تركت جلسة المحاكمة الأولي للرئيس السابق حسني مبارك أحاسيس متباينة لدي كل الثائرين العرب في ليبيا واليمن وسوريا.. فبينما تمني البعض تأجيل المحاكمة لفترة من الوقت حتي يتمكن الثوار من الإطاحة بأنظمتهم الطاغية. تراءي لآخرين ان مشهد المحاكمة ومثول مبارك أمام هيئتها, يستحق التسجيل والبناء عليه لانه يمنح قوة وصلابة لثوراتهم علي القذافي والأسد وعلي عبد الله صالح. فالذين تمنوا تأجيل المحاكمة العلنية, تمترسوا بحيثية ان هذا المشهد الجديد والمثير, سيجعل الثلاثي القذافي والأسد وصالح يتمسكون بالكرسي أكثر والمبالغة في استخدام القوة وبطش الأمن ورصاص العسكر لكسر انتفاضات شعوبهم الثائرة ضد القمع والتخلف وانتشار الفساد. فطبيعي إذا كان أي من الثلاثي الحاكم يتأهب أو يستعد علي الأقل نفسيا لمغادرة الساحة السياسية في بلاده سواء عبر الخروج الأمن من السلطة او الهروب الآمن من البلاد, فإنه وإن رأي مشهد المحكمة فلن يتورع لحظة في التمسك بأهداب السلطة خشية تكرار نفس المشهد ومثوله أمام المحكمة في عاصمته. وأما الطرف الآخر من الثوار والشعوب, فقد وقفوا تماما مع مشهد المحاكمة, واستلهموا منه القوة والعزيمة في الاستمرار في ثورتهم من اجل إسقاط طغاتهم المدججين بسلاح بالأمن والجيش ضد المواطن وأمنه ومستقبله الذي يراه أفضل بدون هؤلاء الحكام الظالمين. ولعل من أهم دروس مشهد المحاكمة ان العبرة مجانية لكل الحكام في العالم وليس العرب فقط, لان المثل الشعبي بعد الثورة المصرية قد تغير الي الملوك علي دين شعوبهم وليس مثل السابق الشعوب علي دين ملوكهم.. بيد أن الشعب الواحد اصبح شعوبا, ويحتاج لعدة حكام في البلد الواحد, بعد ان كان الحاكم يظل حاكما لدهور, وهو ما يزيد من مخاوف التشرذم والانفلات في الرؤي وتشتتها. والمهم الآن, إن أمام المصريين الكثير قبل إسدال الستار علي محاكمة القرن, فالحرب مستعرة بين دفاع صلب لا يهمه الشهرة, وادعاء يحاول الهروب من مقصلة الرأي العام وهيئة محكمة لن تنظر الي روح القانون او رحمته بل الي نصه فقط.. إنها لحظة فارقة بين واقع من الظلم والفساد والنهب واستحلال مال الشعب والأمراض والجوع والفقر والقتل والطمع والطموح الجارف بلا حدود.. وبين حقيقة نري فيها الحاكم يقترب من المقصلة.. فهل هكذا سيكون المصريون!! المزيد من أعمدة محمد أمين المصري