طباخ السم لابد أن يتذوقه.. مقولة تكاد تنطبق علي أشهر وأعرق صحيفة بريطانية تخصصت خلال168 عاما من عمرها الصحفي في نشر فضائح السياسيين والمشاهير وحتي الرياضيين, . غير مدركة أنها في يوم من الأيام سيتحول اسمها إلي فضيحة تتداولها جميع وسائل الإعلام البريطانية المقروئة والمرئية لينتهي الأمر بقرار من مالكها بإغلاق الجريدة التي جذبت نحو7,5 مليون قارئ وكانت تبيع اكثر من2 مليون نسخة أسبوعيا ' شكرا لكم.. وداعا' كان عنوان العدد الأخير لجريدة' نيوز أوف ذا وورلد' المملوكة لامبراطور الإعلام روبرت ميردوخ الذي إتخذ قرار إغلاق الجريدة بعد تورط جريدته وبعض من محرريها في فضيحة تنصت علي هواتف محمولة خاصة بمشاهير سياسة وفن ورياضة, بجانب أهالي ضحايا بريطانيين قتلوا في حربي العراق وأفغانستان.ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بسرقة معلومات من الرسائل الهاتفية من أجل الحصول علي أبعاد أكثر للقضايا وإخفاء أدلة مهمة قد تعيق سير التحقيقات. كلمة السر كانت' مولي دولر' تلك الفتاة ذات الثالثة عشرة ربيعا التي تم إختطافها وقتلها عام2002 وأثار لغز اختطافها إهتمام وسائل الإعلام البريطاني كله, فقد توصل أحد الصحفيين في الجريدة إلي رسائل الفتاة الهاتفية بينما تتحرك البلاد بأكملها من أجل العثور عليها. وبغرابة شديدة تمكن الصحفي من الوصول إلي المعلومات بسهولة ولم يكتف بالتجسس علي رسائلها بل محي كثيرا منها مدمرا بذلك أدلة مهمة وجاعلا الأسرة تعتقد أن الفتاة علي قيد الحياة وأنها مازالت رهن الإختطاف. ومع اكتشاف الفضيحة أصبح من الصعب السيطرة عليها فانتشرت كالنار في الهشيم لتطيح بكل من يقف في وجهها, بدءا من ميردوخ نفسه الذي تلطخ اسمه وإسم مجموعته' نيوز كورب' التي تملك صحفا أخري كصحيفة' صن' و' التايمز', وجعل من حلم إمتلاكه61% من مجموعة' بي سكاي بي' أشبه بالكابوس, مرورا برئيس التحرير الحالي للجريدة أندي كولسون الذي وضع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في حرج هو في غني عنه, كونه كان يشغل منصب مدير العلاقات العامة في حكومته, إلا أن كاميرون حاول أن ينأي بنفسه عن هذه القضية تجنبا للإضرار بشعبيته واكتفي بقوله أنه يشعر ب' اشمئزاز' من ممارسات الصحيفة وطالب بفتح تحقيق قضائي كامل في تعيين كولسون مديرا للعلاقات العامة, وصولا إلي ريبيكا بروكس' الابنة المدللة' لميردوخ ورئيسة التحرير السابقة للجريدة والتي تتسلط عليها الأضواء حاليا والتي نفت في التحقيقات أن يكون لها أي دخل بالفضيحة, إلا أن البعض يري ضعف موقفها, ومع إستغلال صحف التابلويد الأخري للفضيحة كصحيفة الجارديان التي كشفت تحرياتها الممارسة الواسعة للتنصت للصحيفة خصوصا خلال تربع بروكس علي عرشها تبين أن القوائم التي بحوزة الشرطة تحتوي علي أكثر من4000 اسم. الصحيفة بدأت رحلتها بجملة' شعارنا الحقيقة وعملنا الدفاع المستميت عن الحقيقة' وانتهت وهي تواجه حقيقة ان ممارسة رجالها في تشويه الحقيقة كانت وراء نهايتها' بفضيحة'! وفي الوقت الحالي يقبل البريطانيون علي شراء أخر نسخة ك'ذكري' او قطعة من تاريخ مضي وانتهي, ولهذا حرصت الصحيفة علي طباعة5 ملايين نسخة لهذا العدد الأسطورة سيتم توزيع أرباحها بالكامل كما أكد جيمس ابن روبرت ميردوخ- علي المنظمات العاملة علي تحسين الحياة في بريطانيا والمكرسة لمعاملة الآخرين بكرامة. فضيحة' ووتر جيت البريطانية' كما أطلقت عليها وسائل الإعلام- تيمنا بفضيحة التنصت الأمريكية في سبعينات القرن الماضي- هي في الواقع مجرد ختام لعد تنازلي بدأ منذ عام2006, حينما إعتقلت الشرطة محرر الشئون الملكية في الصحيفة كلايف جودمان والمحقق الخاص جلين مولكير بتهمة التنصت علي هواتف عدد من أفراد العائلة المالكة بمن فيهم الأمير ويليام وسجلت مكالمات هاتفية له وصديقته- وقتها- كيت ميدلتون, وبالفعل تم التحقيق معهما والحكم علي جودمان بالسجن4 سنوات وعلي مولكير ب6 أشهر بعد إعترافهما بالجريمة ليدفعا وحدهما الثمن, ورغم كل الأدلة المتوفرة والشكاوي فإن الشرطة لم تفتح التحقيق حتي يومنا هذا لماذا لأن كل الفضائح القديمة أضيف إليها الكشف عن ممارسات فساد ورشاو طالت عددا من عناصر الشرطة. وكما يقول بول ماكمولان صحفي سابق في صحيفة نيوز أوف ذي وورلد:' مائتا جنيه كانت كافية مثلا لأعرف من الذي زار أحد المشاهير بينما قصة جيدة من بضع صفحات مثلا كانت كلفتها ستكون بين خمسة وعشرة آلاف جنيه'. ان نهاية امبراطورية ميردوخ او علي الاقل تأثيره علي السياسة يعني نهاية الغطرسة التي تعاملت بها الصحيفة مع رجال السياسة وصار بإمكان المسئولين النقد والتحدث بصراحة ودون خوف من وحشية جريدة كانت علي استعداد أن تدمر أي سياسي يفكر في التجرؤ عليها أو حتي إنتقادها!