشته القناة السابعة الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني، تحديدًا. حيث من المعروف أن باراك يرغب في العودة مجددًا للساحة السياسية، وأولى الخطوات الانتخابية هي توجيه الانتقادات اللاذعة لسلفه الحالي، والممثل في نيتانياهو، مما يرسخ أننا أمام حالة من الاستغلال الانتخابي داخل التجمع الصهيوني نفسه، إذا أحسن بعض الشخصيات الإسرائيلية صدور التقرير في الدعاية الانتخابية لأنفسهم، مع توظيف تلك النتائج لصالحهم، وخدمة الصراع بين الأحزاب الإسرائيلية المختلفة والمتباينة المشارب والأفكار. كرر الأمر نفسه يتسحاق هرتزوج، رئيس المعارضة، وزعيم حزب “المعسكر الصهيوني” حينما طالب رئيس وزرائه بالاستقالة الفورية، لعجزه عن مواجهة خطر الأنفاق الفلسطينية، وفشله في التصدي للمقاومة الفلسطينية بالقطاع، مطالبًا إياه بتركه المفاتيح فورًا، لتزيد عليه زهافا جلئون، زعيم حزب “ميرتس” العلماني بأن نيتانياهو ووزراء الحكومة المصغرة (الكابينيت) يرغبون في الحفاظ على كراسي الحكم فحسب! وبالتالي، دفع الأمر نفسه بالجنرال آفي ديختر، رئيس جهاز الشاباك السابق، ورئيس لجنة الأمن والخارجية الحالي بالكنيست، إلى استغلال التقرير بإعلانه خوض المنافسة على رئاسة حزب الليكود الحاكم، بعد رؤيته بفشل نيتانياهو في قيادة بلاده، حيث وجه كعادة غيره من الوزراء وأعضاء الكنيست الاتهامات ل “ بيبي “ مطالبًا إياه بعدم الاستمرار في منصبه، خصوصا مع وقوعه في عدد كبير من الاتهامات الجنائية والتحقيقات التي يجريها بين فترة وأخرى الخاصة بتهم الفساد والرشى واستغلال النفوذ. لم يقف الأمر عند باراك وديختر حول خوض الانتخابات المقبلة، وإنما زاحمهم الجنرال موشيه بوجي يعالون، وزير الحرب السابق، وأحد المسئولين عن هزيمة الجيش الصهيوني في حرب الجرف الصامد، حيث أعلن عن نيته إنشاء حزب سياسي جديد، وخوضه المنافسة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، معتبرًا أن تهديدات سلفه وزير الحرب الحالي، أفيجدور ليبرمان لحماس، باغتيال قياداتها، خصوصاً إسماعيل هنية، بأنها محاولات لكسب المزيد من الإعجاب على شبكات التواصل الاجتماعي!! في وقت أكد الجنرال يوآف جالنت، قائد المنطقة الجنوبية الإسرائيلية الأسبق، أن وزير الحرب السابق، يعالون، التقط صورًا له داخل الأنفاق، لكنه لم يعد خطة لتدميرها، مؤكدًا أن بلاده لم تحقق شيئًا من نتائجها في حرب “الجرف الصامد “. وهو ما أكده يوسي ميلمان، المحلل السياسي لصحيفة “معاريف” العبرية، من أنه كان بإمكان بلاده منع الحرب الأخيرة على غزة، مع البحث عن بدائل وحلول سياسية أخرى بدلاً من خوض غمار حرب الجرف الصامد، غير المحسوبة، معتبرًا أن ذلك الأمر وفق زعمه رؤية استباقية لنتائج التقرير الكثيرة والمتعددة.
روشتة للمقاومة الفلسطينية خاتمة، فإن التقرير النهائي للقاضي يوسيف شابيرا، الصادر في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وكأنه يقدم من خلال ما توصل إليه روشتة جديدة للمقاومة الفلسطينية يطالبها بالاستمرار في المقاومة والتصدي للعمليات العسكرية المتواصلة التي لم ولن تتوقف، لكن من المؤكد أن التقرير يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يعد “ أسطورة “ كما تم تصويره من قبل، وسقط معه “ قدس الأقداس”، وبات بإمكان المقاومة الفلسطينية إلحاقه بالهزيمة بعد أن نجحت في استغلال كثير من الأسلحة الإستراتيجية، مثل الأنفاق، وإرهاب التجمع الصهيوني بعد وصول عشرات الصواريخ والقذائف إلى مدن وأماكن فلسطينية محتلة في أقصى الشمال والجنوب، ولم يعد بإمكان الصهاينة اقتحام القطاع برًا، لاستحالة التجربة، ويقينه بأنه سيلقي حتفه مباشرة.