لا يثور بركان الغضب الشعبي فجأة, ولا يمكن ان يحدث الأنفجار بين يوم وليلة, فالأمر يتطلب تراكم مشاعر الغضب وتصاعد مؤشرات السخط في ظل استمرار الأستبداد والتسلط والفساد. ولكن ذلك وحده أيضا لا يكفي فمن المهم أن يشعر الناس بالغضب والظلم. , فعلوم الثورة تؤكد أن الإحساس بالظلم لا الظلم نفسه هو الذي يؤدي إلي الثورة. وبالرغم من أن العقد الاجتماعي للنظام كان قولوا ما تشاءون وسأفعل ما أشاء فإن حرية القول والكتابة والتعبير لم تكن مكفولة بدرجة من التليفزيون والإذاعة والصحف القومية أو فلنقل الحكومية. ولم يكن متصورا أبدا أن يقدم المسئولون عن هذه الوسائل الإعلامية علي نقد النظام أو كشف تجاوزاته خشية أن يفقدوا امتيازاتهم وهي كثيرة جدا جدا. وكان النظام يعرف هذه الحقيقة كما يعرفها كل المسئولين الإعلاميين, وكانت قاعدة التعامل اعطني تأييدا مثلما أعطيتك نفوذا وسطوة وثراء. وكان هؤلاء المسئولون في معظمهم أسري النظام وكانوا في حرصهم علي إستمراره, يحرصون علي ما هم فيه من نعيم. واقتناعا بسوء الأوضاع ورفضا لتسلط أهل الحكم وبشاعة عمليات الفساد والإفساد انطلق كثير من أهل الكلمة والسياسة والنشطاء للعمل من أجل التغيير.ولم يتوقفوا عن دق المسامير في نعش النظام. ولم تتوقف هذه الحملات الإعلامية والسياسية, وواصلت فضح الفساد والتضليل وتزييف إرادة الناس بعمليات تزوير انتخابية مفضوحة.ويوما بعد يوم, يتزايد حجم إحساس الناس بالمظالم ويتصاعد مؤشر السخط ويتضاعف الغضب بفضل هذه الجهود. وكان الكل يعزفون مقطوعة واحدة, ولم يغب عن عيون المراقبين في الداخل والخارج حالة الغليان التي عاشت مصر تحت وطأتها, وتوقعت الأغلبية منهم انفجارا ما. وكنت واحدا من هذه المجموعة التي أسهمت في تمهيد الأرض أمام التغيير القادم, فعلي امتداد سنوات تحملت مسئوليتي وأديت دورا في نشر الإحساس بالظلم وإضاءة الطريق أمام الحالمين بالتغيير و بالعدالة والديموقراطية والحرية وفي حياة أفضل وباختصار كنت صوتا من آلاف أو عشرات الآلاف من الأصوات التي مهدت الطريق ولكن الأفضل بين كل هؤلاء من دفعوا الثمن من حياتهم أي سقطوا شهداء علي الطريق ومن تعرضوا للتعذيب أو للأذي أو عاشوا ضيوفا داخل المعتقلات والسجون. وسأتوقف قليلا أمام بعض ما كتبته, فتحت عنوان القائد الندرة انتقدت ظاهرة الرئيس الذي يؤلهه المنافقون, ومع استقراره علي مقعد السلطة يصدق ما يضفونه عليه من صفات العبقرية والذكاء وأنه رجل الأقدار ومبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الوطن وأن الأرض لم تنجب من يصلح للحلول محله. وفي ظل هذا المناخ, تبرز علي السطح ظاهرة القائد الندرة والزعيم الضرورة, وتسطع شمس الأوصاف التي لا تطلق علي البشر عادة. ويوم61 فبراير5002 وتحت عنوان تطلعات أبوية هاجمت فكرة التوريث والتحول إلي جمهوريات ملكية مثل توجو وكوريا الشمالية وسوريا والكونغو الديموقراطية. وقبلها بأسبوع أي يوم9 فبراير عالجت قضية تحول الديمقراطية إلي ضحية علي أيدي الحاكم ثم يأتي الدور علي المواطن الذي يتحول إلي ضحية أخري في ظل صراع الثوار ومن يخلفونهم علي مقاعد الحكم. وعن التناقض بين الخطاب السياسي والواقع, كتبت تحت عنوان تناقض إصلاحي يوم2010/11/3 قائلا إن الحديث عن الديمقراطية لا يتوقف. أما علي أرض الواقع, فهناك من يتحفظ ويطالب بالتدرج وسياسة الجرعات ومراعاة ظروف المجتمع وتقاليده وعاداته, وفي الوقت نفسه لا يقبل أبدا بمبدأ تداول السلطة. ويوم13 نوفمبر2010, أوضحت أن العالم العربي لا يعرف شيئا اسمه حرية الصحافة بل لا يريد السير علي طريق حرية الكلمة. وتحت عنوان المجتمعات.. والنخبة.. وأهل الحكم أوضحنا يوم13 أكتوبر2010 حقيقة وزن ودور النخبة في المجتمعات بقولنا: المفكرون والمثقفون والكتاب والمبدعون والعلماء وأساتذة الجامعات والنشطاء ونقابات المحامين والأطباء والمهندسين والصيادلة وغيرها ورجال الأعمال والغرف التجارية والصناعية والسياسيون وقادة الأحزاب وعلماء الدين الإسلامي ورجال الكنيسة والفنانون وغيرهم يشكلون الصفوة أو النخبة وهم العمود الفقري لحركة التقدم وقادة التنوير والقوة المؤثرة علي حركة الحياة. وإقدام النظام السياسي علي الصدام مع النخبة الموجودة والعمل علي تصفيتها وحصارها سيؤدي إلي حرمان المجتمع من نخبته أي من عموده الفقري وسيميت حيويته ليحل محلها جيش من المنافقين والانتهازيين والنصابين, وفي بريد الأهرام سخرنا من اسلوب التصويت بمجلسي الشعب والشوري بالقول تنتمي عملية التصويت برفع الأيدي داخل مجلسي الشعب والشوري إلي عالم انطوت صفحته واختفي من الوجود تماما في كل أنحاء العالم تقريبا فيما عدا مصر المحروسة وقد اخترنا عنوانا لهذا النقد لعملية التصويت بهذه الصورة مادة للضحك. ولجأنا لإضاءة بعض التجارب الخارجية الناجحة لدول من العالم الذي ننتمي إليه, لنفتح الباب أمام المقارنة بما يجري في مصر والعالم العربي, وتحت عنوان درس مانديلا قلنا يوم30 يناير2005, إن الانتقال من دولة تفرقة عنصرية إلي نظام سياسي يستند إلي حكم الأغلبية وتداول السلطة والشفافية والتعددية الحزبية والعرقية وحرية الرأي والكلمة والمعتقد ونبذ الاستبداد ورفض الديكتاتورية تم في ظل توقعات ببدء موجات ثأر دموية متتالية من البيض كرد فعل علي سنوات الاضطهاد والعذاب والحرمان والإذلال, إلا أن مانديلا ببعد نظره وحكمته وبراعته تمكن من لجم الرغبة في الثأر من البيض ونجح باقتدار في إجراء مصالحة تاريخية بين البيض والأفارقة للحيلولة دون انهيار الدولة وركز علي أن الحرية هي صمام الأمان للجميع وسياج للانتماء الوطني. ويوم28 سبتمبر2005 وتحت عنوان ما بعد الانتخابات, طالبنا بدستور جديد يعلي من شأن الديمقراطية والحرية والاقتصاد الحر والشفافية ويحمي الفقراء والمستضعفين وبأن تكون فترة رئاسة الرئيس فترتين مدتهما ثماني أو عشر سنوات ويضمن للمواطنين المشاركة في صناعة القرار والسياسة. وتساءلت يوم7 يوليو2010, لماذا لا يرحلون؟ فقلت عن الحكام إذا كانوا يرفضون الاستسلام لمنطق التقدم في العمر فإنه لا يمكن لأحد أن يتوقع أن يستسلموا لمنطق الأحداث, فهم سكاري بالسلطة وعشاق لها, وأدمنوا ما بها من سحر وبهاء وتسلط ونفوذ. وأسوأ أنواع هؤلاء الحكام من يتصور أنه مبعوث العناية الإلهية. وتحت عنوان من غش وجد النقيض للمثل القائل من جد وجد قلت يوم8 يوليو2009 إن الغش أصبح هو القاعدة وأوضحت أن المتغيرات التي تعيشها مصر تجعلنا نعيد صياغة الأمثلة الشعبية لنقول من ارتشي وجد و من صاهر أو ناسب وجد و من أصبح من المؤيدين وجد و من كتب التقارير أو مارس الدس وجد. المزيد من مقالات عبده مباشر