منذ خمسة أشهر تابع العالم احتشاد مئات الآلاف من المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير بوسط القاهرة مطالبين بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك الذي حكم مصر لنحو ثلاثة عقود. والآن تتجمهر مجموعات بالمئات من أنصار مبارك مثلما فعلوا الشهر الماضي في ضاحية راقية بالقاهرة ورددوا هتافات عبروا فيها عن حبهم لمبارك. وأصيب العشرات في اشتباكات اندلعت في وقت لاحق من ذلك اليوم 24 يونيو حزيران بين المتعاطفين مع مبارك ومعارضين في مشهد آخر من الاحداث التي تعيشها مصر وهي تحاول تطبيق إصلاحات والانفتاح على مزيد من الديمقراطية. لكن الإحباط من وتيرة تلك الإصلاحات فضلا عن الواقع الاقتصادي السيء جعل بعض المصريين يشعرون بأنهم لو لم يكونوا يريدون العودة بالزمن الى الوراء فإن بعض جوانب حكم مبارك لم تكن بالسوء الذي بدت عليه في ذلك الحين. وقال كريم سويلم (43 عاما) وهو موظف بشركة سياحة "أعمل في السياحة ورزقي الآن في خطر لأن كل تلك الاحتجاجات المستمرة أبعدت السائحين." ويوفر قطاع السياحة بمصر الثمن من اجمالي الوظائف ويمثل عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكن الأسابيع التي شهدت اضطرابات قبل وبعد الإطاحة بمبارك أثنت أعدادا كبيرة من السائحين عن زيارة البلاد. ولاتزال البطالة التي كانت احد محركات الثورة في تزايد بعد أن أضرت التطورات السياسية بالاقتصاد. وقال شادي حامد مدير قسم الأبحاث بمركز بروكينجز الدوحة إنه متى يشعر الناس بالإحباط من الثورات وهذا يحدث دائما لا محالة فإنهم يميلون الى التطلع الى الماضي بشيء من الحنين. وتابع أنه اذا استمر ركود الوضع الاقتصادي والبطالة او فصل الناس من وظائفهم سيصبح هناك خطر أن يقول الناس إنه ربما لم تكن الأمور بدرجة السوء التي كانوا يعتقدونها في عهد مبارك. وكان مبارك الذي بدا دائما واثقا ولم تظهر عليه اي ذرة من الشك يحب أن ينظر اليه على أنه زعيم كريم لا يكل في ان يحمي امن واستقرار بلاده ويخدم مصالح شعبه. ومن المقرر أن تبدأ محاكمة مبارك (83 عاما) في الثالث من اغسطس آب بتهمة قتل المتظاهرين واستغلال النفوذ. ولم يظهر الرئيس السابق علنا منذ تنحيه وهو يرقد الآن بمستشفى شرم الشيخ لكنه ينفي ارتكاب اي مخالفات. ويقول مؤيدوه إنه أنقذ مصر من الفوضى بعد اغتيال سلفه الرئيس الراحل انور السادات عام 1981 وجنب مصر الحروب وأعاد العلاقات مع الدول العربية بعد توقيع معاهدة السلام مع اسرائيل عام 1979 عقب التأجيل لفترات طويلة وسمح لحكومته بفتح الاقتصاد لتحفيز النمو. وتقول سالي ميلاد (26 عاما) وهي مصممة جرافيك "يجب الا نعتبر أن السلام والاستقرار اللذين تمتعنا بهما في عهد مبارك أمر مسلم به." وأضافت "إنه يستحق خروجا كريما لأنه أنقذ الكثير من الأرواح حين قرر التنحي وليس مثل (معمر) القذافي في ليبيا او بشار (الأسد) في سوريا اللذين أودى عنادهما بحياة الكثير من الأبرياء." وأسفرت انتفاضة دموية على حكم الزعيم الليبي القذافي عن مقتل الآلاف في حين تقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الانسان إن عدد القتلى في سوريا يتجاوز 1300 وإن 12 الفا اعتقلوا. واستطاع مبارك أن يقمع تمردا للإسلاميين المتشددين في صعيد مصر في التسعينات بعد مقتل 1200 شخص. وبالنسبة لبعض المصريين فإن محاكمة القائد السابق للقوات الجوية لا تمثل اولوية ملحة ضمن قائمة طويلة من المطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية في دولة بها واحد من أعلى معدلات التضخم في اسعار الغذاء. وتقول نجوى حسن (57 عاما) وهي ربة منزل "بقدر سعادتي بأن مبارك لم يعد يحكم مصر اخيرا بعد كل الفساد الذي تعرضنا له الا انني متعاطفة معه لأنه رجل مسن." ونبع معظم الضغط لمحاكمة مبارك من الحركات الاحتجاجية والمعارضة وليس بالضرورة من المواطنين المصريين العاديين. ويشكو نشطاء من أن الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة مثل استخدام الشرطة للقوة ضد المتظاهرين والأحكام القضائية التي برأت ثلاثة وزراء من إدارة مبارك من تهمة الكسب غير المشروع فضلا عن الإفراج عن بعض ضباط الشرطة المتهمين بقتل المحتجين تتعارض مع الإصلاح. وقال محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين التي قالت في باديء الامر انها ستقاطع احتجاجات الثامن من يوليو ثم عدلت عن ذلك وأعلنت مشاركتها فيها إن القانون فوق الجميع وإنه يجب تطبيق العدالة على كل الناس سواء كانوا شبانا او متقدمين في العمر. ويقول معارضو مبارك إنه لم يتخذ خطوات عملية لتعزيز الديمقراطية في مصر كما ان فشله المزمن في تغيير نظام سياسي فاسد وشمولي لازمه بعد أن ظل على رأس الحكم لنحو 30 عاما. ويرى منتقدوه أن الإصلاحات السياسية وضعت لضمان احتفاظ مبارك وحلفائه بقبضة حديدية على السلطة في حين خشي كثيرون من تكوين اسرة حاكمة لو كان ابنه جمال تولى الرئاسة خلفا له. وقال مصرفي مصري طلب عدم نشر اسمه "هكذا تطور الفساد لأن اكبر رأس في السلطة كان اكبر لص... الدولة كانت في ايدي أشخاص لم يسيئوا ادارتها فقط وإنما أساءوا لشعبها." وحررت حكومة مبارك الاقتصاد في الأعوام القليلة الماضية وهو ما أشاد به مستثمرون أجانب لكن هذا كان على حساب الفقراء وأدى الى اتساع الهوة بينهم وبين الأثرياء. وقال مجدي نبيل (22 عاما) وهو طالب جامعي "يجب أن يعاقب (مبارك) على كل الضرر الذي ألحقه بالبلد. لماذا يحصل على معاملة خاصة؟" وأضاف "أتعشم أن يتوقف الجيش عن معاملته باللين. هناك الكثير من الموالين له داخل الجيش." ورد الجيش على هذا هو أن مبارك كزعيم كانت له نقاط قوة ونقاط ضعف وإن الكلمة الأخيرة ستكون للقضاء. وقال مصدر بالجيش "لا أحد فوق سيادة القانون والقوات المسلحة لا تتدخل في تلك الأمور."