الضمانات والضوابط أولا لا يوجد شكل واحد للممارسة الديمقراطية في كل دول العالم, ولكن هناك قواسم مشتركة تجعل الجوهر الديمقراطي هو الاكثر أهمية مادامت قد توافرت لها الضوابط والضمانات الكفيلة بالحفاظ علي توازن المجتمع واستقراره, واذا كان الحديث عن المقاصد الكلية للديمقراطية فيجب أن تكون تلك القواسم هي أساس الممارسة, وهي قواسم ليست خافية أو سرية وإنما بات معلوما أن قوامها هو الحفاظ علي حقوق الانسان وحمايتها وضمان الفصل بين السلطات وسيادة القانون ومناصرة الحريات العامة وقبل كل ذلك احترام الممارسة الديمقراطية ذاتها باعلاء مبدأ تداول السلطة, ومن هذا المنطلق فإن الشكل الديمقراطي للمجتمعات قد يأخذها الي النظام البرلماني حيث للحزب الحاكم الكلمة الفصل وفقا للتفويض الشعبي الذي حظي به في انتخابات عامة ديمقراطية ونزيهة ويبقي رأس الدولة رمزا لها وحافظا للتوازن المجتمعي بها عند الضرورة, وأبرز النماذج الناجحة لهذا النظام بريطانيا والعديد من الدول الاوروبية والهند وأيضا بعض الدول الاسيوية. أما النظم الرئاسية وأبرزها بالقطع الولاياتالمتحدةالامريكية ومعها جميع دول أمريكا اللاتينية تقريبا فرئيس الدولة هو المسئول الاول فيها ولا يصل الي منصبه أيضا الا بممارسة ديمقراطية حقيقية, وبرغم ذلك فالمؤسسة البرلمانية الممثلة في الكونجرس تقوم بدور رقابي غاية في الشراسة قد يصل الي حد تعطيل مؤسسة الرئاسة بل وعزل رئيس الجمهورية ذاته أيضا وفقا لقواعد واجراءات ديمقراطية محددة سلفا, ثم هناك النظام البرلماني الرئاسي المشترك مثل فرنسا وإندونيسيا وحتي وقت قريب تركيا وتحظي بتركيبة سلطوية فريدة توزع الصلاحيات بين الرئيس والبرلمان أيضا وفقا لقواعد ديمقراطية صريحة, واذا كانت الحكمة الصينية تقول إنه ليس مهما لون القط مادام يستطيع أن يأكل الفأر, فإنه ليس مهما شكل النظام السياسي سواء أكان برلمانيا أو رئاسيا أو مشتركا مادام سيحقق المقاصد الكلية للممارسة الديمقراطية وجوهرها الحقيقي, وأغلب الظن أن الجدل المحموم الذي تغرق فيه مصر حاليا بشأن أي نظام سياسي تختار وما اذا كان الدستور أو الانتخابات أولا هو بالتأكيد جدل حميد ويعكس حراكا سياسيا مهما ولكنه يعبر أيضا عن سلبيات واضحة أولها أنه يعكس بيروقراطية سبعة الآف سنة تجعل موظفا صغيرا يعطل قرارات استراتيجية وثانيها حالة عدم الثقة في السلطة السياسية نتيجة ما حدث في الماضي وأبرز دلائلها مثلا رفض النظام الرئاسي بزعم أنه سيخلق فرعونا جديدا, هذا الجدل يغرق البلاد في حديث الشكليات والخوف أنه قد ينسينا الضوابط والضمانات الكفيلة بحماية الديمقراطية وجوهرها بغض النظر عن شكل الممارسة. المزيد من أعمدة عماد عريان