فيلم سبارتاكوس محرر العبيد للممثل الأمريكي الشهير كيرك دوجلاس يعد واحدا من أهم كلاسيكيات السينما العالمية. ويحكي قصة العبد سبارتاكوس الذي أسر وبيع كعبد لأحد الرومان, الذي كان يمتلك ويدير مدرسة لتدريب العبيد لاستخدامهم مبارزين ومصارعين في حلبات خاصة, يقومون فيها بالمصارعة والنزال حتي الموت, من أجل إمتاع النبلاء والوجهاء في المجتمع الروماني, ومن كان يعترض من هؤلاء العبيد يقدم علي الفور إلي الوحوش الضارية لتلتهمه وسط الصراخ الهستيري من الجماهير المتعطشة للدماء, استطاع سبارتاكوس الهرب مع سبعة من رفاقه وتحصنوا في جبل فيزوفيوس وانضم له آلاف العبيد الهاربين من قسوة الحكم الروماني المتعطشين للحرية, وفي زمن وجيز تمكن سبارتاكوس من تكوين جيش ضخم منهم, واستطاع بعد حروب ضارية هزيمة الجيش الروماني الأسطوري, وأسر معظم قواده ونبلائه, ووسط الاحتفالات والفرحة الغامرة بالنصر. نهض سبارتاكوس وسأل أتباعه وأنصاره عما يريدون فعله بالأسري, صاحوا جميعا: نريدهم خدما وعبيدا يتصارعون حتي الموت, أو نلقي بهم إلي الوحوش الضارية, كما كانوا بنا يفعلون, سكت سبارتاكوس وهو ينظر إليهم مليا ثم قال: لقد قمنا بثورتنا لنحرر الناس لا لنستعبدهم, وأعتقد أن ما يدور بمصر في هذه الأيام يتماس كتيرا مع اللحظة التاريخية لسبارتاكوس. مبدئيا أنا لست من أنصار سبارتاكوس وطهارته الثورية, فلسنا أنبياء أو قديسين لكي نعفو عن الجميع دون استثناء, كما أني أيضا ضد التطرف الثوري الذي يدعونا للإزاحة والإطاحة بمعظم سياسيي ورجال أعمال ماقبل ثورة25 يناير فهذا ظلم بين, ولنتأمل الآتي: كانت التقديرات المطروحة علي الساحة السياسية إبان العام الماضي, تقدر عدد أعضاءالحزب الوطني ب5 ملايين عضو وأحيانا ب3 ملايين عضو, أضف إليهم أعداد قوات الأمن المقدرة بمليونين و800 ألف, منهم علي الأقل مليون ونصف المليون فرد أمن بكامل عدته وعتاده جاهزون للتصدي الفوري لأية تظاهرة, ناهيك عن أعداد البلطجية والعمال العاملين ببعض مصانع رجال الأعمال المتورطين في الفساد.. كل هذا الكم في مقابل أعداد الثوار بكل محافظات مصر والمقدرة برقم يتراوح بين15 مليونا و20 مليونا, ولو فرضنا أن كل عضو بالحزب الوطني هو عضو فاعل, ومنتم انتماء حقيقيا لحزبه, ونزل الي الشارع أثناء الثورة في سبيل الدفاع عما ينتمي إليه كان الثوار سيواجهون أكثر من ثلث عددهم في الشوارع والميادين, ولأصبحت المعارك أكثر دموية وما استطاعت الثورة بأي شكل من الأشكال, النجاح في إزاحة النظام الفاسد والانتقام من خصومه في مدي ثمانية عشر يوما فقط. نجحت الثورة لأن رجال النظام الفاسد كانوا يدافعون عن نظام متهاو وهيكل متداع, فلا عزم الجندي كان بقدر عزم الثأئر, ولا عضويات الحزب الوطني كانت عضويات حقيقية, بل هي مجرد عضويات علي ورق, مجرد كارنيه لحزب مسيطر وهميا يسهل لحامله طلب وظيفة, أو المرور بسلاسة من اللجان والكمائن, أو يزيد من فرص حصوله علي تأشيرة الحج, أو تخفيض مصروفات العمرة, أو تسهيل الحصول علي السماد والبذور والتقاوي,. وبالرغم من أن هذا نوع من الفساد السياسي مرفوض ويجب أن يجرم, لكن يجب أن نلتمس لهم العذر لأنهم لجئوا إليه مضطرين في بلد كانت ظروفه الإقتصادية تضيق أمامهم كل لحظة بينما تتسع للفاسدين, السؤال الآن هل هذا الفساد السياسي للعضويات الصغيرة يستحق الإقصاء عن الحياة السياسية بعد25 يناير, وهل فسادهم يفرق كثيرا عن الأحزاب الورقية الأخري التي أغلقت مقارها يوم25 يناير بدعوي أن هذا عيد قومي يجب الاحتفال فيه بصمود رجال الشرطة ضد الاحتلال البريطاني, واستمرت في غلق هذه المقارات إلي ما بعد جمعة الغضب, وعدد الشهداء والمصابين في تزايد مخيف, وهل الفرق بينهم كبير وبين السياسيين والمفكرين الذين كانوا يتلونون في كل يوم من أيام الثورة ؟ مرة مع عدم تكدير الشرطة بالتظاهر في عيدها ومرة مهللين بخبر تعيين نائب للرئيس المخلوع, ومرة مع بقاء الرئيس حتي نهاية مدته, وهكذا دواليك, ثم تحولوا180 درجة والآن يركبون قطار الثورة في مقصورة الدرجة الأولي, منتهزين الفرصة لقيادته. للأسف بعض ما يحدث الآن نوع من السذاجة السياسية, فلا رجال الأعمال كلهم فاسدون وانتهازيون, والدليل وجود بعضهم معنا أثناء الثورة جنبا بجنب وذراعا بذراع, نالوا من الأذي ما نلنا, وتبرعوا للمعتصمين بالخيام والبطاطين والأدوية, ولا الأغلبية الصامتة تستحق أن تحرم من مكاسب الثورة, فمنهم من بات أمام منزله يحمي جيرانه وأسرته, ومنهم من دعا لنا في صلاته, ومنهم من كف لسانه عن أذي الثوار, وكلها مشاركات في الثورة أيضا. الثورة ليست شركة مساهمة يتربص بمجلس إدارتها الساسة المحترفون, ولا يجب أن تختزل في ميدان التحرير, ويعتليها الأقوي والأجهر صوتا, الثورة في رأيي لم توطد أقدامها بعد, وبدلا من أن ننشغل بغنائمها, علينا أن نحميها, وننتبه ونحذر من المتربصين بها, وألا نقصي أحدا عنها إلا من تسبب في فساد مالي وسياسي أو انتهك حقوق المواطنين, وندع القانون يتولي عقابه, افتحوا كل الملفات وعاقبوا المفسدين بشدة, لكن أيضا مهدوا الطريق أمام كل من يريد خدمة مصر الباقية إلي يوم الدين. المزيد من مقالات مكاوى سعيد