10 رمضان.. المكالمة الأمريكية(6) لا أحد يستطيع أن يفهم قيمة ما حدث يوم العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر عام1973 والذي أجمعت كل مراكز الدراسات الدولية علي أنه معجزة استراتيجية كبري دون قراءة الواقع الإقليمي والدولي بشكل عام ورؤية إسرائيل لطبيعة وحجم الصراع بشكل خاص. ولعلها فرصة لإنعاش ذاكرة بعض من تختلط عليهم الأمور ولا يدركون الفارق الواسع بين الحرب وبين المغامرة أو الفارق بين الحساب وبين المقامرة خصوصا في تلك الأيام الصعبة التي كانت معبأة بكل أحاسيس الغرور والغطرسة عند الإسرائيليين ومثقلة بكل مشاعر اليأس والإحباط عند العرب كأحد الإفرازات الثقيلة لحرب5 يونيو عام.1967 كانوا في إسرائيل- بعد6 سنوات من نصرهم الخاطف عام67- مازالوا يتصورون إمكان الإبقاء علي حالة اللاحرب واللاسلم التي أعقبت توقف حرب الاستنزاف في8 أغسطس1970 طبقا لترتيبات مبادرة وزير الخارجية الأمريكية وليم روجرز والتي تمكنت مصر تحت ظلها من تحريك حائط صواريخ الدفاع الجوي المصري إلي قرب حافة قناة السويس وبالتالي تقريب موعد القدرة المصرية علي عبور قناة السويس في حماية هذا الحائط الصاروخي. كانت إسرائيل تعمل بكل طاقتها في الساحة الدولية لتهيئة الرأي العام العالمي لقبول الأمر الواقع في إطار القدرة العسكرية الإسرائيلية علي تكريس واقع الاحتلال للأراضي التي تم الاستيلاء عليها في5 يونيو1967 وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء. وكانت إسرائيل- بمساعدة أمريكية صريحة ومباشرة- تبني مخططها لحماية هدف تكريس احتلالها للأراضي العربية وجعله واقعا مقبولا في نظر المجتمع الدولي من خلال الإلحاح علي أكذوبة الأمن الإسرائيلية وما تتطلبه من دعم عسكري هائل لها والضغط بكل وسائل الترغيب والترهيب علي الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية لوقف إمدادات السلاح لمصر وسوريا حتي يمكن الحيلولة دون بناء قوة عسكرية عربية مؤثرة. ولكي تبرهن إسرائيل علي جديتها في محاولة تكريس الاحتلال وفرض الأمر الواقع فإنها لم تكتف بحملات التضليل الإعلامية وحملات التحذير السياسية وإنما لجأت إلي التلويح بحقها في اللجوء إلي ضربات وقائية لإجهاض أي عمل عسكري محتمل ضدها. ولم تصدق إسرائيل نفسها عندما جاءت ظهيرة يوم العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر1973 فقد كانت المفاجأة صاعقة والمباغته مذهلة. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: لاللص يسرق ضميره أولا قبل أن يتجه لسرقة الآخرين! [email protected]