قرأت ماكتبه أ. أشرف عبدالمنعم عن الهلع والفزع الذي أصاب المصريين بعد المليونية التي أطلق عليها مليونية الشريعة والتي رفعت فيها القوي الإسلامية وعلي رأسها السلفيون شعارات إسلامية متعددة كان أكثرها لفتا للأنظار هو إسلامية. إسلامية فهو يري ان مثل هذه الشعارات طبيعية جدا لانها لم تطلق في الفاتيكان علي سبيل المثال, وإنما انطلقت في أرجاء أمة تتشدق ليلا ونهارا بالإسلام وسماحته وقيمه, والحقيقة أنني مع الذين انزعجوا وأصابهم القلق الشديد ليس من هذه الشعارات في حد ذاتها, وانما من هؤلاء الذين حاولوا بها فرض الطابع الديني علي الثورة في استعراض للقوة, مع استبعاد وتشويه ممنهج لمعظم القوي السياسية الأخري المختلفة معها في الرؤي. فالقلق والفزع ليس من الإسلام وتعاليمه وإنما كان من هذا الخلط الواضح بين الإسلام والسياسة, رفعت المليونية شعارات وهتافات لم تظهر أثناء الثورة المصرية عن اسلامية الدولة ورفض المبادئ فوق الدستورية, واستبدل المشاركون هتاف أرفع رأسك فوق أنت مصري ب أرفع رأسك فوق أنت مسلم!!, الأمر الذي شكل تحولا في خطاب الثورة المصرية, وهو يتناقض مع طبيعتها الاجتماعية الديمقراطية, التي ركزت علي رفض الاستبداد والمطالبة بالحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية مع السماح لكل الفصائل بالعمل المشترك تحت أهداف وشعارات تجمع ولا تفرق, وما أزعج المصريين أن القوي الإسلامية وأغلبها من الجماعات السلفية التي تفتقر الي المعرفة والخبرة السياسية بادرت بفرض الطابع الديني علي الثورة لحسابها مما دفع البعض الي وصف ما حدث بأنه انقلاب أو سطو من هذه القوي علي الثورة. والمشكلة ليست في الأديان ولكنها تكمن في خلط الدين بالسياسة, ففي أوروبا خلال العصور الوسطي كان رجال الكنيسة يتدخلون في شئون الحكم وكان الحكام يتدخلون في شئون الكنيسة, والنتيجة فساد الدنيا وفساد الدين, العقل معطل والأرض خراب والحياة جوع ومرض, والحكم طغيان, والدين خرافات وشعوذات, وصكوك غفران, وعلي الرغم من ان الإسلام لا يعترف بالسلطة الدينية ولا يعترف برجل دين يكون وسيطا بين المؤمن وربه علي عكس المسيحية فإنه عند الممارسة الفعلية لم يختلف الأمر كثيرا عما كان يحدث في أوروبا المسيحية, خلال القرون الوسطي فجمع الخلفاء بين السلطة الدينية والسياسية في آن واحد, ففي عهد الدولة الأموية وما تلاها شهدت الأمة الإسلامية أكبر عملية تخلص دموي من المعارضين والمخالفين, كما تم رجم الكعبة بالمنجنيق وصلب الصحابة علي جدار البيت الحرام, وقد تم كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه الشريعة مطبقة!! ثم تلا الأمويين مجازر ومذابح االعباسيين, والكل يعرف ماشاب حكم الفاطميين والعثمانيين بعد ذلك نتيجة الجمع بين السلطة الدينية والسياسية, فخلط الدين بالدولة يفرض علي الشعب حكاما يزعمون أنهم ظلال الله علي الأرض وأنهم معصومون فلا يحق لأحد أن ينتقدهم أو يحاسبهم, فإذا منعنا هذا الخلط أصبح من حق الشعب أن يختار حكوماته ويعارضها ويغيرها كما يحدث في كل البلاد الديمقراطية التي لم تتحرر ولم تتقدم إلا حين فصلت الدين عن السياسة وأقامت المجتمعات علي أساس المواطنة, أي المشاركة في الوطن, لا في العقيدة, وأقرت حرية التفكير والتعبير والاعتقاد فاستيقظ العقل وازدهر العلم وتضاعفت الثروات وأصبحت أوروبا علي ماهي عليه الآن. المطلوب من القوي المدنية والليبرالية والعلمانية أن تنزل الي الشارع وتخاطب البسطاء الذين يتحصنون في انغلاقه وانكفائه علي صورة أصولية مشوهة للإسلام مما يجعلهم صيدا سهلا للسلفيين ممن يريدون أن ترجع عقارب الساعة الي الوراء وهي بالطبع لن ترجع أبدا, فطبيعة المصريين السمحة وحضاراتهم الموغلة في القدم لن تسمح لأي سلطة دينية بأن تنفرد بالحكم في مصر, وأخيرا, أريد أن أهمس بكلمة في أذن الذين يريدون تطبيق الشريعة في مصر فأسرد عليهم مقولة للمفكر الإسلامي الجزائري الفرنسي الكبير محمد أركون في ذكري رحيله الأولي( فمتي كان الحكم ديمقراطيا فالشريعة مطبقة) نعم كان يري وهو علي حق رحمه الله أن الشريعة مطبقة في الغرب الديمقراطي المسيحي. د. عماد إسماعيل