عاد الربيع إلي سيناء بعد غياب.. نزل الماء من السماء من جديد بعد سنوات من الجفاف, وظهرت مرة أخري أعشاب وأشجار كنا قد يأسنا من اخضرارها وبعثها للحياة من جديد. بهذه الكلمات سيفاجئك' محمد بن قبيلة المزينة' شاب لايتجاوز الثلاثين من عمره, يختزلا بعبارته وحديثه نبض الحياة الآن علي أرض الفيروز, حتي لو بدا للمتابعين والمحللين في أروقة النخبة والاعلام تصوير سيناء في واقع يومي يخالف هذه العبارة, لكن' المزيني' وكثير من شباب جنوبسيناء دائما يعطونك ايقاع حي لحقائق جديدة عن سيناء الناس والمكان والوطن.. مؤكدين بأن ماقد يحدث من حوادث ليس مختلفا عما يحدث في أي منطقة أو إقليم آخر في أنحاء مصر, إلا أن عجلة الدفع الذاتي لما ألصق بسيناء لفترات طويلة من أكاذيب جعل كل حدث يقع فيها يتضاعف في تهويله وتقديره. مايلقي عليه المزيني ورفاقه من شباب قبائل جنوبسيناء الضوء محاولة لتصحيح صورة مغلوطة عن الناس والأرض في سيناء خاصة بعد الثورة التي يقولون أنها رفعت الظلم أول مارفعت عنهم لكنهم الآن يريدون أن يصل صوتهم الوطني المصر للجميع, وأن قضاياهم وهمومهم وثقافتهم آن لها أن تناقش من جديد. لكن قبل فتح ملف سيناء من جديد وإعادة اكتشاف ثرواتها البشرية والطبيعية مرة أخري, كان السؤال من أين نبدأ ؟ هل من سيناء التي عانت ويلات التهميش والابتزاز.. أم من سيناء الآن الواقع والمستقبل المنتظر, أم من خصوصية المكان.. البشر والثقافة ؟ فقبل بداية الطريق لاعادة اكتشاف سيناء وفي مرحلة الاعداد لهذه المهمة, كانت أغلب الأسئلة معلقة علي جدار حقبة تاريخية تحدث فيها رجال النظام السابق وهيئاته ومؤسساته التي تعاملت مع سيناء علي أنها واحدة من افطاعيات رجال الأعمال, أو منطقة عازلة ومعزولة في نفس الوقت بدعوي أنها ملفا للأمن القومي يثير المشاكل والقلاقل, وصداع في رأس مصر علي الدوام ولن ينتهي!, أو أن هذه المساحة التي تتجاوز العديد من الدول(61 ألف كيلو متر مربع) مساحة خارج الحدود المصرية وبالتالي اما ان تكون فزاعة لأهلها الأصليين من قبائل سيناء, وهم في نظر النظام السابق وفق رواية أكثريتهم مثل الهنود الحمر في أمريكا يجب ابادتهم لأنهم غير وطنيين, سيبيعون سيناء لليهود, وهم خارجون عن النظام وقوانين البلاد وحدود الأدب والأمن الوطني, هذا غير الشائعات الأخري المبالغ فيهم, من قبيل أنهم من مروجي المخدرات بأنواعها ومزارعيها.. يزرعون نبات الخشخاش ويبيعون لفافات البانجو والحشيش وينقلونه إلي الوادي بوسائل غير مشروعة عبرقناة السويس مستخدمين طرق المجرمين والعصابات في التمويه والخداع. صارت سيناء كما يقول' محمد المزيني' حالة أشبه بمسرحية هزلية ينتجها النظام السابق لصالح مجموعة محدودة من رجاله الذين جاءوا كالجراد الي هذه الأرض المباركة وحصدوا الأخضر واليابس بكل ربوعها من الشمال إلي الجنوب, ولم يكتفوا بل تركوها وعلي صورتها وصورة أهلها وصمة عار. وعلي الرغم من كل الجراح التي عاني منها أهل سيناء إلا أنك حين تستمع إليهم ستلمح بنفسك رغبتهم الوطنية في أن يساهموا كمصريين في بناء جزء عزيز وغالي من تراب الوطن:' نحن نعرف خبايا هذه الأرض, وديانها وجبالها, نشم رائحة الماء فيها ونجوب علي أقدامنا صحرائها الوعرة الرائعة.. نعرف كيف نتداوي بأعشابها ويكفي أن أقول لك عدد الوصفات التي أعرفها وغيري من بدو سيناء, واحدة منها أقوم بتركيبها من44 نوعا من الأعشاب والأشجار لتنقية الصدر ومنح القوة والحيوية, لكننا نريد فقط من يحترم عاداتنا وثقافتنا, من يتعامل معنا كبشر لا مجرمون, من يقدرنا كوطننين من أبناء مصر لا أعداء محسوبين علي دولة اسرائيل, من يسلم لنا بأننا قادرون علي حماية هذه البفعة الغالية من التراب المصري ويتعاون معنا لتحقيق أمنها كما كنا نفعل دائما ويشهد التاريخ, من يعطينا الأمل بأن بعض من ثروات هذه الأرض يمكن أن يعود بالنفع علي أبنائها, وكل هذا بعد الثورة أمل حقيقي وليس خدعة فقد نزل الماء من جديد, وانتهي زمن الجفاف بلا عودة'.