قد يعجب البعض إذا قلت إن السبب الأساسي في فشل لاعبي كرة القدم المصريين في الخارج هو سبب ثقافي. وطبعا سيقول البعض كما هي عادتنا إن لاعبينا لم يفشلوا بل حققوا نجاحات كبيرة.. لكن الواقع أنهم برغم نجاحاتهم الأفريقية الكبيرة قد فشلوا فشلا ذريعا علي الصعيد الدولي, حيث لم يصل لاعب واحد إلي مستوي عالمي مثل بعض اللاعبين الأفارقة من أمثال الكاميروني إيتو والكوت ديفواري دروجبا والشقيقين يحيي وحبيب الله توري. وهناك بالإضافة إلي هؤلاء الأربعة العديد من لاعبي الدول الإفريقية صاروا من اللاعبين الأساسيين في أندية عظمي مثل ريال مدريد وبرشلونة وإنترميلانو وغيرها. والمفارقة هي أن اللاعب المصري أثبت تفوقه علي كل لاعبي إفريقيا وقهر كل المنتخبات الإفريقية وفاز ببطولة القارة السمراء ثلاث مرات علي التوالي. وبالمنطق فإن لاعبينا أولي بالتفوق والتألق في الأندية الكبري من لاعبي إفريقيا. لكن الواقع هنا يتناقض مع المنطق. واللاعب الوحيد الذي أثار بعض الضجة لبعض الوقت في انجلترا وأصبح لفترة قصيرة هداف الدوري العام الانجليزي هو عمرو زكي لكنه سرعان ما أفل نجمه وعاد إلي مصر. وقد قرأت تصريحا لمدرب نادي ويجان الذي كان يلعب له قال فيه إنه لم يتعامل في حياته مع لاعب غير منضبط مثل عمرو زكي. وأعتقد أن ذلك هو مربط الفرس. فاللاعب المصري تربي في حضن ثقافة لا تعترف بالالتزام ولا تحترم الانضباط. فالاستهتار أصبح السمة الغالبة في كل مناحي الحياة. وقد تشرب كل رياضي في مصر بتلك النزعة العشوائية وعدم الالتزام بالقواعد والاستهتار بالقوانين والضوابط. ومن يشاهد مباراة في الدوري المصري يري العجب العجاب. فكل لاعب يعتبر نفسه حكما ومدربا ومشجعا وممثلا مسرحيا كما سأشرح بدلا من أن يقتصر دوره علي اللعب ويكون كل تركيزه في المباراة وكيفية انتزاع الانتصار من الخصم. فمع كل صفارة للحكم تجد اللاعبين يرفعون أيديهم احتجاجا ويقفزون إلي أعلي ويلوحون ويشوحون في وجه الحكم. وكثيرا ما يحيطون به ويحاولون تخويفه وإرهابه حتي يتردد بعد ذلك قبل إطلاق صفارته. ووسط أحرج لحظات اللعب التي تحتاج إلي أقصي درجات التركيز يرفع اللاعب يديه ملوحا للحكم وحامل الراية, مشيرا لتسلل الخصم أو لارتكابه خطأ وكأن الحكم أصيب بالعمي وهو الذي سيكشف له خطأ اللاعب المنافس. ولا يكف اللاعبون عن رفع يدهم علامة الكارت الأصفر أو الأحمر كلما ارتكب الخصم خطأ وكأن الحكم ينتظر منهم هذه الإشارة لمعاقبة اللاعب المخطيء. ولا يكتفي لاعبو الفرق الكبيرة بذلك بل يتوجهون ناحية جماهيرهم وخاصة الدرجة الثالية ويحاولون إثارتهم ضد الحكم, ويلوحون للجمهور وكأن كل واحد منهم قائد أوركسترا يتحرك الناس علي إيقاع حركات يديه. وتنساق الجماهير وراء نجومهم فيصبون اللعنات علي الحكم ويقذفون الملعب بكل ما يقع بين أيديهم وتتعالي أقذع الشتائم وتسود مدرجات الملعب حالة من الفوضي والهرج التي تخرج أحيانا عن حد السيطرة. وكثيرا ما يتحول اللاعب إلي ممثل مسرحي بارع.. فهو عندما يتعرض لأقل احتكاك به بعض الخشونة تجده يسقط علي الأرض ويتلوي ويصيح وتظهر عروق رقبته وكأنه قد أصيب إصابة بالغة ستقعده عن الملاعب لشهور إن لم يكن مدي الحياة. ويغالي البعض مغالاة مضحكة فيضرب الأرض بيديه ويهتز جسده وكأنه أصيب بحالة من الصرع والعياذ بالله. وعندما عدت إلي الوطن بعد طول غياب من ثماني سنوات كنت أفزع عندما أري اللاعبين يقومون بهذه الحركات وأصدق أنهم في حالة خطيرة فينخلع قلبي خوفا عليهم.. ثم أجهدم بعدها بلحظات يقفون علي أرجلهم ويجرون ويقفزون وكأن شيئا لم يكن. وأذكر أنه عندما أصيب اللاعب الكبير طه اسماعيل في طوكيو في الستينيات من القرن العشرين بكسر مضاعف في الساق لم يفعل ربع ما يفعله لاعبو اليوم عندما يتمرغون في الأرض ثم ينتفضون بعد لحظات ويكملون المباراة بعد ذلك دون أدني مشكلة. صحيح أن اللاعب الإفريقي يتميز بمعرفة الانجليزية أو الفرنسية مما يساعده علي التأقلم في الخارج.. لكن اللغة وحدها لا تساوي شيئا إذا لم تكن مقرونة بثقافة الانضباط واحترام المواعيد والالتزام بالكلمة والبعد عن الكذب و'الفهلوة'. فاللاعب الإفريقي يتربي منذ الصغر علي طاعة المدرب والانصياع للمسئولين عن الفريق وتوجيه كل تركيزه إلي كرة القدم وحدها ولا علاقة له بشيء آخر غير تنفيذ الخطة الموضوعة للفوز. ولو كف لاعبونا عن تشتيت طاقاتهم في أمور ليست من اختصاصاتهم ولو قصروا دورهم في الملعب علي اللعب دون الاعتراض وتهييج الجماهير وادعاء الإصابة والفذلكة واتخاذ المبادرات الفاشلة لكانوا من أفضل لاعبي العالم. فهم يملكون المهارات والموهبة والقوة البدنية لكنهم يفتقرون إلي الثقافة الرياضية التي تمثل نسبة كبيرة من نجاح الفرق الكبيرة في كل الألعاب. وأعتقد أن لاعبينا في حاجة إلي استشاري نفسي وهو أمر موجود في كل الفرق الكبيرة. وليس معني ذلك أنهم يعانون من مرض نفسي لكنهم في حاجة إلي فهم دورهم وإلي تقوية معنوياتهم لمواجهة المواقف العصيبة والبطولات الكبيرة. اللاعب المصري يمتلك قدرات لا يمتلكها غيره. لكنها مستنزفة ومشتتة لأنه غير واع لدوره الحقيقي في الملعب ويتصور أن من واجبه توجيه المباراة في الاتجاه الذي يريده.. ليس عن طريق اللعب والتفوق علي الخصم ولكن عن طريق التدخل في علم الحكم والمدرب وغيرهما. هذا هو الفارق الكبير بين اللاعب المصري واللاعب الأجنبي. وقد أدرك الأفارقة ذلك فأدخلوا أنفسهم في القالب الصحيح وأصبحوا من النجوم التي تتهافت عليها الأندية الكبري. لاعبونا يستحقون أن يكونوا من بين أبرز نجوم العالم بشرط أن يتخلصوا من ثقافة' الفهلوة' وعدم الانضباط وغياب التركيز في واجباتهم الأساسية.