كلنا سواء في الآية 61 من سورة النحل جاء قول الله سبحانه وتعالي (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمي), وفي الآية 45 من سورة فاطر (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك علي ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمي), وفي الحديث الشريف (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يارسول الله, قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته), وفي الأثر قول المسيح حين الحديث عن مريم المجدلية: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر. ورغم أن هذه هي الحقيقة التي لا جدال فيها إلا أننا لم نجد أبدا بيننا من استيقظ ضميره لأي سبب وقام بتقديم كشف حساب حقيقي للجهات المسئولة عما ارتكبه من آثام طوال حياته العملية والتي لم تخل أبدا من تجاوزات أو استغلال نفوذ ليتخلص منها في الدنيا قبل أن يأتي الأجل المسمي الذي لن تجدي معه المراوغات التي اعتدنا عليها. فكلنا ملطخون بالآثام بنص القرآن الكريم وكلنا لا نستحق دار النعيم بنص الحديث الشريف وكلنا موصومون بالخطيئة بنص المسيح إلا أننا اعتدنا عدم الاعتراف بل اعتدنا الإنكار علي الرغم من أننا نمعن بشدة في أخطاء الآخرين ونرصد بدقة تجاوزاتهم خاصة إذا كانوا أولي الأمر منا معتبرين أن الرعية من حقهم النهب والسطو والسرقة متناسين قاعدة (منكم يولي عليكم) وغافلين عن قوله سبحانه (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم). ولأن الأمر كذلك فإننا يجب أن نستخلص من محاكمات الفساد الدائرة الآن العظة بأن الحساب في الدنيا أيضا يمكن أن يكون عسيرا, وإذا كان ربنا سبحانه وتعالي قد خاطب أحد قادة مصر من الفراعنة السابقين بقوله (اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) فقد تحدث عن الرعية أيضا قائلا (وأتبعناهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين). إذن فالحساب سوف يكون للشعوب كما للحكام (ولا تزر وازرة وزر أخري) و(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) و(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا). فما نحن فيه الآن درس ليس لأجيال قادمة من شعب مصر فقط وإنما لشعوب الأرض قاطبة سوف تسطره كتب التاريخ مؤداه أن خالق الكون يمهل ولا يهمل وأن كنوز الأرض لا تساوي لحظة حساب في الدنيا فما بالنا بالآخرة حين الوقوف بين يدي الخالق. وفي الروايات العديدة التي يحملها لنا القرآن الكريم عن مصر وحكام مصر وشعب مصر وما نحن فيه الآن ما يؤكد أن مصر سوف تظل حتي نهاية الكون مضرب الأمثال ومصدر الإلهام للعالم كما أنها سوف تظل محط الأنظار بحكم جغرافيتها ومحوريتها وتأثيرها الثقافي والفكري ناهيك عن أن بها (خير أجناد الأرض) بنص الحديث الشريف. وما يزيد العظة التي نحن بصددها قوة هو أنها جاءت في شهر الصيام لمزيد من التدبر والتأمل وليس مزيدا من التشفي والانتقام, فكلنا سواء!. المزيد من أعمدة عبد الناصر سلامة