عندما حفظت القرآن الكريم كنت في التاسعة من عمري.. وأنا لا أعرف معني كلمة واحدة مما أقول.. وانتقلت من القرآن الكريم الي قصائد المتصوفين والي مدائح الرسول.. فحفظت( البردة) للبوصيري.. وأنا لم أسمع بشوقي أمير الشعراء.. ولا أعرف قصيدته( نهج البردة) إلا بعد عشرات السنين.. وقرأت مئات الروايات المترجمة في سلسلة( كتاب الجيب) ولم أقرأ رواية عربية واحدة.. ولا عرفت ان هناك روايات عربية.. عرفت تولستوي ودستوفسكي وبوست وشيلي ودكنز وبلزاك.. قبل أن أعرف أسماء الأدباء المصريين.. وكنت في الثانية عشرة من عمري! هل كنت أعي ما أقرأه ؟ لا أعرف.. ولكني أقرأ واستمتع وأطلب المزيد. وعرفت الفيلسوف الألماني اوزفالد اشبنجلر فيلسوف الحضارة الغربية وقرأت ماكتبه استاذنا عبد الرحمن بدوي عنه.. قبل أن أقرأ سطرا واحدا للمؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي. وقرأت للمؤرخ الانجليزي توينبي قبل أن أقرأ لأستاذنا المؤرخ شفيق غبريال.. واستاذنا د. علي ابراهيم واستاذنا ابراهيم نصحي. وعبدالرحمن بدوي أستاذنا في الفلسفة قد قدم لنا عشرات الأسماء في الفلسفة والأدب والفن والموسيقي.. وفي زحمة هذه الأسماء الباهرة ضاع هو, فأختفت أسماء كثيرة لم نعرف أثرها وقدرها إلا بعد عشرات السنين! وقرأت للأديبة الوجودية سيمون دي بوفوار قبل ان اقرأ سطرا واحدا للآنسة مي زيادة أو حتي للخنساء.. وعندما قدمني الأستاذ احسان عبد القدوس علي أنني فيلسوف المستقبل وأديب الوجودية الشاب في سنة0591 لم أكن أقرأ لاحسان عبد القدوس إلا ماكتبه في السياسة.. ولم أقرأ له رواياته إلا بعد ذلك بسنوات! وعندما حفظت ديوان أغاني الكوخ للشاعر الرومانسي محمود حسن إسماعيل, لم أعرف مصطفي صادق الرافعي.. مع انهما من مدرسة واحدة.. هذا رومانسي في الشعر.. وذلك رومانسي في النثر! المزيد من أعمدة أنيس منصور