العائدون من المنفي او من القفص الي الحكم..ظاهرة تثير قلق وخوف جانب كبير من الشعوب العربية المؤيدة لتيار الثورات التي اجتاحت المنطقة خلال الشهور الماضية. فقد نجح الرئيس التونسي الأسبق في الفرار والرئيس المصري الأسبق تحيط الشكوك بنتيجة محاكمته حتي ذهب البعض الي دراسة احتمالات حصوله علي البراءة. ونجح القذافي في توجيه رسائل اذاعية من مخبئه عقب اقتحام الثوار لمقره بالعاصمة طرابلس كما ظهر نجله سيف الإسلام أمام وسائل الإعلام العالمية وهو يتجول في قلب العاصمة. ولاتعد تلك المشاعر بالأمر الجديد فالعالم اجمع يذكر مدي الخوف الذي ظل يتملك نفوس العراقيين من امكانية عودة صدام الي الحكم علي مدي سنوات تالية علي اختفائه وسقوط بغداد في يد القوات الأمريكية عام.2003 وعندما تم اعلان نبأ القاء القبض عليه ظل الكثير من العراقيين غير مصدقين ان الشخص الذي تتم محاكمته هو صدام حسين مؤكدين انه شبيه له(دوبلير)وعندما نفذ فيه حكم الإعدام عام2006 ظل الكثير من العراقيين علي اعتقادهم بأن صدام لم يمت وانه سيعود للإنتقام!! ولاينبع هاجس عودة المطاح بهم الي الحكم من فراغ.فعلي مر التاريخ تكرر حدوث هذا الأمر الذي يمثل قمة الإثارة والدراما التي يشهدها ميدان السياسة والسلطة علي مر العصور. هناك السلطان الناصر محمد ابن قلاوون الذي حكم مصر بدءا من عام1293 م وحتي وفاته عام1341م حيث تكرر صعوده والإطاحة به من العرش3 مرات!وكان في كل مرة يطاح به ويسجن بالقلعة ثم يعود ليتولي الحكم مجددا بعد الإنتقام ممن تخلوا عنه. وبالتالي لم يأت ابنه السلطان حسن( صاحب المسجد الشهير الذي يحمل اسمه)بالجديد عندما تولي الحكم عام1347 ثم اطيح به مرتين قبل ان يستقر سلطانه.وفي كل مرة كان يعود لينتقم ويقتل ويسجن كل من تآمروا عليه الي ان تم حسم الأمر عندما قرر الأمراء المماليك قتله مباشرة دون سجنه لتلافي عودته للحكم من جديد!! وعلي المستوي العالمي يذكر ان القائد العسكري والإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت كان من ابرز العائدين الي الحكم بعد السجن والنفي.فقد حكم فرنسا للمرة الأولي مايقرب من10 سنوات(مايو1804 وحتي ابريل1814) قبل ان يتلقي هزيمة عسكرية مدمرة عند لايبزيج.اسفرت الهزيمة عن سقوط العاصمة الفرنسية باريس وتمرد الجند علي نابليون الذي تخلي عن السلطة فتم اعتقاله ونفيه الي جزيرة إلبا. ولكن وقبل مرور عام قرر نابليون الفرار من منفاه عائدا الي فرنسا واطاح بالملك لويس الثامن عشر ليعود الي الحكم بالقوة.وبعد توليه الحكم لمدة100 يوم فقط نجح الحلفاء في هزيمته بمعركة ووترلو ليعود الملك لويس الي الحكم ويتم اعتقال نابليون مجددا.وفي تلك المرة قرر البريطانيون نفيه الي جزيرة سانت هيلانه حيث مكث هناك الي ان وافته المنية. وهناك محمد رضا بهلوي شاه ايران الذي حكم ايران منذ عام1941 ونتيجة صدامه مع رئيس وزرائه مصدق اتخذ قرار بشن انقلاب عسكري للإطاحة بالأخير في عام1953 الا ان شعبية مصدق ادت الي فشل الإنقلاب فما كان من الشاه الا ان فر خارج البلاد قبل اعتقاله. ولكن ونتيجة تدخل المخابرات الأمريكية تم تنظيم مظاهرات مؤيدة للشاه في العاصمة طهران ولم تمر سوي ايام الا وشاه ايران قد عاد الي البلاد لينتقم من مصدق وكل اتباعه.واستمر الشاه في حكمه الي ان اطاحت به الثورة الإيرانية عام.1979 وفي الأرجنتين كان هناك خوان بيرون الذي حكم البلاد لفترتين رئاسيتين من عام1946 وحتي عام1955 قبل ان يطاح به في انقلاب عسكري ناجح جاء مسبوقا بعدة محاولات لقتله.وعلي الرغم من فرار بيرون الي خارج البلاد فإنه نجح في الإبقاء علي شعبيته بين الجماهير خاصة وانه حقق عدد من الإنجازات لبلاده وكانت زوجته ايفيتا ذات شعبية طاغية بين الفقراء.وفي عام1973 عاد الي البلاد ليفوز بالإنتخابات الرئاسية. وفي الهند كانت هناك رئيسة الوزراء الشهيرة انديرا غاندي التي حكمت بلادها كرئيسة للوزراء منذ عام1966 وحتي عام1977 ثم اطيح بها في الإنتخابات وتم القبض عليها والتحقيق معها في قضايا فساد الا انها نجحت في اثبات عدم وجود ادلة علي فسادها لتستكمل مسيرتها وتعود الي الحكم في عام1980 قبل ان يتم اغتيالها عام1984 نتيجة احداث عنف طائفية. وفي باكستان حيث بيناظير بوتو رئيسة الوزراء الراحلة( حكمت فترتين منذ عام1988 حتي عام1990 ومن1993 وحتي عام1996) وزوجها آصف زرداري الذي تولي رئاسة باكستان عقب إغتيالها.تعرض الزوجين لسلسة من الإتهامات بل وتعرض زرداري للسجن قبل ان يفرج عنه ليصبح رئيسا للبلاد. فقد اطيح ببوتو عام1990 نتيجة اتهامات بالفساد ونجت من السجن وفي المرة الثانية تمت الإطاحة بها نتيجة توجيه اتهامات جديدة بالفساد فتوجهت لتعيش في منفاها الإختياري بدبي قبل ان تعود للبلاد في عام2007 في محاولة للعودة للسطلة للمرة الثالثة الا ان تفجيرا ارهابيا اودي بحياتها.ومن الغريب ان بوتو ابنة رئيس الوزراء ذوالفقار علي بوتو الذي اعدم عام1979 تعرضت للسجن7 مرات خلال العامين اللذين تليا اعدام والدها! وفي الولاياتالمتحدة تم القاء القبض علي فرانكلين بيرس الرئيس ال14(1853-1857) اثناء رئاسته للبلاد وذلك بعد اتهامه بدهس سيدة عجوز بجواده الا ان القضية تم حفظهالعدم كفاية الأدلة! اما الرئيس والقائد العسكري اللامع حيرام اوليزس جرانت الذي تولي رئاسة الولاياتالمتحدة من عام1869 وحتي1877 فقد تم القاء القبض عليه اثناء رئاسته للبلاد وذلك نتيجة انتهاك قوانين المرور عندما قاد عربة جياده بسرعة كبيرة داخل العاصمة واشنطن ولكنه لم يسجن لانه سدد قيمة المخالفة التي قدرت ب20 دولارا! واستمر جرانت في اداء مهامه بعد ان اثبت التزامه بالقوانين والنظام. وهكذا فإن إمكانية عودة الرؤساء والزعماء الي السلطة بعد النفي او الإعتقال اوالسجن امر وارد.ولكن التاريخ يقول بأن تلك العودة لا تحدث الا في ظل توفر عدة عناصر ابرزها:وجود انجازات تكفل للعائد مبررا للقبول بعودته.وامتلاك جماهيرية هائلة علي المستوي الشعبي وعلي مستوي الجيش لتوفير الأمان اللازم للعائد..ومن الصعب ان تأتي تلك الجماهيرية في ظل الأمر بقتل الشعبوقصفه بالصواريخ اواظهار الإحتقار ووصفه بالجرذان. [email protected]