كتبت أماني ماجد: في إطار الجهود المبذولة من القوي السياسية والاحزاب الليبرالية المختلفة للخروج من دائرة الجدل السياسي حول أزمة الدستور أولا أم الانتخابات, وقع56 من ممثلي القوي السياسية, باستثناء جماعة الاخوان المسلمين وحزب الوسط, مذكرة تدعو للنظر في تأجيل الانتخابات. أعد المذكرة الدكتور نور الدين فرحات الفقيه القانوني, وتوافقت عليها مختلف القوي السياسية والاحزاب, وتم تقديمها للمجلس العسكري ومجلس الوزراء. نص المذكرة: يتشرف بتقديم هذا إلي سيادتكم ممثلو قوي سياسية مصرية متعددة بهدف السعي للخروج من حالة الخلاف السياسي والاجتماعي السائد في أرجاء مصر منذ الاستفتاء علي تعديلات دستور1971 في19 مارس الماضي ثم صدور الإعلان الدستوري عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة في31 مارس. ومحتوي هذا الخلاف السياسي هو: هل يكون انتخاب مجلسي الشعب والشوري أولا وسابقا علي وضع الدستور الجديد ؟ أم أنه يجب وضع الدستور الجديد ثم علي أساسه يجري بناء مؤسسات الدولة ومنها البرلمان كما يجري شغل موقع الرئيس ؟ وتتمثل أهم الحجج التي يستند إليها القائلون بالرأي الأول في التالي: 1- أن من شأن صدور إعلان أو قرار من المجلس الأعلي للقوات المسلحة يتبني خيار أولوية وضع الدستور علي انتخاب البرلمان مخالفة إرادة الشعب التي أفصح عنها بالموافقة علي تعديلات دستور1971 في19 مارس2011 ومنها المادة189 مكرر والتي جري نقلها بحرفها إلي الاعلان الدستوري في المادة60 منه ومؤداها أن الأعضاء المنتخبين في أول مجلسين للشعب والشوري هم الذين يشكلون لجنة وضع الدستور الجديد. 2- كما يستند القائلون بأولوية انتخاب مجلسي البرلمان قبل وضع الدستور الجديد إلي حجج سياسية متعددة أهمها أن المادة60 من الإعلان الدستوري ومن قبلها المادة189 مكرر من تعديلات دستور1971 قد نهجت نهجا ديموقراطيا في وضع الدستور الجديد إذ أناطت بممثلي الشعب أن يختاروا لجنة وضع هذا الدستور بدلا من أن يكون تشكيل هذه اللجنة بقرار من الرئيس أو من يقوم مقامه. أما الذين يطالبون بأولوية وضع الدستور الجديد قبل انتخاب مجلسي البرلمان فيستندون إلي الحجج التالية: 1- أن وضع قواعد البيت سابق ومقدم علي إقامته. ومن شأن إقامة البناء السياسي علي قواعد مؤقتة( الإعلان الدستوري) ثم إعادة صياغة القواعد مرة ثانية بوضع الدستور الدائم, من شأن ذلك أن يدخل مصر في متاهات من تشكيل و إعادة تشكيل المؤسسات وفقا للقواعد المؤقتة أولا ثم القواعد الدائمة ثانيا, وما أغنانا عن ذلك إن اتبعنا منطق الأمور علي استقامتها بوضع القواعد الدستورية أولا ثم إقامة المؤسسات علي هديها. 2- إنه من غير المقبول سياسيا أو دستوريا أن تستأثر بتشكيل لجنة وضع الدستور القوي السياسة التي ستمتلك مواقع التأثير في البرلمان المقبل, لأن الدستور وثيقة توافق وطني لا يجب أن تنفرد بها أغلبية حزبية, ولأن الأغلبية الحزبية اليوم قد تكون أقلية غدا أما الدستور فوثيقة دائمة, ولأن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور هي أعلي في المرتبة من السلطات التي ينظمها الدستور ومنها البرلمان فكيف يكون تشكيل الهيئة الأعلي بواسطة هيئة أدني ؟ 3- إن إعطاء أعضاء البرلمان المقبل سلطة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور فيه مصادرة علي مضمون الدستور المقبل: فكيف سيقوم برلمان نصفه من العمل والفلاحين بتشكيل لجنة قد تلغي نسبة العمال والفلاحين ؟ وكيف سيقوم مجلس الشوري بتشكيل لجنة قد تلغي وجود مجلس الشوري ؟ هذا كله في غيبة أية ضوابط دستورية حول معايير تشكيل جمعية وضع الدستور الجديد. 4- إن ما يتذرع به الفريق الآخر من أن تشكيل جمعية وضع الدستور قبل انتخاب البرلمان يتعارض مع ما وافق عليه الشعب في الاستفتاء من إضافة المادة189 مكرر إلي الدستور والتي تنص علي أن الأعضاء المنتخبين بمجلسي الشعب والشوري هم الذين يشكلون هذه الجمعية مردود عليه بما يلي: أن نتائج الاستفتاء علي تعديل الدستور فيما يتعلق بمنهج وضع الدستور الجديد لم يتم تبنيها تماما بواسطة الإعلان الدستوري, فعلي حين أغفل الإعلان النص علي الفقرة الأخيرة من المادة189 التي أضافتها التعديلات ووافق عليها الشعب والتي تشترط أن يكون وضع الدستور الجديد بناء علي طلب رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء أو نصف أعضاء مجلسي الشعب والشوري, تبني الإعلان في مادته رقم60 نص المادة189 مكرر من التعديلات التي توجب علي الأعضاء غير المعينين بالبرلمان تشكيل لجنة لوضع الدستور الجديد في إطار زمني محدد دون إحالة إلي المادة189 التي أغفلها الإعلان, مما يكشف عن أن الإعلان الدستوري قد تعامل مع نتائج الاستفتاء علي التعديلات بطريقة انتقائية وأن مصدر القوة الإلزامية لنصوص الإعلان ليس مرجعها موافقة الشعب عليها وإنما صدورها عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة. أن مؤدي الاستفتاء علي التعديل والموافقة عليه أن يعود دستور1971 إلي النفاذ بنصوصه المعدلة وغير المعدلة, وموافقة الشعب علي إلغاء المادة179 من دستور1971 الخاصة بالإرهاب تعني موافقته علي إلغاء هذه المادة وحدها دون أن يشمل الالغاء الدستور بأكمله, وهذا لم يحدث بل جري إلغاء الدستور بأكمله واستبدل به الاعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة مما يفيد أن هذا الإعلان يستند إلي إرادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة دون الاستفتاء. أنه لو قلنا بأن بعض مواد الإعلان الدستوري تستمد شرعيتها من موافقة الشعب في الاستفتاء عليها والبعض الآخر من صدورها عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة دون استفتاء, لكان هذا مبعثا للتمييز والاضطراب في التعامل مع نصوص الإعلان الدستوري. ولتحقيق الاتساق بين مواد الاعلان فلا بديل عن التسليم بأن الاستفتاء الشعبي علي بعض المواد كان مصدرا استئناسيا استرشاديا للمجلس الأعلي للقوات المسلحة, وأن كل نصوص ومواد الإعلان الدستوري تستمد قوتها الملزمة من صدورها عن السلطة صاحبة السيادة التشريعية والدستورية وهي المجلس الأعلي للقوات المسلحة ***** ولما كان الشق الأكبر من خلاف الفريقين يرجع إلي مسائل قانونية يمكن إجمالها فيما يلي: ماهو مصدر القوة الإلزامية للإعلان الدستوري هل هو استفتاء الشعب علي مواده أم واقعة صدوره عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ؟ باعتباره الجهة السيادية التي تستمد شرعيتها من الثورة ؟ هل يجوز للمجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يصدر إعلانا دستوريا تكميليا يخالف في أحكامه المادة60 من الإعلان الدستوري النافذ بإعادة ترتيب الأولويات بحيث يشكل المجلس جمعية لوضع الدستور الجديد أولا ثم يجري انتخاب الرئيس والبرلمان علي هدي من أحكام الدستور الجديد؟ أم أن هذا الإعلان الدستوري المقترح يصطدم بما وافق عليه الشعب في الاستفتاء ؟ ******* وتقضي المادة26 من قانون المحكمة الدستورية العليا بأنه: تتولي المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأ حكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها ويقدم طلب التفسير وزير العدل( م33) وغني عن البيان أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو صاحب سلطة التشريع والتنفيذ وفقا للإعلان الدستوري وبالتالي تنطبق علي قرارات الأحكام المتعلقة بالتشريع الصادر عن البرلمان وعن رئيس الجمهورية. كما تنص المادة66 من قانون مجلس الدولة فقرة أ علي اختصاص الجمعية العمومية للفتوي والتشريع بمجلس الدولة بابداء الرأي في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية التي تحال إليها بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو من رئيس الهيئة التشريعية أو من رئيس مجلس الوزراء أو من أحد الوزراء أو من رئيس مجلس الدولة.