تحقيق:كريمة عبدالغني ترددت خلال الأشهر الماضية نغمة أن القضاء الطبيعي ليس كافيا لمحاكمة رموز الفساد والقصاص من القتلة, وطالب هذا الفريق بعقد محاكم استثنائية علي غرار التي أنشئت عقب ثورة يوليو52. ويري هؤلاء أن هذه المحاكم سوف تضمن محاكمات سريعة وناجزة, بينما يري آخرون أن المحاكم الاستثنائية غير شرعية, وأن أحكاما غير معترف بها في الخارج, ومن ثم فلا داعي لها. بداية يري المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض السابق أن القانون لا يعرف غير القاضي الطبيعي في كل الظروف, وهو أرقي مستوي لتحقيق العدل, ومن يطلب الاستثناء يطلب التضحية بالعدالة بسبب غرض وهوي في نفسه. فهناك ثورات أعدمت حكامها وخصومها بغير محاكمة مثل الثورة الفرنسية, لكن الثورة التي نظمها الميدان وصلت إلي مرحلة من الرقي, وإذا أردنا أن نحافظ عليها فيجب أن نحافظ علي العدل. فالمحاكم الاستثنائية المقصود بها التعجيل بالانتقام, فيجب أن نصبر حتي يتحقق العدل. ويضيف المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض أن المحاكم الاستثنائية لا تخضع للتشكيل العادي للمحاكم فمن الممكن أن تشكل من عسكريين أو عسكريين ومدنيين, وينص علي عدم استئناف أحكامها أو الطعن فيها بالنقض, ونحن لا نريد هذه المحاكم ولكن نريد محاكم عادية متفرغة لنظر قضايا الفساد والاعتداء علي المتظاهرين. والمحاكم الاستثنائية محاكم مستهجنة وأحكامها غير معترف بها في الدول الخارجية, لذلك يصعب استرداد الأموال لو قدمناهها لمحاكم استثنائية, ونحن نريد محاكم عادية. أما عن المحاكم الثورية فيقول الخضيري: لا تتوافر فيها أي ضمانات للمتهمين, وهي محاكم نحن نستهجنها, وأحكامها غير معترف بها في العالم, وخرجت منها أحكام ظالمة كثيرة, ولا نريد أن نكرر المأساة نفسها. أما المستشار محمد إبراهيم خليل نائب رئيس محكمة النقض فيطالب بضرورة التفرقة بين الحالة الثورية والإجراءات التي يمكن للثورة أن تتخذها لحماية الثورة والقضاء علي الثورة المضادة التي تحاول إفشال الثورة, وفي هذه الحالة يحق للثورة أن تنشئ محاكم خاصة وتضع لها ضوابط وتعين الجرائم التي يمكن أن تنسب لمناهضي الثورة, وتتولي هذه المحاكم الخاصة المشكلة علي نحو يكفل توافر فئات المجتمع المختلفة, وعلي هذه المحاكم أن تلتزم بالمبادئ الأساسية للعدالة والمحاكمة النزيهة فتمنح إليها فرصة الدفاع عن النفس, ودحض الأدلة المقدمة منها, ومعلوم أن هذه المحاكم لا تلتزم بقواعد الإثبات من ناحية الوجوب الأكيد للوقائع وقيام الأدلة المادية والقانونية علي ارتكابها, لأنك تحاكم أوضاعا غير عادية ولابد أن تكون أدلة الإثبات أيضا غير عادية تتفق مع عملية ضرب مناهضي الثورة وحمايتها, هذا الرأي نادي به المرحوم المستشار أحمد حسني وزير العدل الأسبق في أثناء ثورة يوليو52 الذي طلب من مجلس قيادة الثورة ألا يعهد بهذه القضايا للقضاء العادي لأنها أمور استثنائية ولن يستطيع القضاء بتقاليده والأسلوب الذي يعيش ويعمل به أن يدين متهمين بمجموعة شكوك وظنون, وأن طلب الأدلة القاطعة سيؤدي إلي تبرئة المتهمين, وقد أخذ مجلس قيادة الثورة بهذا الرأي وأنشأ محاكم الثورة والغدر وغيرها من المحاكم العسكرية لمحاولة ضرب الانفلات الأمني, كما حدث في كفر الزيات, وفي أسيوط.