في مليونية الجمعة الأخيرة كان من بين المطالب سرعة القبض علي باقي رموز الفساد واصدار الأحكام وأن تكون بالإعدام لأشخاص محددين.. بل إن البعض طالب بمحاكم استثنائية أو انشاء محكمة ثورة تصدر أحكاماً سريعة وتصادر الأموال والممتلكات دون تحقيق تتوفر له ضمانات العدالة. خبراء الأمن القومي والقانون والسياسة وحذروا بشدة من اللجوء للإجراءات الاستثنائية أو انشاء محكمة للثورة.. مؤكدين أنها تفتح باب جهنم وتمثل إهداراً للقانون في وقت قامت الثورة فيه لترسي دعائم دولة القانون.. مؤكدين أن شبكة الفساد معقدة وكشفها يتطلب وقتاً وجهداً.. كما أن التحقيق يتطلب فحص الأدلة والسعي وراء المستندات الدامغة.. وبالتالي لا وجه للاستعجال طالما أن المتهم يمثل بالفعل أمام النيابة وتم بالفعل تجميد ممتلكاته.. فالهدف في النهاية هو الحقيقة وليس غيرها. نبهوا إلي فخ المحاكم الاستثنائية والتسرع والذي سيؤدي إلي عدم استرداد الأموال المنهوبة.. حيث تشترط القوانين الدولية ودول الاتحاد الأوروبي صدور أحكام نهائية من القاضي الطبيعي بالادانة حتي توافق علي رد الأموال. قدموا اقتراحاً بتشكيل لجان تحقيق بأعداد كبيرة من مستشاري النقص والاستئناف لمساعدة النيابة العامة في التحقيقات.. حيث يمثل حجم قضايا الفساد ضغطاً كبيراً يجعل بطء الاجراءات له أسبابه العملية والمنطقية. اللواء محمود خلف خبير الأمن القومي ومستشار المركز المصري لدراسات الشرق الأوسط يري أن الأمور تسير بسرعة طبيعية فيما يتعلق بالتحقيقات والمحاكمات مع رموز الفساد فاجراءات التحقيق لابد أن تأخذ وقتها.. كما أن شبكة الفساد معقدة وكشف أوجه القصور يتطلب جهداً ووقتاً. يركز علي نقطة هامة وهي ضرورة أن نتمسك بأن تتم التحقيقات والمحاكمات أمام القاضي الطبيعي بعيداً عن أي إجراءات استثنائية أو استعجال.. وذلك من أجل استرداد المبالغ المهربة خارج مصر.. فهناك اشتراطات لدول الاتحاد الأوروبي بأنه لا يمكن استرداد أي مبالغ لديها إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي وذلك ما ينص عليه القانون الدولي وتعليمات الاتحاد الأوروبي. يحذر من الوقوع في فخ المحاكمات الاستثنائية بأي شكل لها سواء محكمة ثورة أو قضاء عسكري.. ففي هذه الحالة من حق الاتحاد الأوروبي أن يصادر الأموال لصالح نفسه أو بمعني أدق لصالح بنوكه.. موضحاً أن الحكم النهائي الصادر من محكمة طبيعية هو الاثبات الوحيد بأن هذه الأموال المهربة ملك للشعب المصري وأنها مسروقة ومنهوبة منه.. وهذا يعني إلزام كل البنوك برد ما لديها.. مع ملاحظة أن المصارف العالمية ليست تابعة للحكومات ولا تأخذ منها أوامر وبالتالي لا يجب التعويل اطلاقاً علي العلاقات الطيبة مع الحكومات. وعن رأيه فيما نادي به البعض من ضرورة إنشاء محكمة ثورة للإسراع بالأحكام خاصة ما يتعلق بالفساد السياسي رفض ذلك بشدة موضحاً أن الثورة قامت من أجل الديمقراطية لكن العدالة تسبق الديمقراطية وتولد الديمقراطية والعدل أساس الحكم وأي مجتمع لا يتسم بالعدالة لن يتطور.. ومحاكم الثورة تعتمد علي الحكم السريع ومحاكم التفتيش في الضمائر بعيداً عن الأدلة والاثبات وانشاؤها يمثل ردة فإذا انتهي دور القانون انتهت الثورة.. ووقتها ستعود للوراء مائتي عام علي الأقل!! يضيف أن المتحمسين لمحاكم الثورة يعتمدون علي سيادة شرعية الثورة لكن الصحيح أن الثورة لا تلغي القانون.. وضرب مثلاً بالثورة الفرنسية التي اعتمدت علي محاكم التفتيش وبدأت بإعدام أعداء الثورة وانتهت بظهور نابليون الذي أعدم قادة الثورة!! يقول إن شهراً واثنين وثلاثة ليست شيئاً في عمر الدول وبالتالي المطالبة بسرعة المحاكمات دون التحقق من الأدلة وتقديم ضمانات العدالة لا معني لها.. خاصة أنه تم بالفعل تجميد الأموال والتحفظ علي عدد كبير من الفاسدين في السجون.. ولا ننسي أن إهدار العدالة يهدد الأمن القومي ويهدم أركان الدولة الحديثة.. ولدينا نماذج العراق واليمن والصومال وافغانستان ونحن لن نخترع التاريخ.. "ضغوط" الدكتور جمال جبريل أستاذ القانون الدستوري وعضو المجموعة القانونية لاسترداد أموال مصر يري أن مكتب النائب العام والنيابة العامة لا تتحمل بالفعل الضغط الرهيب لقضايا الفساد التي تتكشف يوماً بعد يوم وينتظر الشعب نتائجها بسرعة لذلك فالبطء له أسباب عملية ومنطقية.. لذلك عقدت المجموعة القانونية اجتماعاً قدمت من خلاله اقتراحاً منذ ثلاثة أيام بتشكيل لجنة من مستشاري النقض والاستئناف بعدد كبير تتولي المساعدة في تحقيق هذه القضايا.. وهذا مسموح به وفقاً لقانون الاجراءات الجنائية.. وبالتالي يمكن الإسراع بحسم هذه القضايا بشرط مراعاة العدالة وضمانات التحقيق.. وقد أرسلنا بياناً بذلك للنائب العام ولوزير العدل. يتعجب من المنادين بمحكمة الثورة لأنها تفتح باب جهنم.. وتجربة ثورة يوليو تؤكد ذلك فقد تبين بعد أربعين سنة وأكثر أنها كانت خطيرة وأدت للمزيد من الفساد والظلم.. فمن المعروف أن محكمة الثورة لا تلتزم بضمانات الاجراءات الجنائية وقواعد قانون العقوبات لكنها تعمل لنفسها شرعية خاصة وقرار تشكيلها يضع لها ضوابط خاصة فقد ينص علي وجود دفاع وقد لا ينص!! نبض الشارع يضع سامح عاشور القائم بأعمال رئيس الحزب الناصري يده علي نقطة جوهرية وهي أن القرارات والإجراءات يجب أن تعبر عن نبض الشارع وهو الممثل للثورة.. لذلك يجب أن يتم استشارة منظمات ورموز المجتمع وممثلي شباب الثورة.. وليس كما يحدث حالياً من اقتصار الاستشارة علي واحد أو اثنين.. فهذا يعني غياب الحوار وكأنهم يفكرون للناس.. ونتيجة ذلك وجدنا تأخراً في تقديم بعض رموز الفساد للتحقيق وكان يمكن تقديمهم مبكراً بالفعل.. موضحاً أنه بمجرد مثول المتهم أمام جهات التحقيق لا يصح أن يكون هناك كلام عن بطء أو تباطؤ.. فمرحلة التحقيق لابد أن تأخذ وقتها وتتوفر فيها ضمانات العدالة حتي نرسي دولة القانون.. فالهدف في النهاية هو الحقيقة وليس غيرها.. ويجب ألا ننسي أن حجم البلاغات كبير والقضايا ضخمة.. مؤكد أنه عند الحديث عن دولة القانون وعن ثورة قامت للقضاء علي الفساد لا يكون هناك محل لمناقشة انشاء محكمة للثورة فهي اجراءات استثنائية تتنافي مع القانون. "آلية قضائية" الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية ينظر للأمور من زاوية خاصة فالإجراءات التي اتخذت منذ تنحي مبارك محدودة ولم تشكل الأطر التي تحقق التطهير الحقيقي للمتورطين في جرائم القتل ونهب الثروات.. فهي تتم بشكل انتقائي متدرج وبطئ وليس لها منهج. ورغم أنه مع المحاكمات الطبيعية وضد محكمة الثورة إلا أنه يري امكانية ايجاد آلية قضائية معينة بلائحة خاصة تتيح لها أن تفرغ من مهمة قضايا الفساد والنظام السابق بسرعة بعيداً عن الاجراءات الروتينية المعقدة وبما يضمن أيضاً ألا تفقد صفتها القضائية وتقدم لها الضمانات الكافية والدفوع مع تحديد جدول زمني وتفويض باتخاذ القرارات. سألته عن مدي امكانية تحقيق ذلك الآن بعد أن قطعت جهات التحقيق شوطاً قال أن البداية في أي وقت أفضل من ألا نبدأ اطلاقاً.. والمهم وضوح الرؤية عن متخذ القرار بتحديد ماذا أفعل؟ وفي أي وقت.. وماهو الجدول الزمني ولأن العمل الانتقائي يحدد اتجاهات شتي قد لا تكون صحيحة دائماً.