قراءة القرآن من العادات المحببة إلي المصريين وتتوهج هذه العادة في شهر رمضان الكريم, والمقاريء المصرية جزء لا يتجزأ من التراث المصري, حيث قالوا قديما: إن القرآن نزل في مكة, وطبع في إسطنبول, وقريء في مصر, وتتميز مدرسة التلاوة المصرية بعدد لا حصر له من القراء أصحاب الأصوات المميزة التي جمعت بين: حلاوة الصوت, والتمكن من الأداء, والحفظ التام للقرآن, والدراسة الدقيقة لفن التجويد من إدغام وإظهار وتنوين ومد وغيرها من أحكام التلاوة, فهم كما قال عنهم شيخ مشايخ كردستان في كتابه:( أفضل قراء القرآن) إنهم أي القراء المصريين يجتازون عتبات الأذن ليصلوا بالمتلقي إلي قمة النشوة القرآنية ليتخيل أنه يسبح فوق نهر من لبن. وقد حوت المكتبة المصرية العديد من الكتب الماتعة التي تناولت القراء المصريين, لعل من أشهرها كتاب الراحل محمود السعدني بعنوان: ألحان السماء الذي طبع للمرة الأولي سنة1959 م, وحوي قصصا ممتعة عن العديد من قراء الجيل الذهبي في مصر لا يعرفها سوي مؤلف الكتاب بعدما صحبهم في حياته لأيام طويلة, وسجل كل ما وصل إليه من حكاوي وقصص, وهناك كذلك كتاب الإذاعي أحمد همام بعنوان: سفراء القرآن الكريم الذي تناول فيه السيرة الذاتية لستة عشر مقرئا من مشاهير حسب تعبيره دولة التلاوة في مصر, حيث تناول المؤلف رحلتهم مع القرآن حتي صاروا نجوما تتلالأ في المجتمع المصري, وهناك كتاب: عباقرة التلاوة في القرن العشرين للصحفي شكري القاضي, و تطرق الكتاب لقراء لم يتحدث عنهم أحد قبل ذلك واعتبرهم المؤلف قراء عظاما مثل: الشيخ محمود البيحرمي, ومحمد محمود رمضان, والشيخ محمود أبوالسعود, أما الجزء الأخير في الكتاب فحوي قائمة بأسماء القراء والمبتهلين المعتمدين في الإذاعة المصرية, وهي وثيقة مهمة توثق العديد من الأسماء التي ضاعت في صفحات التاريخ. وتضم مدرسة التلاوة المصرية العديد من الأسماء البارزة التي تعدت في شهرتها حاجز الزمان والمكان, فهناك الشيخ محمود علي البنا الذي تناولت سيرته الشخصية ابنته الكاتبة آمال البنا, تحت عنوان: صوت تحبه الملائكة وقد ولد الشيخ في قرية شبرا باص مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية شمال مصر يوم17 من شهر ديسمبر سنة1962 م, وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية علي يد الشيخ موسي المنطاش, وأتم حفظه وهو في الحادية عشرة, ثم انتقل إلي مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالجامع الأحمدي, وتلقي القراءات فيها علي يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي, كما درس الشيخ علوم المقامات, والموسيقي علي يد الحجة في ذلك المجال الشيخ درويش الحريري, ولقب بسفير القرآن لكثرة سفره لمختلف الدول العربية وبعض الدول الأوروبية لقراءة القرآن بصوته الجميل, وأعتبر قارئا لجمعية الشبان المسلمين عام1974 م, وكان يفتتح كل الاحتفالات التي تقيمها الجمعية, وانضم إلي الإذاعة المصرية في عام1984 حيث بدأ بقراءة ما تيسر من سورة هود, وتوفي الشيخ الجليل في عام1985 , ودفن في ضريحه الملحق بمسجده في قريته التي نشأ بها. وهناك الشيخ عبدالباسط عبدالصمد, صاحب الحنجرة الذهبية, وقد نشرت سيرته الشخصية في كتاب من تأليف الدكتور زكريا, بعنوان: صوت من السماء, وقد قدم له الإمام الأكبر شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي, وولد الشيخ في عام1972 م بقرية المراعزة التابعة لمدينة ارمنت بمحافظة قنا, وحفظ القرآن الكريم علي يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته, كما أخذ القراءات علي يد الشيخ المتقن محمد سليم حمادة, انضم الشيخ للإذاعة المصرية سنة1591 حيث قرأ ما تيسر من سورة فاطر, وعين قارئا لمسجد الإمام الشافعي سنة2591, ثم لمسجد الإمام الحسين سنة8591 خلفا للشيخ محمود علي البنا, وكان من المجاهدين لإنشاء نقابة للمقرئين, وتم تعيينه أول نقيب لها سنة1984 , وانتقل الشيخ إلي جوار ربه عام.1988 وهناك الشيخ محمد رفعت بن محمود بك, ومحمد رفعت اسم مركب, ولد في حي المغربلين بالدرب الأحمر بالقاهرة عام1882 , وهو أول من افتتح الإذاعة المصرية في31 مايو من عام1943 , بقوله تعالي: إنا فتحنا لك فتحا مبينا, الفتح:1], وقد عرف الشيخ القاريء بالعديد من الألقاب منها قيثارة السماء, وكروان الإذاعة, والصوت الذهبي, والصوت الملائكي. توفي الشيخ في عام1950 في نفس يوم مولده عن عمر يناهز68 عاما, وذلك بعد إصابته بالأمراض العضال في السنوات الأخيرة من عمره, نعته الإذاعة المصرية عند وفاته قائلة: أيها المسلمون فقدنا اليوم علما من أعلام الإسلام. ومن مشاهير مدرسة التلاوة المصرية, الشيخ القاريء محمود خليل الحصري, الذي اشتهر بقراءته المتماثلة في دقتها بالوحي المنزل علي سيد الخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم, وهو من القراء القلائل الذين تركوا تراثا ضخما من التسجيلات المسموعة حيث سجل القرآن كاملا مرتلا للإذاعة المصرية عام1960 , كما ترك تسجيلات أخري للمصحف المرتل بروايات مختلفة حفص, وورش عن نافع, وقالون عن نافع, والدوري), ثم المجود, فضلا عن المصحف المعلم, كما ترك العديد من المؤلفات المطبوعة حول أحكام التجويد والتلاوة مثل: أحكام قراءة القرآن الكريم, والقراءات العشر من الشاطبية والدرة, وأحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر, بالإضافة إلي كتاب يحكي فيه بعضا من سيرته الشخصية تحت عنوان: رحلاتي في الإسلام. هذه الأسماء الأربعة هي فقط مثال وليست حصرا للقراء المصريين, فهناك أسماء أخري كالشيخ: صديق المنشاوي, والشيخ أبي العينين شعيشع, والشيخ مصطفي إسماعيل وغيرهم, وهم معا رسموا المعالم الأساسية للمدرسة المصرية في تلاوة كتاب الله والتي ستظل منبرا لصوت الإسلام وواحة للآذان المتعطشة للتمتع والأنس بكلام الله سبحانه وتعالي.