اليافطة الضخمة تشير لخيمة بميدان شبرا لتعلن عن المعرض السنوي لبيع كل شيء, بينما تحت الشادر الواسع لا يمكن أن تعرف من أين أتت تلك المنتجات فيما عدا المنتجات الصينية. أما باقي المعروضات فلا أحد يعرف من أين جاءت ولا تاريخا محددا للانتاج أو الانتهاء لها! الأسعار مغرية جدا للشراء السهل, لكن الحقوق ضائعة تماما لهؤلاء البسطاء الباحثين عن سلع رخيصة الثمن, حتي لو كانت عديمة القيمة منزوعة الحماية, يضحي المشتري بكل حقوقه ويسعي البائع للأكثر حتي لو كان من تحت السلم, وهو ما أدي إلي تحرير نحو16 ألف قضية ضد مخالفات تجارية شتي! وفي مكاتب المسئولين وفي ملفات التقارير الرسمية والغرف التجارية الصورة تبدو مختلفة تماما, فالرسميون يصرخون من الأسواق العشوائية, والأكثر تفاؤلا يقدمون حلولا تحتاج لسنوات من التضحية بحقوق المستهلكين حتي تتحقق علي أرض الواقع. من قال إن تلك الخيام تضر بالبلد.. الناس تأتي وتشتري وتجد أسعارا أرخص من أي مكان آخر, وبيوت كثيرة مفتوحة من هذه الخيام, فماذا يفعل هؤلاء الشباب والبنات: هل من الأفضل أن يصبحوا لصوصا ويهاجموا الناس؟ نحن لسنا ضد التنظيم لكن من يستطيع أن يدفع مليون جنيه ثمن محل أو ايجار سنة في مول. الكلام السابق هو الدفاع الحاضر لشريف توفيق المدير المنظم لواحد من أكبر الشوادر في ميدان شبرا الخيمة, عندما قلت له إن ما يحدث في الخيمة التي يتولي مسئوليتها غير شرعي ويضر بالتجارة الداخلية وحقوق المستهلك, فمثلا لا وجود أساسا للفاتورة والبيع يتم بدون مستند فكيف نحمي حقوق المشترين؟ أجاب: أنا الذي أحمي حقوق المستهلك هنا, الناس لا تعرف الأجهزة الحكومية وعندما تحدث مشكلة بخصوص سلعة يشترونها من أي مكان في المعرض يأتون إلي, وأتولي حلها, وأعيد الحق لأصحابه. أقاطعه:.. ولكن ليس كل المسئولين عن الشوادر يفعلون هذا وجهاز حماية المستهلك جهة رسمية لابد أن نعترف بأن هذا دورها وليس دورك أنت؟ ويعلق: ماذا تفعل الجهات الرسمية لنا أصلا؟: يطلبون أوراقا غريبة وإجراءات معقدة ويتركون الأسعار تشتعل والشباب بلا عمل.. ماذا يفعلون؟ من يسمح لكم بإقامة هذه الخيمة.. وهل تحصلون علي موافقات رسمية؟ نحن نؤجرها من الحي ايجارا سنويا أو نصف سنوي حسب مدة المعرض وهناك معارض نؤجرها بالشهر ونلتزم بكل الاحتياطات في الدفاع المدني فكما ترين لدينا طفايات حريق وتفتش علينا مباحث التموين. ..ولكن هناك موافقات أخري, مثلا قطاع المعارض بوزارة التجارة أو اتحاد الغرف التجارية.. هل يوافقون؟ ليس لي علاقة بهؤلاء, لا أريد تعقيدات مع أحد, شغلي مع الحي, هذه إجراءات أخري صعبة ونبعد عنها أحسن, كما أن العارضين عندي معظمهم ليس لديهم محلات فليس لهم علاقة رسمية بالغرفة أو الوزارة. وكم تدفع لمحافظة القليوبية لتؤجر هذا الشادر الذي تؤجره للعارضين وبكم تؤجره؟ لا استطيع اخبارك عن ايجار الشادر لا نريد مشاكل مع الحي هذا اتفاق خاص أما بالنسبة لنا فنحن نؤجر بالموسم, فمثلا موسم الصيف أو دخول المدارس أو الأعياد والايجار بالمتر وحسب المساحة التي تبدأ من ثمانية أمتار حتي12 مترا. خارج السيطرة المهندس محمد المصري رئيس اتحاد الغرف التجارية يعترف بأن هناك مشكلة لكنها ليست فقط مشكلة الأسواق العشوائية بل أيضا مشكلة عدم وجود أسواق بديلة لهؤلاء العشوائيين لأن الثمن يدفعه المستهلك كما يقول. ويضيف: لابد أن نكون صرحاء مع أنفسنا, هؤلاء تعاملوا مع أزمة قائمة بطريقتهم الخاصة مع اعترافنا بأنها طريقة غير مشروعة تماما ولكن عندما نجد أن متر الأرض يصل في بعض الأماكن لأكثر من خمسين ألف جنيه وهو ما رأيناه بأنفسنا وعندما كنا مع وزير التجارة والصناعة في طنطا علي سبيل المثال يصبح البديل أمام هؤلاء تأجير أي مساحة في شادر أو خيمة عشوائية أو اللجوء للرصيف وبالطبع فالعشوائية تخلق مزيدا من العشوائية فلا أحد من هؤلاء عضو في الغرف التجارية أو لديه سجل تجاري أو بطاقة ضريبية, والأهم هنا أن المستهلك يجد أمامه بضاعة رخيصة نظرا لعدم التزام صاحبها بأي قواعد رسمية تلزمه بدفع ضرائب أو أداء رسوم مما يقلل التكلفة وبالتالي يخفض السعر, فيصبح الأمر مغريا جدا بالشراء. قانون من ورق الدكتور مصطفي عبد الغفار رئيس مصلحة السجل التجاري الأسبق وعضو جهاز حماية المستهلك السابق يعتبر ما يحدث اهانة لقانون محترم اسمه قانون حماية المستهلك فيقول: قانون حماية المستهلك رقم67 لسنة2006 جاء متضمنا جميع الحقوق والمواثيق الدولية التي تحمي المستهلك باعتباره الحلقة الأضعف في عملية تبادل السلع والخدمات, وضمنت مواده جميع حقوق هذا المستهلك بدءا من نوعية السلعة ومواصفاتها وجودتها وبلد المنشأ وحتي محتوياتها مرورا بمواصفات البائع أو مقدم الخدمة وصولا لمعاقبة من يتجاوز ذلك. ..ولكن ماذا عن آليات ملاحقة هؤلاء من الأجهزة المعنية وهي كثيرة؟ هي فعلا أجهزة كثيرة ومتعددة ومتضاربة, فهناك شرطة المرافق التابعة لوزارة الداخلية ولها حق السؤال عن السلعة ومصدرها ثم التجارة الداخلية وهذه للأسف لا وجود لها خارج القاهرة, فلا وجود لها في المحافظات الموجودة, فقط مديريات التموين القديمة التي أصبحت تابعة لوزارة التضامن وليست للتجارة المختصة بالموضوع. .. وماذا عن جهاز حماية المستهلك؟ مازال حتي الآن أداة توصيل للشكاوي يأخذ من المستهلك ويبلغ الجهات الأمنية المختصة ولا أدوات فاعلة له, هو فقط جهة استشارية وإلا فبماذا نفسر حالة الانفلات في الأسعار غير المبررة حتي الآن والتعدد الغريب في سعر السلعة الواحدة, كيف نتكلم عن حقوق مستهلك لا تتوافر له أبسط آليات الحماية من الجشع والانضباط السعري؟ اللواء محمد محمد أبو شادي رئيس قطاع التجارة الداخلية والرقابة علي المعارض وهي الجهة الأولي في التعامل مع هؤلاء لا ينكر وجود أزمة في قطاعه, ولكنه يقدم تصورا يراه الحل الأمثل الآن لحل المشكلة المعقدة باعترافه فيقول: نحن لا نفكر فقط في الأزمة بل في الأهم والحلول البديلة التي يمكنها أن تؤدي تدريجيا لانكماش حجم هذه الأسواق العشوائية أهمها إنشاء أسواق جديدة عصرية ومنظمة علي أراض تخصصها الدولة بأسعار مناسبة, بحيث تقدم سلعا تنافس في السعر والجودة والعرض وتضمن حماية حقوق المستهلك وأبسط حقوقه في الحصول علي سلعة جيدة وفاتورة تضمن حقه. حجم المشكلة بالأرقام كم قضية انتهاك لحقوق المستهلك وقواعد التجارة الداخلية تم ضبطها العام الماضي؟ نحو16 ألف قضية قمنا بتسجيلها لشركات وأفراد ومؤسسات تتعلق بكل الأنشطة التجارية المخالفة سوء سلع مجهولة المصدر أو بيع سلعا في غير أماكنها المحددة أو عدم اعطاء فاتورة للمستهلك كما ورد لنا نحو21 ألف شكوي من مواطنين علي الخط الساخن لسعرها أو الغش في مواصفاتها بخلاف ما يتم ضبطه من قضايا غش تجاري أخري داخل وخارج تلك الأسواق العشوائية.