بنوك مركزية خليجية تخفض الفائدة بعد قرار الفيدرالي الأمريكي    نائب محافظ الفيوم يكشف حقيقة رفع تعريفة الركوب    الرئيس السيسي يقيم مأدبة عشاء على شرف ملك إسبانيا    منظمة التعاون الإسلامي تُرحب بتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الإبادة الجماعية في غزة    أوباما: ترامب زاد من انقسام البلاد بدلا من العمل على توحيد الشعب    لاعب الزمالك السابق ينصح فيريرا بالاعتماد على هذا اللاعب    صلاح يتفوق على هنري في دوري أبطال أوروبا    تجديد حبس سائق قتل شاب ب«مفك» في التجمع 15 يوما    "الثقافة": تخصيص 18 مارس من كل عام ليكون " اليوم المصري للفن الشعبي "    الصحة تحيل واقعة وفاة طفلين بمحافظة المنوفية في نفس يوم تلقي التطعيمات الروتينية للتحقيق    مبادرة التعيين الرئاسية.. محافظ الإسكندرية يستقبل دفعتين من المعلمين الجدد (صور)    وفاة والدة نجم الأهلي الأسبق    مدرب الأهلي المحتمل .. لماذا اضطر فيتوريا تسجيل زواجه في 2019؟    فيروز أبوالخير تطيح بنور الشربيني وتتأهل إلى نصف نهائي بطولة مصر الدولية للاسكواش    جامعة الأزهر تكشف مصروفات البرامج الخاصة    "دافع عن فتاة من التحرش".. قرار قضائي في جريمة قتل شاب في موقف التجمع    وظائف بالأردن والتقديم حتى هذا الموعد - التخصصات ورابط التقديم    أحدث جلسة تصوير جريئة ل لاميتا فرنجية تخطف بها أنظار المتابعين (صور)    بإطلالة أنيقة.. رانيا منصور تروّج ل "وتر حساس 2" وتنشر مشهد مع غادة عادل    هل الحب قبل فترة الخطوبة حرام؟.. فتاة تسأل وأمين الفتوى يرد    ما موقف الزوجة التي يحلف عليها زوجها بالطلاق أكثر من 40 مرة؟.. أمين الفتوى يرد    الاستعلام عن الأسماء الجديدة في تكافل وكرامة لشهر سبتمبر 2025 (الخطوات)    في خطوتين بدون فرن.. حضري «كيكة الجزر» ألذ سناك للمدرسة    وزير الأوقاف يشهد الجلسة الافتتاحية للقمة الدولية لزعماء الأديان في «أستانا»    د. آمال عثمان تكتب: هند الضاوي.. صوت يقهر الزيف    حمدي كامل يكتب: السد الإثيوبي .. من حلم إلى عبء    بوتين يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء الهند الأزمة الأوكرانية وتطورات العلاقات الثنائية    لأول مرة.. ترشيح طالب مصري من أبناء جامعة المنيا لتمثيل شباب العالم بمنتدى اليونسكو للشباب 2025    مصرع شخص والبحث عن آخرين في ترعة بسوهاج    دينا تطلق أول أكاديمية متكاملة لتعليم الرقص الشرقي والفنون في مصر    أرتيتا يتفوق على فينجر بعد 25 مباراة في دوري أبطال أوروبا    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    كيليان مبابي يعلن غيابه عن حفل الكرة الذهبية 2025    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    بعد نشر صورة مع جدها الفنان محمد رشدي.. من هي البلوجر فرح رشدي؟    قوات الاحتلال تقتحم مدينة نابلس شمال الضفة الغربية    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    ڤاليو تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقاً باستخدام رخصة التكنولوجيا المالية عبر منصة نون    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    هيومن رايتس ووتش تتهم إسرائيل بتهجير السكان قسريا في سوريا    رودريجو يجيب.. هل قرر الرحيل عن ريال مدريد؟    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    قبل ما تنزل.. اعرف الطرق الزحمة والمفتوحة في القاهرة والجيزة اليوم    «عبداللطيف» يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك في مجالي التعليم العام والفني    حركة القطارات | 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 17 سبتمبر    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجوه في الذاكرة‏(20)‏
حين لان الحديد
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 02 - 2010

كان كالسيف قاطعا‏,‏ وسريع الحسم‏,‏ يقضي في لحظة‏,‏ وكأن الرأي قد كان جاها ومعدا‏.‏ الذكاء الرهيب يحدوه‏,‏ قراراته المخيفة تتري في حدة‏,‏ وهو لايترك شيئا معلقا‏,‏ فغد إذ يجيء يأتي. وقد باعد في خطوه وجاوز جدا‏.‏ لايبالي بما يقول ولاة الأمر عنه‏,‏ يكفيه سيف علي المفاسد مسلول‏,‏ وعزم مباغت ليس يهدا‏.‏
كان تكوينه البعيد شديد العمق‏,‏ عمق استنارة ورؤي كبري‏,‏ نماه في مراس مع الحياة‏,‏ وإنجاز مع الصحافة مشهود‏,‏ وعشق اللغات في نبعها الأصفي‏,‏ وفي صوغ مايريد ومايحكي‏,‏ وعقل يقتات ثورية الفكر‏,‏ وأنواره تضيء علي الصحب‏,‏ تشع اليقين رأيا وحدا‏.‏
كسبته إذاعة الزمن الخالي‏,‏ وبنائين من جيله عظاما وروادا وآباء فنون وعدة ونظام‏,‏ شيدوا مجدهم جميعا علي غير مثال‏,‏ حين أعطوا لعصرهم وجهه الصادق البث‏,‏ وشادوا له تراثا ومجدا‏.‏ كلهم‏,‏ كلهم أضاؤوا‏,‏ وشعوا في مجرات سؤدد‏,‏ واقتحام‏,‏ مثلما تسطع الكواكب والشهب‏,‏ وتهدي السارين‏,‏ سعيا وكدا‏.‏
بينهم كان يصنع الخبر الأول‏,‏ يبني مجد الإذاعة في الأخبار‏,‏ يعلي من شأنها‏,‏ مستعدا جاهزا للصدام إن حاول السادة فرضا للذي لايطيق‏,‏ أو زيفوا جدارا وسدا‏.‏
عندها تصبح الكرامة رأيا‏,‏ وموقفا يدعم الرأي‏,‏ ويضحي في رأيه مستبدا‏.‏ لايبالي أذي العواقب إن حل‏,‏ ولايرضي لهم حبالا وكيدا‏,‏ لا ولا يستسيغ قبضا وشدا‏.‏ ساطع في جبينه ألق العلم‏,‏ مضيفا إليه وعيا مشاكسا‏,‏ ولسانا نافذ القول والعبارة‏,‏ يردي إن رام قتلا‏,‏ ويبني إن شاء ظلا‏,‏ ويستعصي علي الصمت‏,‏ ويمضي في زهوره يتحدي‏.‏
لم نكن نحن بالأليفين‏,‏ لكني تجنبته‏,‏ وصرت بعيدا عنه‏,‏ في فورة من العناد‏,‏ كلانا برج جدي‏,‏ وطريقي أقصيته‏,‏ لايؤدي يوما إليه‏,‏ ولم أدر بأني قاطعت من يصبح يوما جد حفيداتي‏,‏ تجاوزت وقتها في عداء‏,‏ وأني أسرفت في اللوم جدا‏.‏
زمن جاء بعد ماترك الجاه‏,‏ بعيدا عن سلطة الأخذ والرد‏,‏ ولم يبق غير عطر له فاح‏,‏ وذكر لدوره كل يوم أرادوا الحديث عن هيبة كانت‏,‏ وعن قدرة الإرادة والحزم‏,‏ وعن قيمة الكرامة والزهد‏,‏ وتاريخه الذي صاغه من إباء‏,‏ لايبالي ولايهادن في وقت طغي العسف وجار الكبار بأسا وعدوانا‏,‏ وصار الحصيف من ينأي لكي يحفظ نفسا له وينقذ جلدا‏.‏
ذات يوم‏,‏ ونحن نجلس حوليه بعيدا في قلب موسكو وكنا كتيبة من شباب للإذاعات‏,‏ كانت عيناه يبرق دمع فيهما‏,‏ والتماع الزهو الذي كان يحياه بما قد أضاف فينا‏,‏ والكلام الحبيس يفلت منه‏,‏ وهو يخشي علي الإذاعة من يوم يجيء لايستطيع الناس فيه في مرة أن يقولوا للذي سوف يفسد‏:‏ كلا‏,‏ قد تجاوزت‏,‏ فالزم الآن حدا‏!‏
صورة الجد فيه لاتفارق عيني‏,‏ لأن فيه الحديد‏,‏ واختفت الحدة‏,‏ صار بين الحفيدتين صفاء النهر يسري وداعة ونعومة‏.‏ صارتا شغله الأنيس‏,‏ ومأواه‏,‏ وسعيا ينسيه ماتفعل الأوجاع فيه‏,‏ مستعيدا صفاءه الرائع السمت‏,‏ مذيبا أحزانه وهمومه‏.‏
حين ناءت ساقاه بالحمل‏,‏ لم ييأس‏,‏ مشاركا في كثير‏,‏ ثم فاضت ملء السطور كتابات له وتواريخ لعمر قد عاشه في البدايات‏,‏ وعمر قضاه يرعي الكثيرين‏,‏ وفكر يشع نورا لمن بين يديه يصوغ الأجيال بالوعي والحكمة‏,‏ حتي يبث فيهم مرامه‏.‏
حين زادت أعباء ساقيه‏,‏ كان الداء يسري‏,‏ فلم يبق سوي أن يطل من شرفة البيت حبيسا‏,‏ فلا يستسيغ من بعد شيئا‏,‏ لا‏,‏ ولا يرضي طعاما ولاشرابا‏,‏ فلا العيش اشتهاء‏,‏ ولاصارت الحياة كما يرضي‏,‏ ولا القادم المرجي أمامه‏!‏
راحلا قبل موعد لرحيل‏,‏ تاركا بيننا وديعته الكبري‏,‏ تباريه انضباطا وتستعيد نظامه‏,‏ حين ربت حفيديته علي ما كان يهوي‏,‏ مثالا وقدوة وصرامة‏.‏ وهي من بعده‏,‏ تروم الذي رام‏,‏ وترعي وجوده الحي فينا‏,‏ وتمضي في طريق قد كان فيه متوجا‏,‏ قيمة العدل لديه شريعة وعلامة‏.‏
وبكاه الجميع‏,‏ أشرف من كان يدا‏,‏ واستقامة‏,‏ وكرامة‏.‏ في زمان مضي‏,‏ هو الزمن الأبقي‏,‏ فمن ذا يجاريه‏,‏ ومن ذا يقوم يوما مقامه‏!‏؟
المزيد من مقالات فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.