في مطلع الشهر الحالي فاجأت حكومة الدكتور عصام شرف الجميع بإعلان الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد، وكان من أهم بنود الموازنة الجديدة ذلك البند المخصص لزيادة رواتب العاملين بالدولة لما له من بعد اجتماعي، والذي يتضمن وضع حد أدنى للأجر الشهري للعاملين ب700 جنيه، على أن يزداد خلال السنوات الخمس القادمة ليصل إلى 1200 جنيه شهريا، وهو الحد الأدنى الذي أقرته محكمة القضاء الإداري في أثناء تولي حكومة نظيف الوزارة، ولم توضح حكومة الدكتور شرف ووزير ماليته الدكتور سمير رضوان القواعد والمعايير التي استندت إليها في هذا القرار، خاصة أنه قوبل بالرفض من قبل الاتحاد العام للعمال، ولم يؤخذ بمشورة المجلس المنوط به هذا الأمر، وهو المجلس القومي للأجور، كما أنه لم يلق قبولا على المستوى الشعبي نظرا للتطلعات المأمولة من حكومة لقبت بحكومة الثورة، وإن كنا نعلم أن ذلك مرتبط بزيادة العمل والإنتاج الذي تأثرا كثيرا خلال الفترة الماضية. والحكومة بهذه الرؤية المتدرجة لزيادة الحد الأدنى على مدى خمس سنوات أعطت الفرصة والمبرر للتجار الجشعين والاحتكار لزيادة الأسعار خمس مرات، حيث تلتهم هذه الزيادة الجنونية في الأسعار أي زيادة في الأجور، بل تزيد عليها مما يضاعف من الأعباء الواقعة على عاتق المواطنين، خاصة أن المستفيدين - وحسب تصريحات وزير المالية – من زيادة الحد الأدنى هم شريحة تبلغ 1.9 مليون موظف وليس كل العاملين في هذه المرحلة. ومع أني لست من أهل الاختصاص في المجال الاقتصادي إلا أنني كمواطن عادي لا أجد سببا مقنعا للارتفاع غير المبرر في أسعار السلع كلما طرأت زيادة على الرواتب، إذ ما هي العلاقة التي تربط بين أسعار السلع والرواتب، فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار لقلة المعروض وزيادة الطلب، أو نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية، أو بسبب العوامل المناخية إلى غيرها من الأسباب المنطقية التي ليس من بينها زيادة الرواتب، وبالمثل فإنني لا أجد مبررا للحالة الفريدة التي تنفرد بها الأسواق المصرية دون غيرها في زيادة الأسعار محليا عندما ترتفع على المستوى العالمي أو عند ارتفاع أسعار العملات الأجنبية، في حين أن الأسعار عندما تنخفض على المستوى العالمي أو عند انخفاض أسعار العملات الأجنبية فإننا لا نشعر بوجود أي انخفاض يذكر على المستوى المحلي. فالمواطن البسيط ماذا يفعل في هذا الموقف الحرج الذي تضعه فيه الحكومة بأن تعطي له بضعة جنيهات زيادة على راتبه، ثم تتركه بعد ذلك فريسة للتجار الذين يغالون في رفع أسعار السلع دون ضوابط حتى قبل أن يحصل الموظف على راتبه، بل إن الحكومة تقوم من أجل تغطية تكلفة هذه الزيادة في الرواتب بإيجاد موارد مالية إضافية غالبا ما تكون عن طريق إضافة أعباء ضريبية جديدة يمس بعضها الشرائح البسيطة والمتوسطة أو عن طريق تخفيض الدعم على بعض السلع والمواد بما يؤدي لارتفاع أسعارها، فتكون الحكومة أشبه بالتجار الذين يرفعون الأسعار عند زيادة الرواتب . والحل يكمن في أن تدرس الحكومة وضع حد أدنى عادل يعتمد على استقصاء أسعار الاحتياجات الأساسية للأسر من السلع الاستراتيجية التي تعتمد عليها في المأكل، بالإضافة إلى تكلفة السكن والمواصلات والتعليم للأبناء والرعاية الصحية والملبس، وبالتالي يكون مناسبا للتكاليف المعيشية على أرض الواقع، ثم يراعى بعد ذلك وجود فوارق بين العامل غير الماهر والعامل الماهر والخريج الجامعي، وبعد ذلك تأتي الخطوة الأهم وهي ضرورة وجود رقابة مشددة من قبل الحكومة على الأسواق، وتجريم التلاعب بالأسعار خاصة في السلع الاستراتيجية، والضرب بيد من حديد على أيدي المحتكرين والتجار الجشعين، وبذلك نكون قد وفرنا للمواطن الحياة الكريمة والعدالة المجتمعية التي نادت بها ثورة الشعب في يناير، وتكون الحكومة قد أخرجت نفسها من الدائرة المفرغة الموضوعة فيها من سنوات طوال والمتمثلة في مطالبة المواطنين بزيادة الأجور، ثم تجهد الحكومة نفسها في كيفية توفير الموارد لتمويل هذه الزيادة وتأتي الأسعار لتلتهم تلك الزيادة، وتصبح المحصلة النهائية أن المواطن لا يشعر بأي تحسن في مستواه المعيشي، وتذهب الزيادة إلى جيوب التجار وجشعهم، ثم تبدأ الدورة من جديد للمطالبة بزيادة الرواتب. [email protected] المزيد من مقالات حسام كمال الدين