أولا: مشاكل العدالة في مصر: الوضع الراهن للعدالة ليس نتاجا للعملية الثورية الديمقراطية في25 يناير11 فبراير2011, وإنما يعود إلي طبيعة النظم الدستورية, والسياسية والقانونية: في مصر, والسياسية القضائية منذ تأسيس نظام يوليو التسلطي عام1952, والقيود المفروضة علي استقلال السلطة القضائية, خاصة تأثير السلطة التنفيذية وتغولها في مجال القضاء من خلال سياسة التأثير والترغيب والترهيب, من خلال المزايا الاجتماعية التي هي حق للقضاة من قبيل الخدمات والمكافآت والندب إلي الجهات التنفيذية أو التشريعية, بالإضافة إلي بطء إجراءات التقاضي والمحاكمات كنتاج لانفجار المنازعات الاجتماعية والاقتصادية. واستخدام نظامي السادات ومبارك للقضاء كآلية للتسويف السياسي وعدم حسم المنازعات السياسية الدقيقة ذوات الطبيعة الاستقطابية( مثال: الانتخابات/ قوانين ممارسة الحقوق السياسية غير الدستورية), وغياب نظم راقية للتدريب والتكوين القضائي. وتم تسييس القضاء, وانقسام الجماعة القضائية بين قوة تقليدية ومحافظة سياسية, وتذهب إلي استمرار تقاليد القضاء في ظل نظام يوليو, وعدم إثارة المنازعات ذات الطبيعة السياسية. في مواجهة تيار يري أن رأي القاضي في الحياة العامة, حق له شأن أي مواطن آخر طالما أنه لا يبدي وجهة نظر سياسية في قضية أو منازعة قانونية مطروحة أمامه. ثانيا: إدارة العدالة في مراحل الانتقال: العقبات الرئيسة 1 السيولة السياسية والغموض وعدم وضوح الأهداف السياسية والآليات أمام المواطنين, والقوي السياسية الفاعلة في البلاد بما يؤثر علي النظرة الجماهيرية إلي القضاء والقضاة والعدالة. 2 ازدواجية السلطة الانتقالية بين مجلس عسكري له اليد العليا وحكومة ضعيفة فاقدة للإرادة السياسية ووضوح الرؤية والقدرة علي صناعة القرار المستقل نسبيا عن المجلس. 3 التضاغط السياسي من خلال القوي السياسية المتنازعة في ظل ما يتردد عن بعض التفاهمات بين المجلس, وبعض الجماعات الإسلامية السياسية والسلفيين.. إلخ. 4 بعض القوي السياسية الإسلامية تطرح خطابا لجحد شرعية الدولة الحديثة, ومن بينها القوانين والمبادئ القضائية في مقابل نظام الشريعة, بقطع النظر عن عدم صوابية هذا الاتجاه علميا وشرعيا وتاريخيا. 5 الفجوات والفراغات الأمنية, وتأثيرها السلبي الخطير علي إدراك المواطنين شبه الجماعي إزاء مؤسسات العدالة وأعمالها القضائية وحيدتها ونزاهتها. 6 انتشار ظاهرة خروج عصب البلطجية ومعتادي الإجرام علي القانون, وفرض أساليب السيطرة, والسطو المسلح, والضرب والجرح, والشروع في القتل, بل والقتل, دون أن تمتد إليهم يد العدالة الجنائية, لغياب السيطرة الشرطية وسدها للفراغات الأمنية. 7 الهجوم الإعلامي المستمر علي الجماعة القضائية من داخلها ومن خارجها والمطالبة بضرورة تطهيرها من العناصر الموسومة بالفساد, أو بسبق علاقتها بنظام مبارك, أو إصدارها لأحكام ممالئة لتوجهات السلطة. 8 اعتداء بعض الجناة ومعتادي الإجرام والبلطجية علي المحاكم قبل25 يناير, وبعده أثناء انعقاد الجلسات أو عقبها, نظرا لأن الأحكام الصادرة في بعض القضايا الجنائية لا تروق لبعض ذوي المحكوم عليهم جنائيا. 9 قيام الأجهزة الإعلامية التلفازية( المرئية), والمكتوبة بإقامة محاكمات سياسية علي شاشاتها, وصفحاتها, وإصدار الأحكام علي المتهمين, علي نحو ما ظهر في محاكمات مبارك ونجليه والعادلي وبعضها يشكل مساسا بسير المحاكمة وإجراءاتها. 10 ظاهرة اللدد في الخصومة السياسية والاقتصادية واللجوء إلي الشكاوي المقدمة للنيابة العامة والنائب العام بحق أو بغير حق, وفي عديد من الحالات بلا مستندات أو معلومات دقيقة وموثقة, تسوغ هذه الشكاوي والاتهامات الحاملة لها, ومن ثم لا تصمد أمام الفحص القضائي ويقضي بالبراءة, وهو ما يثير حفيظة الرأي العام الثائر والمهتاج. 11 رغبة القوي الثائرة والرأي العام في مواجهة حاسمة مع قضايا الفساد الاقتصادي والسياسي علي نحو سريع ورادع, ومن خلال عقوبات مغلظة. 12 غياب ضمانات أمنية تسمح بإقامة العدالة في مرحلة الانتقال في القضايا السيادية( الجنائية والإدارية والمدنية والتجارية.. الخ), وهي التي تشعر المواطن العادي بأن ثمة حكم للقانون يحترم في البلاد. 13 إصدار الرأي العام للأحكام القضائية في الميادين والساحات العامة. هل العدالة الجنائية الانتقالية, هي الحل؟ اختيار سياسة العدالة الانتقالية(40 هيئة للحقيقة والمصالحة في الأنظمة المقارنة منذ عقد السبعينيات) قد يبدو لدي بعض رجال القانون والسياسة هي الحل الراجح لمواجهة مشاكل مراحل الانتقال, لكن هذه الوجهة من النظر تقتضي وجود بعض المفترضات الأولية لكي تحقق الحد الأدني من أهدافها والقبول بها ومنها علي سبيل المثال: 1 إعادة هيكلة المؤسسة والأجهزة الشرطية والسياسة الأمنية, وآلياتها, وكوادرها, وذلك حتي تستطيع أن تقوم بسد الفراغات الأمنية, وتحقق الحد الأدني من القيم الأمنية والإنسانية, والأهم إشاعتها في أوساط اجتماعية تستوعب السياسة الجديدة, وتدعمها. 2 سياسة إعلامية انتقالية تنظم وتدير الجدل العام حول القضايا والمشاكل والأزمات الرئيسية أثناء المراحل الانتقالية والمستقبلية. 3 رؤية سياسية واضحة لدي السلطة الفعلية يكون الحفاظ علي تقاليد وقيم ونزاهة واستقلالية القضاء والجماعة القضائية علي رأسها. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح