إذا كانت الولاياتالمتحدة تستطيع أن تدمر أي دولة من خلال قصفها بالقنابل وتسويتها بالأرض,فإن موديز تستطيع أن تدمر أي دولة من خلال تخفيض تصنيف سنداتها...توماس فريدمان لم يمر سوي ثلاث سنوات علي إتهام وكالات التصنيف الأئتماني بالفشل في التنبؤ بتداعيات الأزمة المالية العالمية في2008. ووجهت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الأئتمانيS&P ضربة موجعة للولايات المتحدةالأمريكية, حينما خفضت تصنيفها في مجال الديون طويلة الأجل منAAA إليAA+ بما يعني تراجع قوة الوفاء بالديون درجة واحدة فقط. ولأن الكاوبوي الأمريكي يتمتع دائما بالغطرسة أتهمت وزارة الخزانةS&P بأن بيانتها غير دقيقة مما أثار جدلا واسعا حول ماهية التصنيف الائتماني للدول ووكالات التصنيف ذاتها. ولا يختلف اثنان في أن وكالات التصنيف الائتماني أو كهنة التقييم فشلت في التنبؤ بنيران الأزمة المالية في منتصف عام2008, يعد وانهيار بنك ليمان براذرز ومؤسسة التأمين الأمريكية العملاقةAIG خير برهان علي ذلك, فهاتان الموسستان حصلتا علي تصنيفات إيجابية من جانب مؤسسات التقييم قبل إعلان إفلاسهما بأيام, لذلك قررت مجموعة العشرين.. الG20 إخضاع تلك المؤسسات للرقابة من جانب.. اللجنة الأوروبية السرية للتقييمCESR التي تم انشاؤها في أبريل2009 بعد الاقتراح المقدم من جانب لجنة برلمانية في ستراتسبورج والتي أثارت اعتراضات شديدة عن دور تلك المؤسسات تجاه أزمة الائتمان العالمية. ويتحكم في عالم التصنيف الائتماني عالميا مثلث قوي أضلاعه موديز وفيتش وستاندرد آند بورز وتعد قوة شهادة أي منهم علي تصنيف أي دولة ائتمانيا, كقوة شاهد الملك في القضايا. ويقول الدكتور عمرو حسنين رئيس مجلس إدارة شركة ميريس الشرق الأوسط للتصنيف الأئتماني وخدمات المستثمرين إن التصنيف الائتماني هو مدي قدرة ورغبة الدولة علي الوفاء بديونها. ويشير إلي أن هناك4 معايير دائما لقياس التصنيف الأئتماني للدولة الأول الديمقراطية والثاني كفاءة الأداء والثالث القدرة علي البناء المؤسسي والرابع الجوانب المالية. ويضيف أن ستاندرد آندبورز كشفت المستور في أمريكا, فلأول مرة يتم انتقاد أداء مؤسسات أمريكية في قوة عنفوانها, حيث قالتS&P أن هناك تناقضا بين الإدارة الأمريكية والكونجرس, سواء بين الجمهوريين والديمقراطيين. ويوضح أن إجمالي الديون الأمريكية يصل إلي نحو14.3 تريليون دولار, وطلبتS&P بضرورة تخفيض هذا الدين بنحو4 تريليونات, لكن بعد سجال كبير بين الإدارة الأمريكية والكونجرس بشقية لم تستطع الولاياتالمتحدةالأمريكية خفض سوي2 تريليون دولار فقط, وهو ما دعاS&P إلي تخفيض تصنيف أمريكا الائتماني درجة واحدة, حيث إن عدم التكافؤ والتفاوض بين المؤسسات الرسمية يؤدي إلي تخفيض الدولة ائتمانيا, لان هذا العنصر يندرج تحت المر النوعية وهي من أهم محددات التصنيف, مما إثار أوباما وإداراته. ونوه دكتور حسنين إلي أن أسواق المال العالمية إستجابت لهذا التخفيض وسجلت خسائر قياسية مطلع تعاملات الأسبوع الماضي, وهذا يؤكد أن التصنيف حقيقي وليس وهميا, وبالتالي فعلي الإدارة الأمريكية مراجعة نفسها, أما إذا كانت التصنيفات غير دقيقة فكانت أسواق المال ستضرب عرض الحائط بهذا التصنيف. ويضيف أن الصين أكبر مشتر للسندات الأمريكية, حيث تستحوذ علي1.16 تريليون دولار من الديون الخارجية الأمريكية بنسبة16.5% والتي تصل إلي نحو7 تريليونات دولار, موضحا أن الصين قالت لأمريكا صراحة لأبد أن تنظروا إلي إمكانياتكم الحقيقية, وليس من المنطقي أن تأخذوا العالم رهينة نتيجة خلافاتكم الداخلية. ويقول إنS&P أوضحت أن نسبة الناتج المحلي إلي الديون في الولاياتالمتحدة تصل حاليا إلي74% وعام2015 سترتفع إلي79% وستزداد هذه النسبة إلي85% في.2020 ويكشف د.حسنين أن مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني منذ شهرين وضعت الولاياتالمتحدة أيضا علي تصنيفAAA مع توقع سلبي. وحول تأثر العالم بما تشهدة أمريكا من أزمة ديون طاحنة يؤكد د.حسنين أن ما شهدته أسواق المال الأسبوع الماضي والتوقعات المقبلة ما هي إلا تأثيرات سياسية, أكبر منها اقتصاديا, وهناك دلالات كثيرة علي ذلك, أهمها أن الدولار لا يزال سيد العملات, كما أن الاقتصاد الأمريكي ما زال هو الأكبر والأوسع والأعمق عالميا, علي الرغم من إستمرار هبوط المؤشرات الأمريكية. ويوضح أن ما وضع أمريكا في هذا المأزق السياسة الخارجية الخاطئة من عهد بوش الابن, فالتوسع في الحرب علي الإرهاب في أفغانستان وغيرها كبد الولاياتالمتحدةالأمريكية أمولا طائلة أدت إلي زيادة عجز الموازنة الأمريكية, لمواجهة مصروفات الامبراطورية الأمريكيةالجديدة في العديد من دول العالم تحت مسمي الحرب علي الأرهاب. وفي سياق متصل لم تسلم البورصة المصرية من تداعيات أزمة تخفيض التصنيف الائتماني لأمريكا وخسرت نحو25.3 مليار جنيه من قيمتها في5 جلسات, متأثرة بالهبوط الدرامي لأسهم وول ستريت, ووسط عمليات بيع عشوائية من جانب المستثمرين الأجانب, بدافع الخوف من تداعيات جديدة علي البورصة خلال الفترة المقبلة. والمعروف أن مؤسسات التصنيف العالمية تصدر تقارير دورية تكون في جميع الأحوال بمثابة المرشد, وتتضمن التصنيف الائتماني للدولة, وتصنيف القطاع المصرفي عموما إلي جانب التصنيفات الفردية لكل بنك علي حدة, فضلا عن تصنيفات لكل القطاعات الاقتصادية الاخري كالاتصالات والنقل وغيرهما, وبطبيعة الحال فإن هذه التصنيفات تتغير من تقرير الي آخر حسب التطورات. وكان أول ظهور لمؤسسات التصنيف في عام1909 عندما اصدر جون مودي أول تحليل مالي صنف فيه سندات بعض الشركات وفقا لدرجات أبجدية وسهل هذا التحليل للمستثمرين كثيرا في معرفة درجة ملاءة كل شركة من تلك الشركات وقدرتها علي الوفاء بما عليها من ديون, وكانت هذه نقطة البداية التي يعتبرها الخبراء قوة رأسمالية حديثة. والفكرة الأساسية والبسيطة التي بدأت بها تلك المؤسسات أن هناك من يحتاج إلي معلومات توضح فكرة السندات المصدرة عن شركة ما والعائد عليها وإعطاء تقييم للمستثمرين الذين يريدون الاستثمار فيها. وبطبيعة الحال لم يكن النظام المالي متقدما, ولم يكن هناك حتي الحاسبات التي تساعد علي حساب العوائد, وبالتالي كانت الفكرة مساعدة يدوية لتقييم استثمارات بمقابل مادي. وبسبب حداثة التجربة وعدم الوثوق بها, لم يكن المستثمرون علي قناعة بدفع مقابل للحصول علي تلك المعلومات, وبالتالي كانت النتيجة ومع استيعاب مصدري السندات والقروض لأهمية توفير المعلومات للمستثمرين لإقناعهم بالاستثمار,أصبح هناك دور مهم لمؤسسات التصنيف في إقناع المستثمرين بأهمية وقوة هذه السندات, وعليه يدفع أصحاب الشركات أموالا لشركات التصنيف مقابل إعطاء معلومات عن السندات والقروض التي يرغبون في إصدارها. ومع مرور الوقت, أصبحت تلك الوكالات جواز سفر لكثير من الدول والشركات إلي مختلف الأسواق, وهو الأمر الذي أدي إلي إعطائها قوة فائقة جعلت عديدا من المؤسسات الدولية تعطيها مصداقية, لدرجة أن التشريعات الدولية وهبت تلك الوكالات غطاء لاستخدامها في قياس بعض المخاطر للمؤسسات والشركات المالية.