يعد الدكتور محمود جبريل رئيس المجلس التنفيذي للمجلس الوطني الإنتقالي أحد أبرز الوجوه التي عرفها العالم الخارجي للمجلس الإنتقالي الذي تشكل منذ بدايات الثورة الليبية كمعبر شرعي وحيد عنها, ولطالما جاهد جبريل ورفاقه ليس فقط لإسقاط نظام حكم القذافي الذي يعد الأطول في العالم, وإنما أيضا لإقناع المجتمع الدولي وخاصة الدول الغربية بإستحقاقه الدعم, وطمأنة مخاوفهم بشأن العناصر المتشددة في صفوف الثوار, وإمكانية تأثيرها علي صياغة الأوضاع في ليبيا مابعد القذافي. وقد حرص' الأهرام' علي لقاء الرجل في أول زيارة له لمصر بعد أن أصبحت الثورة الليبية قاب قوسين أو أدني من تحقيق النصر الشامل, وبعد أن سيطرت علي العاصمة طرابلس, وحازت علي اعتراف دولي واسع, من بينه الإعتراف المصري بها, وقد أقر الرجل خلال اللقاء معه بأن الثورة الليبية لازالت تواجه صعوبات كبيرة, وتسعي بكل مثابرة وعزيمة للتغلب عليها, لتشكيل معالم جديدة لبلد قال إن القذافي ببساطة طمس شخصيتها وتقاليدها وتاريخها, ودعا مصر للدخول بكل ثقلها في ليبيا اليوم للمساهمة في تشكيل ملامح مستقبلها. حديث جبريل لم يتوقف علي عالم السياسة والحدود والاقتصاد فقط, وكان حريا باكبر مسئول سياسي في المجلس الانتقالي ان يتطرق الي رؤيته الاستراتيجية لمستقبل المثلث الجديد من وجهة نظره, وهو مثلث تونس وليبيا ومصر.. علي ان يقود هذا المستقبل قوي من شباب الدول الثلاث, هذا الشباب الذي اخذ علي عاتقه تفجير الثورة في مصر وتونس يستحق ان يفرض نفسه علي الساحة السياسية..وفيما يلي نص الحوار: ما هي أولوياتكم في المرحلة الحالية ؟ أعتقد أن معمر القذافي قدم طيلة ال42 عاما الماضية صورة سيئة للغاية للشخصية الليبية, وسيكون هناك دور حقيقي لأي نظام قادم أن يقدم الشخصية الليبية من جديد وأن يعيد بناء هذه العلاقات بما يمكن أن يسهم في مستقبل مشرق للشعب الليبي. هل طمس القذافي الشخصية الليبية برأيك؟ نعم.. إلي حد كبير نجح القذافي في إختصار ليبيا في نفسه, سكانها وتقاليدها وتاريخها وجغرافيتها وشخصيتها, وكان لسان حاله' أنا الدولة' كما كان يقول قيصر. وهل يمثل عدم العثور علي القذافي حتي الآن هاجسا لكم ؟ نعم, يمثل هاجسا من ناحية أن هذا الرجل لن يتورع عن القيام بأي فعل لتدمير ما تبقي من مقدرات ليبيا, وقد قام يوم الجمعة الماضي بقصف4 طائرات مدنية علي مدرج مطار طرابلس, وكان يقصف مصافي النفط وحقول البترول, وقطع مؤخرا المياه عن طرابلس, وهي تعيش الآن بدون مياه, وضرب المدنيين في مصراته والجبل الغربي بقنابل اليورانيوم في الشهور الثلاثة الأخيرة, وهي قنابل محرمة دوليا لأن الآثار الصحية لهذه القنابل تمتد لعشرات السنين,وعندما وصل لمؤشرات تدل علي هزيمته عسكريا بدأ يلجأ لاستخدام أنواع من الأسلحة محرمة دوليا. إلي أي شيء كان يهدف ؟ كان يريد أن يصل أي نظام قادم في ليبيا إلي مرحلة يكون فيها غير قادر علي بناء البلاد, وبالتالي يندم الليبيون علي أيام معمر القذافي. مرحلة المواجهات الحاسمة ضد القذافي هل وصلتم إلي المرحلة الحاسمة في المواجهات مع كتائب القذافي ؟.. وهل تمثل سرت وسبها وباقي مدن الجنوب الليبي عقبات كبيرة أمامكم ؟ المعركة الأخيرة للثوار تتكون من مرحلتين, المرحلة الأولي إستكمال تحرير باقي الأراضي الليبية.. و هناك الآن مفاوضات مع الزعماء والقيادات الاجتماعية لهذه المدن لإعطاء ولائها للمجلس الإنتقالي وتسليم سلاحها, من أجل حقن الدماء, ونحن الآن في المرحلة الاولي وهي مرحلة التفاوض, وأرجو أن نصل إلي حل سلمي بحيث يستكمل تحرير كامل التراب الليبي. أما المرحلة الثانية في معركتنا الأخيرة, هي معركة ضمان أمن وإستقرار ليبيا, خاصة وهناك أسلحة في الشوارع لابد من تجميعها, وتشكيلات لابد من إدماجها في جيش وطني وجهاز شرطة, وسنشرع في إجراءات تأسيس جيش وطني وشرطة مدنية جديدة, والكل يعلم الحالة المزرية التي كان عليها الجيش الليبي منذ ألثمانينات, فكل كتائبه كانت لحماية النظام فقط, فهو ألغي الأمن والجيش وأنشأ القذافي مايسمي بالشعب المسلح الذي يحمي نفسه بنفسه, فقد كان يخشي الجيش ويخشي من أي إنقلاب ضده, وبالتالي قام بحل المؤسسة العسكرية والجيش, ولهذا يتعين علينا بناء جيش وطني, إحترافي مؤهل يمتلك أساليب العصر والتقنية اللازمة بمايتناسب مع حجم السكان, وبما يتناسب مع نظرتنا للأمن القومي, والأمن والإستقرار بالنسبة لنا أولوية مطلقة, ولابد بعدهما من البدء فيما يعرف بإجراءات العدل الإنتقالي, فلابد من أن تبدأ المحاكم في العمل لإرجاع الحقوق للناس, وإلا سيكون هناك إنفلات أمني, لأن ليبيا علي مدي42 سنة كانت هناك ثغرات كثيرة جدا, هناك أناس صودرت أموالهم أواغتصبت وأناس انتهكت أعراضهم وآخرين شنقوا أو سجنوا ظلما, وكل هذه ثغرات معلقة, وأنا في الحقيقة فخور جدا بأنه بسقوط طرابلس لم تتحول إلي غابة بشكل فوري, فالثوار أثبتوا أنهم علي قدر عال من المسئولية, فنحن قبل معركة تحرير طرابلس بيوم كنا نتلقي إتصالات من كل دول العالم, والليبيون في كل مكان وغيرهم في غاية الفزع والرعب لايعرفون ماذا سيحدث, يخشون أن تحدث مأساة حقيقية بسقوط النظام, وأن يتحول الليبيون إلي تقتيل بعضهم بعضا, خصوصا أن التشكيلات كثيرة جدا ومسلحة, وكان هناك مرتزقة, ولايزال هناك الكثير من القناصة, فالحمد لله أن الليبيين أثبتوا أنهم علي درجة كبيرة جدا من الوعي والإلتزام والمسئولية, ولم يحدث إلا حوادث بسيطة جدا, وتعرضت سفارة أو سفارتان للإعتداء, بسبب نظرة الليبيين لسياسات هاتين الدولتين. ابطال الثورة هذا عن الهاجس الأمني, وماذا بشأن الهاجس الإقتصادي ؟ نحن نبدأ الآن في إجراءات تشكيل الحكومة الإنتقالية, وهذه الحكومة ستكون مثل' سيارة بدون بنزين', وستكون حكومة فاقدة الفاعلية, إن لم نحصل علي الأموال الليبية المجمدة في أسرع وقت ممكن للبدء في تقديم الخدمات للناس, وهذا الأمر مهم للغاية, وهذا لسبب بسيط, لأن الثوار الذين كانوا يحاربون سيعودون, وستكون لديهم توقعات مرتفعة, ومنهم من لم يحصل علي مرتبه من6 أشهر, والعاطل عن العمل الذي يتوقع أن يجد وظيفة بمجرد رجوعه, وكل منهم يبحث عن إعتراف رسمي من المجتمع بأنه بطل, وإذا لم يحدث ذلك ستكون مشكلة كبيرة, تخيل لو أن هذا الموضوع حدث مع أبطال حرب أكتوبر, لشعروا بجحود ونكران للجميل, وهذا سيدخل الثوار العائدين في مشكلات نفسية, إذ كيف ينسي المجتمع مافعلوه وماقدموه, وعملية إعادة تأهيل المنتصر تكاد تكون أكثر صعوبة من تأهيل الخاسر, فالخاسر طرقه معروفة, لكن المنتصر لكي تعيد تأهيله ليعود مواطنا طبيعيا مرة أخري أمر صعب لأنه سيعود بتوقعات كبيرة جدا. وماذا عن بقية المواطنين الليبيين ؟ أحوالهم كانت صعبة للغاية طيلة الأشهر الماضية ولازالت, لايوجد طعام, والدمار الشامل الذي حل بهم, لم يكن هناك تعليم العام الماضي, والصحة وحالة المصابين, ومن فقدوا أطرافهم, وهناك أيضا توقعات كبيرة منهم جميعا, والقذافي انتهي, ولابد أن ندخل في مرحلة إسمها إدارة التوقعات, أي كيف تدير هذه التوقعات, ولن تنجح في ذلك ما لم تكن لديك الموارد الكافية, فالحصول بسرعة فلكية علي هذه الأموال, يعتبر بالنسبة لنا أمرا ذا أولوية قصوي, وإذا لم يحدث ذلك سيفقد المجلس الإنتقالي شرعيته. البيروقراطية الدولية لكن المؤتمرات والإجتماعات العديدة التي تعقد من أجل ليبيا في عدد من العواصم الإقليمية والدولية قررت الدفع بعدد من المليارات الليبية المجمدة للمجلس الإنتقالي ؟ الكلام شيء, والتنفيذ شيء آخر, فرئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني قال سنفرج فورا عن350 مليون يورو, وتركيا أعطت قرضا ب200 مليون, وقدمت مائة أخري منحة, والولايات المتحدة قدمت مقترحا للجنة العقوبات بمجلس الأمن بمليار ونصف المليار دولار, وتم الموافقة عليها, لكن لتنفيذ ذلك والحصول علي الأموال المطلوبة ندخل في دائرة بيروقراطية ومجموعة من الخطوات الطويلة, لأن الدول الأوروبية تري أنه يجب تنفيذ القانون بحذافيره بغض النظر عن الأزمة التي نعاني منها, وأنا أخشي من عامل الوقت, والمجلس الوطني الإنتقالي أسس شرعيته في الستة أشهر الماضية علي حقيقة واحدة, وهي نضاله ضد حكم القذافي, والآن إنتهي هذا الحكم, فعلي أي شيء يؤسس شرعيته, إن لم يكن قادرا علي قدرته علي توصيل الخدمات للناس, ولوفشل ذلك سيفقد شرعيته بالكامل, و سيقع ما يخشي منه الغرب والعالم كله, وهو حدوث عملية فراغ سياسي وحدوث فوضي حقيقية, الدول الغربية تحذرنا دائما من عدم الإستقرار والإنفلات, ورغم ذلك قد تساهم هي بشكل مباشر وواضح في إحداث هذا الإنفلات, وينبغي علي كل الدول التي جمدت الأصول الليبية أن تعي أن كل يوم تأخير في الإفراج عنها يعني فقدان المجلس الوطني الإنتقالي لشرعيته, وإذا إنهارت هذه الشرعية ستتحول العملية إلي عدم استقرار. هل أبلغتم ذلك للغرب بشكل واضح ؟ نعم في جولتي الأوروبية الأخيرة كنت أصرخ وأحذر بشكل واضح لتحذير هذه الدول لكي تنتبه أن كل يوم تأخير لهذه الأموال هو تدمير لشرعية المجلس الوطني الإنتقالي, وأنه من الممكن إذا تأخروا في الإفراج عن الأموال أن تكون الساعة التي سيفرجون فيها عنها لن يجدوا المجلس الوطني الإنتقالي. الكعكة الليبية تتسابق الآن جميع الأطراف علي الفوز بالإستثمار في الكعكة الليبية بعد الثورة..هل ستكون الأولوية للدول الغربية ؟ فترة ال42 عاما الماضية كان فيها نوع من الإدارة الخاضعة للأهواء الشخصية للبلد, وحالات الفساد وصلت إلي مستويات قياسية لم تشهدها ليبيا ولا المنطقة في السابق, وآن الأوان الآن أن تختلف هذه الأوضاع, وليبيا مليئة بالكفاءات, وهذه ليست مبالغة, كفاءات بعضها مهاجر وبعضها داخل ليبيا, وإذا تكلمت عن الكفاءات المهاجرة, في بريطانيا وحدها2700 طبيب ليبي, وأعداد كبيرة جدا من هذه الكفاءات في مختلف التخصصات في كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وغيرها, وهي كفاءات مؤهلة تأهيلا عاليا جدا, من منظور' رب ضارة نافعة', فهؤلاء الليبيين لم يطيقوا حكم القذافي فخرجوا من ليبيا, ونجحوا في الخارج رغم ظروفهم الصعبة, وأصبحوا يتبوأون مراكز قيادية في مؤسسات عالمية, سأضرب لكم مثلا الخطوط القطرية يوجد فيها أكثر من45 طيار, منهم38 طيارا من الليبيين, وأعداد كبيرة من الطيارين الليبيين توجد أيضا في الطيران الإماراتي والعماني والباكستاني والمغربي, ومثلهم مهندسو البترول وغيرها من التخصصات المهمة, وكل هؤلاء فروا و'طفشوا' من ليبيا بسبب سياسات القذافي الطاردة للعقول الليبية, ولدينا قيادات ليبية في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وفي العديد من المؤسسات الدولية, وهؤلاء حينما ستتاح لهم الفرصة سيعودون ليضعوا خبراتهم في خدمة البلد, أي أننا في ليبيا نملك العنصر البشري المؤهل والموارد المالية, وماينقصنا هو الرؤية التنموية الحقيقية والإرادة السياسية الصلبة لإستكمال أضلاع المثلث لإحداث تنمية حقيقية تعوض ال42 عاما الماضية, وإلا سيكون دم الشهداء قد ضاع هدرا, وبلا ثمن أو فائدة. مصر تحمي ثورتنا وقوة اضافية لنا قابلت المشير محمد حسين طنطاوي ووزير الخارجية محمد كامل عمرو... كيف سيكون شكل التعاون مع مصر في المرحلة المقبلة؟ قابلت المشير طنطاوي لأؤكد بضعة أمور, أولها أن العلاقة بين مصر وليبيا ليست علاقة إختيار, بل هي علاقة ضرورة حتمتها قوانين الجغرافيا والتاريخ والعلاقات الإجتماعية, فلايوجد ليبي أو مصري له الخيرة من أمره في أن يكون هناك علاقة بين البلدين أو لا تكون, وبالتالي الأمن القومي لأي من البلدين هو الأمن القومي المتكامل للبلدين, وثانيا نحن في ليبيا نريد من مصر أن تدخل في الفترة القليلة القادمة, و أن تدخل علي المشهدين السياسي والإقتصادي في ليبيا وتتواجد بقوة, واليوم نتكلم عن قوات شرطة دولية لحفظ الأمن في شوارع طرابلس ومراكز الشرطة وتدريب الشرطة الليبية, لوحدث هذا الأمر فمن المفروض أن تكون مصر والدول العربية هي العمود الفقري لهذه القوات, ولايكون' الخواجات' موجودين, وأقول أنه كلما كان هناك تواجد عربي وإسلامي قوي, سنكون نحن كليبيين يكون لدينا قوة تفاوضية أكبر, خلافا للأمر حينما نترك وحدنا, ثم يأتي بعد ذلك من العرب والمسلمين يلوموننا, ونحن نطلب منهم ألا يتركونا, لأنه من الخطأ تفاوضيا أن تترك ليبيا وحدها في هذه الظروف. كيف كان تقييمكم للموقف المصري تجاه الثورة الليبية ؟ نعلم ان مصر كانت تمر بظروف عدم إستقرار لذلك كان هناك نوع من التروي في مساندة ليبيا علي المستوي الرسمي, أما شباب الثورة المصرية فقد كانوا قلبا وقالبا مع الثوار الليبيين, ومع تقديرنا لظروف مصر, فإنني أري أنه لاقدر الله وفشلت الثورة الليبية, فإن الثورة المصرية كانت ستفشل وكذلك الثورة التونسية, وهذا أمر مؤكد تماما, فليبيا كانت تعد دوما منطقة عازلة مابين كتلتين سكانيتين, هكذا رأتها الدول الغربية والولايات المتحدة, وكانوا يعتبرون أن التيارات الإسلامية قوية جدا في مصر, وقوية جدا في الجزائر, وكان فائدة القذافي بالنسبة للغرب أنه منطقة عازلة حتي لاتلتقي الكتلتان. وهل مازال الغرب يخشي العناصر والتيار الإسلامي المتشدد داخل الثورة الليبية ؟ الغرب اليوم يخشي من فشل أو انحراف الثورة عن مسارها, ودخول تيارات متطرفة إليها, ويري أن هذا سيضر بالدول الثلاث, وسيعمل علي تلاحم التيارات الإسلامية في كل من مصر والجزائر, وسيكون بمثابة جسر بينهما. خلايا القاعدة القذافي كان يهدد الغرب بأن البديل له في حال سقوط حكمه هو' القاعدة'.. هل لها تواجد فعلي في ليبيا ؟ وجود خلايا لتنظيم القاعدة في ليبيا غير صحيح, الحقيقة أنه يوجد أفراد من الجماعة الليبية المقاتلة, وهؤلاء كانوا في أفغانستان, ودخلوا السجون الليبية عقب عودتهم من هناك, وبعض الشخصيات الليبية قامت بجهود للمصالحة مع نظام القذافي الذي قام بالإفراج عنهم, عند قيام الثورة إنضموا إليها وقاتلوا النظام, وهؤلاء لهم الحق في المشاركة في الثورة وإسقاط النظام, لكن بعد سقوط النظام من المفترض أن يتم تجميع كل هذه الأسلحة في جيش وطني وجهاز شرطة. أشد ما يخشي علي الثورة الليبية منه الآن هي أن يتحول التباين الموجود داخل فصائلها وتياراتها إلي خلافات عميقة أو صراعات تتسبب في فشلها ؟ التباين مطلوب, ويكون فيه غني, ولا خوف طالما وجدت معايير لإدارة هذا الخلاف فلن تكون هناك مشكلة, وما الفاشية والديكتاتورية إلا الرأي الواحد, والتباين مطلوب طالما هو في إطار المصلحة, وطالما نحتكم في النهاية إلي الأغلبية, والجميع يمتثل لذلك, واليوم لابد أن نتفق علي بناء مؤسسات سياسية بناء علي أسس ديمقراطية, ودستور, ودولة مدنية, والمساواة بين الرجل والمرأة, ومراعاة لحقوق الإنسان. ألن تكون هناك صعوبة في تحقيق ذلك ؟ بالطبع, وربما نتخبط بعض الشيء, ومتوقع أن نخطيء, ونقع ثم ننهض, ثم نقع مرة أخري وننهض ثانية, وطالما أن هناك قناعة بالطريق الذي نسير فيه, والذي أسميناه' خارطة الطريق' سنصل في النهاية. كان مقتل القائد العسكري للثورة عبد الفتاح يونس أكبر ضربة وجهت لمصداقية المجلس الإنتقالي.. إلي أين وصلت التحقيقات بشأنها ؟ التحقيق الإداري إنتهي, وما يهمنا هو التحقيق الجنائي, حيث تم القبض علي القاتل, وهناك شريكين معه في الجريمة, ومازال البحث جار عنهما, ولذا لم يستكمل التحقيق بعد, لأننا نريد أن نعرف هل تصرف هؤلاء الثلاثة بدافع فردي, للإنتقام من عبد الفتاح يونس, أم تصرفوا كجزء من منظمة ويمثلون تنظيما, ومن بالتالي من يقف وراء هذا التنظيم, وهذا هو المهم في هذه القصة, وما وعدنا به أصدقاءنا وشعبنا أن نعلن نتائج هذا التحقيق بشفافية علي الرأي العام بمجرد صدوره, أيا كان من يقف وراء مقتل عبد الفتاح يونس. كيف تقيمون مباحثاتكم مع د. عصام شرف رئيس مجلس الوزراء؟ النقطة التي أثرتها اليوم مع رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف وسأثيرها مع الإخوة في تونس هو أنني وجهت نداء حارا لإقامة حوار بين شباب الثورة في الدول الثلاث, وهو أمر أراه في منتهي الأهمية, فالأجسام التي تحكم في الدول الثلاث هي أجسام إنتقالية تحكم بصورة مؤقتة,ودورنا الحقيقي أن نسعي من الآن لحوار بين هؤلاء الشباب من الثورات الثلاث, لتشجيعهم علي خلق قيادات خاصة بهم, وعلي تأسيس تنظيمات تتكلم بإسمهم, حتي نقطع الطريق علي كل التيارات الأخري التي تريد أن تصعد علي أكتافهم, ولخلق لغة ورؤية مشتركة بينهم, وهم الذين سيحكمون بلدانهم في المستقبل. وفي ليبيا كنا محظوظين أن أنشأنا من البداية المجلس الوطني الإنتقالي فقاد حركة الثورة, وفي مصر الشباب هم الذين إنتفضوا لكن لم يكن هناك مجلسا يتكلم بإسم هؤلاء الشباب, والوضع في تونس كان مشابها لمصر, ولذا الشباب لا يجدون مايعبر عنهم في مصر إلا ميدان التحرير أو الشارع, ولايجدون للأسف أجسادا قيادية تعبر عنهم, وبالتالي حتي المجلس العسكري في مصر أو الحكومة لا تجد جهة واحدة تعبر عن مصالح الشباب, وطالما الشباب هم أصحاب الثورة, لكن سياسيا هم غير ممثلين, فإن هذه الفراغات تملؤها القوي الأخري, ومع إحترامي لهذه القوي الأخري فإنها تتواجد في الساحة منذ أكثر من قرن من الزمان, من قبل الحرب العالمية الثانية, ولو كانت تستطيع أن تقدم شيئا لفعلت, لكنها تعاني إفلاسا مركبا مطلقا, فقضيتنا قضية معرفية, والأيدولوجيا من وجهة نظري لن تحلها, فالأيدولوجيا تحل قضية كيف توزع الثروة, لكن كيف تصنع الثورة هو سؤال معرفي, ولذا أري أنا مانحتاجه هو المعرفة أولا وثانيا وثالثا, وأعتقد أن الشباب أكثر دراية بخطاب العالم الجديد, وأكثر قدرة علي التخاطب معه, وأكثر قدرة علي إمتلاك مهارات العصر, وبالتالي عندما خرجت بعض الشخصيات تحلل الثورات العربية, مع إحترامي لهم رأيت أن تحليلهم لايمت للواقع الجديد بصلة, فهي ظاهرة جديدة تحتاج إلي أدوات جديدة, ولاتصلح معها أدوات الخمسين عاما الماضية, فنحن نحلل ظاهرة جديدة غير مسبوقة, والثورات الجديدة في العالم العربي اليوم ليست هي ثورة يوليو1952 أو الإنقلاب الذي حدث في ليبيا أو سوريا, فنحن إزاء نظام قيمي جديد, فشباب ميدان التحرير كانوا علي بعد خطوات من السفارة الأمريكية, ولم يذهب إليها أحدهم ولم يذكروها علي الإطلاق, خلافا لما كان عليه وضع جيلنا الذي كان يهتف في السبعينات في الشوارع ضد الإمبريالية وإسرائيل, وبالتالي فنحن نحتاج إلي أدوات جديدة لفهم هؤلاء الشباب حتي لانظلمهم, وحتي لا ندمر أطهر ظاهرة ونضعها في إطار نظرية المؤامرة, أو ننسبهم للقاعدة أو أي ظاهرة أخري كما ذهب بعض الكتاب, وما أحب أن أؤكد عليه أن هذه الظاهرة هي ظاهرة جديدة, وآن الأوان للكتاب والمثقفين والمفكرين في عالمنا العربي أن يخرجوا خارج الصندوق, وهم ينظرون إلي هذه الظاهرة التي تعد جديدة, والآن الحكم عليها بأدوات مفلسة, سيوصلنا إلي نتائج خاطئة. وما رأيكم في موقف الإتحاد الأفريقي الذي يرفض الإعتراف بكم طالما استمر القتال ويدعو لتشكيل حكومة انتقالية تضم المجلس الإنتقالي ومسئولين سابقين حسبما أعلن الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما ؟ أولا نحن قدمنا في مؤتمر مجموعة الإتصال الدولية بالدوحة خريطة طريق, تؤكد بالحرف الواحد أن الحكومة الإنتقالية بعد سقوط النظام سيتم تشكيلها من بعض عناصر من النظام السابق والمجلس الوطني الإنتقالي بشرط أن يكون من سينضمون من النظام السابق من التكنوقراط وألا تكون ايديهم ملوثة بالدماء, وألا يكونوا سرقوا أموال الليبيين أو عذبوهم, وقلنا حتي نضمن الإستقرار يمكن أن يكون هناك ضباط أمن من النظام السابق, وقد حدث ذلك بالفعل فالغرفة الأمنية التي تم تشكيلها مؤخرا تتكون من ضباط قدامي من كل الرتب. لماذا ؟ لأننا لا نريد أن يتكرر ما حدث في العراق, وهناك منهجين في كيفية إعادة الإستقرار, أولهما منهج الإستئصال كما حدث في العراق, والذي تم بموجبه إستئصال كل من كان له صلة بالنظام والذي أدي في النهاية إلي الفوضي, وهناك منهج الإحتواء وهو أن تحتوي الكادر الموجود حتي تستطيع أن تبني كوادرك, وما أريد أن أقوله أن خريطة الطريق التي طرحها المجلس الإنتقالي أكدت علي ضرورة إشراك رموز من النظام السابق في الحكومة الإنتقالية, لكننا في ذات الوقت نعتبر أن هذا أمرا سياديا لاينبغي أن يتدخل فيه أي أحد, وجنوب أفريقيا هي التي كانت وراء هذا القرار, ولايمكن لأي قوة علي وجه الأرض أن تفرض علينا شيئا. وماهي دوافع جنوب أفريقيا لذلك ؟ دوافعها هي علاقتها الخاصة بالقذافي. هل هي الإستثمارات الليبية والمنافع الإقتصادية ؟ لدينا إستثمارات في كل الدول الأفريقية, في أكثر من40 دولة أفريقية, ولكن جنوب أفريقيا تتصرف هكذا لأسباب خاصة بها, ولا أريد أن أخوض فيها, ويمكن أن تسأل عنها هي, لكن ما أريد أن أقوله أن هذه سابقة خطيرة في العلاقات الأفريقية الأفريقية, ومن المفروض أن يتوقف الإتحاد الأفريقي عند هذا الحد, ولو سمح بهذا الطلب سيكون سابقة خطيرة في العلاقات الأفريقية, فلا يجوز أن يتم الإشتراط للإعتراف بدولة معينة أن تقوم بتشكيل حكومتها وفقا لرغبة دولة أخري, حتي عهد الوصاية انتهي. سابقة خطيرة هل تطالب الإتحاد الأفريقي بالإعتراف بالثورة التي تعبر عن إرادة الشعب الليبي ؟ هذا شيء يعود لهم, والثورة الليبية انتصرت والحمد لله, ولكننا كنا نتمني أن يكون إخوتنا الأفارقة أول من يمدوا أياديهم لإنقاذ الشعب الليبي وإدانة المذابح التي ارتكبها القذافي بحقه, ولكن هذا لم يحدث للأسف, منذ يوم17 فبراير و حتي19 مارس, فمنذ بداية مذابح القذافي إلي أن تدخل التحالف الدولي بقرار من مجلس الأمن كانت الجرائم ترتكب ليل نهار بحق الشعب الليبي والدم يسيل أنهارا في شوارع ليبيا, ولم يصدر بيان إدانة واحد, كيف نفسر ذلك. اتهامكم للقذافي بالإستعانة بمرتزقة من الدول الأفريقية ثم الموقف الأفريقي الأخير تجاهكم, هل يؤثر ذلك علي موقفكم من القارة التي توجه إليها القذافي بقوة ؟ للأسف أيضا أنهم لم يدينوا إستعانة القذافي بمرتزقة,وكان من المفترض أن يفعلوا ذلك, لأن هذه سابقة خطيرة تسمم العلاقات الأفريقية. مامدي صحة المعلومات التي تحدثت عن فرار القذافي وعائلته إلي الجزائر ؟ ليس لدينا شيئا مؤكدا حول ذلك, لكننا نحاول أن نجمع أكبر قدر من المعلومات عن مكان إختفائه, وشكلنا فرقا للإستطلاع وجمع المعلومات. وماذا عن العلاقات مع الجزائر ؟ في النهاية العلاقات الليبية- الجزائرية علاقات تاريخية, ومن الضروري تجاوز ما حدث في الستة أشهر الماضية, ومن أخطأ فيها ومن أصاب وكل هذه القصص, أنا أعتقد أنه من مصلحة الشعبين الجزائري والليبي أن ننظر للمستقبل, ونبني علاقة ممتازة بين الشعوب. وهل سيسري ذلك المنهج علي الدول الأفريقية المجاورة لكم وغيرها...هل ستفتحون معها صفحة جديدة ؟ سنؤسس علاقاتنا مع جميع الدول علي أساس الإحترام والمصالح المتبادلين, وهناك علاقات إستراتيجية مع بعض الدول, لا ينبغي تتحكم فيها نزوات عابرة هنا أو هناك, وهناك دول أخري بالنسبة لنا هي دول هامشية. جماعات حقوق الإنسان ناشدت المجلس الإنتقالي وأيضا ماتبقي من كتائب القذافي الكف عن إنتهاكات وصفوها بالواسعة لحقوق الإنسان... ماهو موقفكم من ذلك ؟ نحن نحقق في أي إنتهاك لحقوق الإنسان, وشكلنا لجانا من أجل ذلك, وعندما يثبت أن هناك مدانون يقدمون للمحاكمة. نعلم أن لك علاقة خاصة جدا بمصر ؟ نعم ففيها تعلمت وعملت بها فترة طويلة جدا, وتزوجت منها سابقا, فمصر هي جزء من تكويني بحق.