فى عام 1980 كانت الفترة الثانية لرئاسة الرئيس السادات قد قاربت على الانتهاء، وكان عليه أن يترك السلطة وفق الدستور، ولكنه تقدم لمجلس الشعب يطلب إجراء تعديل دستوري. وفى غفلة من الزمن، وبينما هذا الشعب الطيب المسالم يمارس حياته فى هدوء تم تعديل دستوره فى لحظات ليتحول من دستور يسمح بتداول السلطة إلى دستور يؤبد السلطة ويمنح عصا الدكتاتورية المطلقة للحاكم، فتغيرت مدة الرئاسة من مدتين إلى مُدد متعددة، وحتى لا تتكرر هذه المأساة، ويأتى من يغير دستور مصر من مدتين مرة أخري. ماذا نفعل .. وكيف نحمى دستور مصر الجديد؟ فبعد «ثورة 52 يناير» .. نشعر بالفخر لأننا سنضع دستوراً جديداً يضمن تداول السلطة وحرية الرأى ومشاركة المصريين فى الحكم، وربما ننعم بذلك لعدة سنوات أو عدة أجيال ثم تجد مصر نفسها أمام ظروف تاريخية مختلفة. ومع اختلاف المناخ السياسى ربما يخرج رئيس مصر ليقول إنه ونظراً للظروف التى تتعرض لها البلاد والتى ستكون ظروفا صعبة كالحرب أو غيرها سيضطر إلى البقاء فى الحكم لفترة ثالثة مجبرا طبعا!! على غرار ما حدث فى أمريكا حيث ظل الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت يحكم أكثر من ثلاث فترات منذ عام 1933 وحتى وفاته عام 1945 لأن بلاده دخلت فى ظروف صعبة خلال سنوات الحرب، ولكن روزفلت عندما ظل فى الحكم لم يتجه إلى تعديل الدستور، بل ظلت مدة الرئاسة فترتين فقط، ولكن الخوف أنه إذا مرت مصر بظروف صعبة وربما بعد سنوات لا يعلمها إلا اللَّه يتجه الرئيس فى هذه الحالة وبدافع الشهوة فى الحكم إلى محاولة تعديل مدة حكم الرئيس، ولا شك أنه فى هذه الآونة الاستثنائية التى يمر بها الوطن يجد الرئيس تعاطفا وتأييداً كاملاً من المؤسسات التشريعية مع ما يكون من تطوع أبواق النفاق والخدمات المجانية للسلطة، لنجد أنفسنا نعود مرة أخرى قروناً للوراء ليستبد بنا الحاكم، وتتأبد له السلطة مرة أخري، وربما يطمع فى توريثها لأولاده، وهذا يتطلب منا أن نضع شرطا ضروريا على الفقرات التى تخص مدة الرئاسة، فتكون غير قابلة للعبث بها أو تغييرها، فضبط الدستور وحمايته يحتاجان إلى تحصين هذه المواد الدستورية ضد التعديل. نحن لا نأمن للرؤساء من خلال تجاربنا السابقة، فلا تتركوا للرئيس ولا للبرلمان ولا لأى قوة حتى الاستفتاء الشعبى فرصة للعبث بمدة الرئاسة، فاليوم ثورة والأشياء واضحة والمطالب محددة، ولكن غداً عندما تصبح البلاد فى يد رئيس ومجلس تشريعى يرغب فى إرضائه لا نضمن ماذا يحدث لمدة الرئاسة والقوانين المتعلقة برئاسة الدولة فلنجعلها غير قابلة للتعديل، لأنه كفانا من ضعاف النفوس والأقزام الذين يبيعون كل شيء فى لحظة ضعف مخزية لإرضاء السلطة من أجل مصالحهم ويكون شعارهم، فليذهب صالح الوطن إلى الجحيم.