لن ينتهى الإرهاب من العالم بمجرد نزع التطرف عن الإرهابيين، ولا بتجفيف مواردهم، وما يدور فى أذهان بعض كبار المفكرين والمحللين الإستراتيجيين فى الغرب، من أفكار تتعلق بتحويل الإرهابيين إلى «معارضين مسلحين».. فى محاولة لإدماجهم فى النظام العالمى الجديد، هو هراء محض.. كلام فارغ. هؤلاء العباقرة الجدد يرون أن الإرهاب هو مزيج من التطرف والعنف، وأنه بنزع التطرف واستبداله بمفهوم المعارضة السياسية يمكن ترويض الإرهابى ومن ثم التفاوض معه! وإذا ما صرفنا النظر عن أن الإرهاب فى حقيقته المجردة محض «إجرام» وإذا ما تغاضينا عن حقيقة استخدام هذا الإجرام لتحقيق مكاسب جيوسياسية من قبل أطراف دولية وإقليمية بعينها، ترمى لإعادة رسم خرائط النفوذ على الجغرافيا، وإذا ما نزعنا عن أنفسنا كل قيمة إنسانية بما فى ذلك العقل، فلا يمكن ابتلاع خداع الذات للدرجة التى نتصور فيها أن المعارض العنيف أقل خطرا من المتطرف العنيف، ناهيك عن فكرة التسامح مع المتطرف الذى لا يمارس العنف، فهذه محض مزحة سمجة أخرى. وفى فرنسا استمع البرلمان لتقرير لجنة تقصى حقائق، بشأن نزع التطرف عن الجهاديين فى22 فبراير الماضى، وتعد فرنسا موئلا لنحو 8250 «جهاديا قياديا»، قررت الحكومة بعد أن اكتشفت أنهم وراء قتل 238 فرنسيا منذ يناير 2015، أن تنفق بضعة ملايين من اليورو (المبلغ حتى الآن هو 40 مليون يورو)، فى محاولة لنزع سمومهم، سواء بعزلهم داخل السجون فى أجنحة منفصلة، أو إلحاقهم ببعض المراكز التأهيلية، النتيجة كانت مهزلة.. فالذين تم عزلهم ازدادوا عنفا، والذين ذهبوا لنحو 13 مركزا للوقاية الاجتماعية والاندماج والمواطنة فى جميع أرجاء الجمهورية الفرنسية.. كانت محصلتهم النهائية: لم يحضر أحد! لا علماء النفس ولا علماء الاجتماع ولا التربويون، ولا حتى أطباء الأمراض العقلية تمكنوا من فعل أى شىء.. والسبب هو أن الجهاديين لا يرغبون فى التخلى لا عن التطرف ولا عن العنف، التوصية النهائية: دعوهم يتعفنون فى السجون وأوقفوا هدر الأموال على هذه «الأكذوبة التامة» على حد تعبير النائب فيليب باس، رئيس لجنة تقصى الحقائق! التجربة الفرنسية هى محض حلقة فى سلسلة خداع طويلة بدأت مع تقرير لموسسة راند الأمريكية للأبحاث وثيقة الصلة بالبنتاجون، نشر فى نوفمبر 2010، تم من خلاله زرع أكذوبة أن نزع التطرف عن الإسلاميين أكثر أهمية من محاولة إبعادهم عن الأنشطة الإرهابية، وأن هناك برامج يمكن الاعتماد عليها بهذا الخصوص فى الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وفى أوروبا.. وأن السؤال هو فى الهدف النهائى، هل المطلوب إحداث تغيير فى السلوك الإرهابى أم فى الاعتقاد.. منظومة الإيمان ونبذ أيديولوجية التطرف واعتناق الاعتدال؟ هكذا يبدأ الخداع الإستراتيجى من نقطة خداع الذات أولا، الإرهاب محض أيديولوجية وليس إجراما.. الحكاية بسيطة: انزع الفيشة وهكذا ينتهى كل شىء.. الأمر فى النهاية يمكن حسمه ببعض الحوافز المادية والاجتماعية، واليوم وبعد سبع سنوات من الفشل الذريع.. الحافز المطروح الآن.. سياسى بامتياز. وحتى لو قبل الإرهابيون بهذه الرشوة التى هى فى حقيقتها إعلان هزيمة واستسلام لإرادة هذا الإجرام، فلا يمكن بأى حال ضمان أن الظاهرة انتهت.. بل - وبالمنطق - ستكون تلك الخطوة بداية الطريق للانهيار التام وزوال النظام العالمى بكل مفرداته.. حرفيا. الإرهاب فى المحصلة النهائية (صورة) تخفى (حقيقة)، وإذا كان الفرنسيون قد توصلوا بعد أنفاق الوقت والجهد والمال إلى أنهم خدعوا أنفسهم وأهدروا عرق دافعى الضرائب.. فعلى العباقرة الجدد أن يتوقفوا عن الفذلكة، وأن يحاولوا التدقيق فى تدفقات السلاح والذخائر والقذائف والسيوف وسيارات الدفع الرباعى، وعندها سيكون عليهم تحاشى التعرض لأى مرايا أو أسطح عاكسة.. لوجوههم!