يكتظ الطريق المليء بالغبار عبر المنطقة الصومالية بشرق إثيوبيا بجثث الحيوانات، كما يحمل الهواء الكثيف رائحة اللحم المتعفن. وتفر الماعز والغنم الهزيلة من الشمس الحارقة إلى ظلال أشجار الطلح. يقول "على وارسامح" مشيرا إلى بئر تجمعت حوله النساء والأطفال للحصول على المياه في مخيم جارلوجيوب للنازحين " لقد أتيت من مكان يبعد 35 كيلومترا لكي أحصل على مياه من أجل إبلي". وفي ظل تجمع المئات من الإبل حول البئر، الذي يتم إنزال الدلاء فيه بحبال من أجل الحصول على المياه، يخشى وارسامح من أنه ربما يضطر للانتظار طويلا من أجل أن يروي ظمأ إبله السبعة. وقال "إذا لم تستطع الإبل الشرب خلال ثلاثة أيام ، سوف تنفق". ويشار إلى أن جارلوجبوب أحد المخيمات الخمسين التي أقامتها الحكومة الإثيوبية من أجل نحو 100 ألف شخص فروا من موجة الجفاف الشديدة التي ضربت شرق وجنوب البلاد. وترجع ندرة هطول الأمطار إلى ظاهرة ثنائي القطب في المحيط الهندي، وهي ظاهرة جوية ينتج عنها اختلاف درجات حرارة البحر على أي من جانبي المحيط الهندي. وتأتي هذه الظاهرة بعد موجة جافة مرتبطة بظاهرة النينو أثرت على شمال إثيوبيا العام الماضي، واعتبرت أسوأ موجة تشهدها البلاد منذ 50 عاما. ومن المتوقع حاليا أن يحتاج نحو 5.6 مليون شخص لمساعدات غذائية، في حين أن هناك 9 مليون مواطن ليس لديهم مياه شرب مأمونة، بحسب ما ذكرته الأممالمتحدة. ولا يستطيع نحو 2.4 مليون من المزارعين ورعاة الماشية من ممارسة حياتهم بصورة مستدامة بسبب نفوق الكثير من حيواناتهم. وقال ستيفن اوبراين مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بعد زيارة لمخيم جارلوجيوب " رأيت أطفالا يقتربون بصورة خطرة من الانزلاق إلى المنطقة الحمراء التي تدل على سوء التغذية بصورة حادة ". ويشار إلى أنه خلال موجة الجفاف التي وقعت العام الماضي، تمكنت عملية إنسانية واسعة نظمتها الحكومة ووكالات الإغاثة من توفير الغذاء لعشرة ملايين مواطن بتكلفة 1.7 مليار دولار. وقال بول هاندلي، مدير فرع إثيوبيا التابع لمكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية " الآن الأعداد أقل قليلا، ولكن هذه المنطقة بها بنية تحتية أقل من الشمال، مما يزيد من تعقيد عملية تقديم المساعدات". كما يؤثر الجفاف على حياة أكثر من 6 مليون شخص في الصومال وكينيا. ويبدو الموقف أكثر سوءا في الصومال، حيث أدى انعدام الأمن والبنية التحتية الفقيرة إلى تفاقم تأثير الجفاف، ودفع الأممالمتحدة لإصدار تحذير ما قبل حدوث مجاعة. وفي مخيم جارلوجيوب، تجلس النساء بدون اكتراث في انتظار الحصول على حصص الأرز، وهن يستخدمن تنورتاهن و أوشحتهن لحماية أطفالهن من حرارة الشمس. وتسألن بعض السيدات، اللاتي يبدن ضعيفات، المارين ما إذا كان معهم زجاجة مياه يمكن تقاسمها معهن. ويتنافس سكان المخيم، ومعظمهم ينتمون للمجموعة العرقية الصومالية ، التي تمثل نحو 6 % من تعداد سكان إثيوبيا البالغ 100 مليون نسمة، على الموارد مع الصوماليين الفارين من نفس موجة الجفاف في الصومال، التي تزداد صعوبة إيصال المساعدات إليها عن إثيوبيا. وقال هاندلي: "إن نحو 2000 صومالي وصلوا للمنطقة بالفعل هذا العام، ليضيفوا بذلك لعبء اللاجئين الكبير الذي تواجهه إثيوبيا ويبلغ نحو 780 ألف لاجئ . ودائما ما تسبب موجات الجفاف دمارا في إثيوبيا، التي تعتمد بصورة كبيرة على مزارع عائلية صغيرة تتغذى بالأمطار، وقد تسببت أبرز موجة الجفاف في الفترة من 1983 حتى 1985 في وفاة مئات الالاف بسبب المجاعة. وعلى مدار العقد الماضي، سجلت إثيوبيا نموا مرتفعا يعتمد بصورة جزئية على قطاع الخدمات، ومباني مكاتب أديس أبابا اللامعة والطرق السريعة الجديدة التي تمثل تناقضا مع الأكواخ العشبية المغطاة بصفائح بلاستيكية في جارلوجيوب. وفي ضوء محاولتها لتغيير صورتها كأحد أفقر الدول في العالم لصورة الدولة التى تعتبرا مركزا اقتصاديا قويا، اتهمت الحكومة بالتقليل من تأثير موجة الجفاف العام الماضي. وقالت ايما جوردون محللة شؤون شرق أفريقيا فى مؤسسة فيرسك مابلكروفت للاستشارات المتعلقة بالمخاطر إن الحكومة مازالت تمارس" تحكما صارما " بالنسبة لدخول الصحفيين للمناطق التي ضربها الجفاف. ومع ذلك، أشاد مسؤولو الأممالمتحدة بجهود الحكومة، التي خصصت مساعدات إنسانية فورية بقيمة 47 مليون دولار من أجل ضحايا الجفاف، كما دشنت حملة للمطالبة بجمع 874 مليون دولار أخرى. وقال هاندلي "الحكومة أدركت أنها سوف تستمر في مواجهة الجفاف، الذي يمكن أن يصبح أكثر حدة بسبب التغير المناخي". وقالت جوردون إن إثيوبيا تحاول أيضا زيادة إنتاجها الزراعي عبر برامج تشمل الري والتحديث التكنولوجي. في الوقت الذي دعا فيه مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بتوفير أموال بصورة عاجلة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إنه في الوقت الحالي "من الواضح أن حجم الأزمة يفوق قدرة الدولة على التصرف ". ومن ناحية أخرى، كل ما تريده حليمة على هو انتهاء معاناتها. وتقول حليمة، وهي في الخمسينات من عمرها، ووصلت مخيم جارلوجيوب سيرا على الأقدم لمدة أربعة أيام " لم يتبق لدى شيئ الآن، ماعدا الملابس التي ارتديها وهذه القوارير البلاستيكية التي استخدمها للحصول على المياه". وأضافت" نحن في حاجة للغذاء والمياه. لا أعلم إلى متى سوف نستطيع العيش هكذا. الوضع غير محتمل".