الفكرة السائدة عند الكثير من الجماعات الإسلامية والدعاة الإسلاميين الذين يطالبون بشدة وحماس لتطبيق الإسلام, أن الذي ينقصنا هو العمل بنظام العقوبات في الإسلام. وهم يتصورون أن أي زعيم مخلص لدينه وعقيدته يصل إلي الحكم في أي دولة إسلامية, فما عليه إلا أن يعلن من اللحظة الأولي لحكمه عن تطبيق هذه العقوبات. وهذا خطأ كبير, وفيه أكبر إساءة إلي الإسلام, فالإسلام ليس مجرد نظام عقوبات, وهو أعظم من أن نحصره في العقوبات. ومعني تطبيق الإسلام بذل الجهد الخالص لوجه الله ولغير أي مطمع دنيوي أو مصلحة شخصية لإصلاح أحوال البلاد ورفع الظلم عن العباد وتحسين الاقتصاد.. والبناء والتعمير والتعليم والتطوير, كما أن الشريعة الإسلامية تقرر بكل حسم أن الحدود والعقوبات آخر ما يطبق من الإسلام!! وأن هناك شروطا لهذا التطبيق لا يمكن لأي حاكم أن يتخطاها, وإلا يصبح حكمه وقراراته وأوامره كلها غير شرعية, وغير إسلامية.إن الباحثين والمفكرين المحايدين في أوروبا يعلنون دائما أن نظام العقوبات في الإسلام فيه قسوة وشدة وعنف.. وهم معذورون في هذا كل العذر, لأن ما يشاهدونه يطبق في الدول التي تدعي أنها تحكم باسم الإسلام هو صورة مشوهة وغير شرعية.. والإسلام بريء منها, فالشرط الأول لتطبيق هذه العقوبات هو إصلاح المجتمع أولا إصلاحا جذريا, بحيث يصل أفقر رجل في الرعية إلي ما اصطلح عليه فقهاء المسلمين( بحد الكفاية) بل سموه( حد الغني). فلا يضطر أحد إلي السرقة ثم تقطع يده. ويصبح لكل مواطن السكن اللائق والعمل والرزق حتي يتزوج ويتجنب الزنا.. وأن يتحقق الأمن والمساواة والعدالة الاجتماعية, حتي لا يحس أحد بالظلم أو المحسوبية, وبعد أن يقوم هذا بالكامل, فلن يكون هناك ظلما في تطبيق العقوبات, ولن تعتبر شديدة أو قاسية مع من ينحرف بعد كل هذا العطاء. وقد يعترض بعض المتشددين بأن تحقيق هذا المجتمع المثالي الناهض أمر صعب المنال ويحتاج إلي سنين من التخطيط والصبر والانتظار. ومعني ذلك أننا لن نستطيع تطبيق نظام العقوبات إلا بعد عمر طويل, وقد لا نستطيع تطبيقه أبدا. ونقول لهم علام الاستعجال؟.. إن العقوبة ليست هدفا لذاته, وليست هي الإصلاح المطلوب للقضاء علي الانحرافات بأنواعها, لكن العلاج الحقيقي والجذري يكون بإزالة أسباب الانحراف أولا. ولتكن لنا في ذلك أسوة بقائد هذه الأمة محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي ابتدأ جهاده في المدينةالمنورة بالإصلاح أولا, وظل يكافح في هذا المجال عشر سنوات حتي وصل مجتمع المدينة إلي القمة المثالية التي يحلم بها أي إنسان, ثم لم ينزل نظام العقوبات إلا في أواخر حياته, وبعد أن اكتمل المجتمع, وزالت أسباب الانحراف, وبذلك لم يوقع عقوبة, قطع اليد إلا مرة واحدة طوال فترة حكمه.