في الوقت الذي تعود فيه مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلي محاولة إعادة بناء ذاتها من جديد علي ضوء مباديء الثورة من كرامة وحرية وعدالة اجتماعية. وإلي استعادة دورها القيادي في المنطقة, وإلي سياستها المستقلة, والوقوف بجانب الحقوق العربية, والانفتاح علي الدول الافريقية والغربية. وفي الوقت الذي تصارع لحل المشكلات الاقتصادية, وتتلمس طريقها لترسم ملامح وجهها سياسيا كدولة مدنية حديثة تستند إلي حقوق المواطنة والقانون والدستور, وتلهم دول المنطقة والعالم من حولها, وتقف في وجه ظواهر تميل إلي التفتت وإضعاف سيادة الدولة والنزوع إلي الصراعات في منطقة غير مستقرة يأخذ العامل الديني حيزا واهتماما خاصا فيها في هذا الوقت الذي تحتاج فيه مصر إلي أيدي كل أبنائها في الداخل والخارج, تذهب فئة قليلة لا تعبر عن المسيحيين في مصر, ولا تعبر عن كل أقباط المهجر إلي الكونجرس الأمريكي وإلي الأممالمتحدة, لطلب الحماية الدولية لمسيحيي مصر. والسؤال الآن ما هو الموقف الصحيح أمام هذا التحرك المرفوض؟ أولا الإدانة الشديدة والرفض القاطع لهذا التحرك المريب ولأي لون من ألوان التدخل الأجنبي في بلدنا. ثانيا الرد لا يكون بالإهمال أو الانفعال المؤقت بل بالمعالجة الجذرية في الداخل علي أرض الواقع. ثالثا الإسراع في إصدار قانون حظر التمييز بين المواطنين والذي قدمه المجلس القومي لحقوق الإنسان إلي مجلس الوزراء ويدعو من خلاله إلي حماية تكافؤ الفرص وحظر التمييز بين المواطنين علي أساس ديني أو غيره, سواء في أماكن العمل أو دور العلم أو غيرهما. وكما جاء في جريدة الأهرام كان قد قدم هذا المشروع للجهات المعنية في الدولة عام8002 وتم تجاهله في حينه, والآن بفضل ثورة52 يناير أصبح استصدار هذا القانون ضرورة لا غني عنها لمواجهة صور من الظلم الاجتماعي والاقتصادي الصارخ منذ عقود. رابعا الحماية في نظري تأتي من العيش المشترك والفهم الواعي والمحب والصادق للآخر. وهي حماية متبادلة كما حدث في وهج الثورة حيث قام كل جانب بحماية الآخر وهو يصلي. خامسا من المهم إصدار القوانين اللازمة والواضحة التي تجرم وتردع التجاوزات, ولكن الأهم هو التطبيق والممارسة والمتابعة. سادسا الحماية المطلوبة هي حماية بلدي من كل من يتربص بها ويعيق تقدمها, في عصر سقطت فيه كل الحواجز والمسافات أمام انتقال المعلومات, وفي وقت ظهرت فيه تيارات عديدة متشددة تثير موضوعات لا مجال ولا وقت لها, تخصم من رصيدنا الحضاري أمام العالم ولا تضيف لنا شيئا علي الإطلاق, مثل التصريحات غير المدروسة والتي تثير النعرات الطائفية, أو الاعتداء علي دور العبادة, أو الضجة المفتعلة حول سيدة أو فتاة تريد أن تنتمي إلي الإسلام أو إلي المسيحية. سابعا جاءت وثيقة الأزهر التي أعلنها فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والتي ناقشها نخبة من المثقفين حول مستقبل مصر, لتجسد التحرك المطلوب والمعالجة الشجاعة والمستنيرة لحماية الأمة ككل والتحرك الواثق نحو التقدم المنشود, ابتداء من دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة إلي آخر المبادئ التي احتوتها هذه الوثيقة التاريخية. المزيد من مقالات د. القس مكرم نجيب