سقط النظام وسقط معه الجهاز الأمني واجهزة الحكم المحلي, والكثير من الاجهزة الخدمية والإنتاجية, غير ان الدولة ظلت باقية بقوة وصلابة شعبها أولا وقواتها المسلحة ثانيا, وجهازها القضائي ثالثا, ومن المهم الآن ان يحافظ الشعب علي قواته المسلحة التي حمت الثورة وحافظت. عليه ولم تلوث ايدي قواتها بدماء الشعب كما يحدث في اليمن وليبيا وسوريا, وربما تكون هناك بعض الاخطاء, وهذا امر وارد في مثل تلك الظروف, غير انه وفي كل الاحوال, فقد حافظت القوات المسلحة علي ثوبها ناصع البياض لتظل كما كانت وعبر تاريخها الطويل منذ عرابي وحتي الآن قوات مصر المسلحة, وليست قوات النظام أي نظام .. مهمتها الدفاع عن تراب مصر وشعبها وحماية منشآته ورعاية مصالحه. الجناح الثاني لبقاء الدولة المصرية هو قضاء مصر الشامخ الذي كان ولايزال حصن العدالة.. لايخشي سلطانا جائرا.. ورغم انه تعرض لمذبحة قاسية في اغسطس1969 حينما قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالتخلص من مائتين من قضاة مصر وعزلهم بالمخالفة للقانون نتيجة تقارير من اعضاء التنظيم الطليعي آنذاك تتهم القضاة بالعداء لنظام23 يوليو, فإنه رغم ذلك ظل القضاء شامخا يحكم ببطلان الانتخابات المزورة, ويصدر الاحكام بعدم دستورية إلغاء الاشراف القضائي, ويلزم النظام السابق بضرورة تخصيص قاض لكل صندوق قبل التعديلات الدستورية الجائرة عام2007, كما ان القضاء هو الذي اصدر احكام بفتح معبر رفح, وإلغاء الحرس الجامعي, وعدم تصدير الغاز إلي العدو الإسرائيلي, وغيرها من الاحكام المجيدة التي سجلها التاريع القضائي بحروف من نور دون ان ترتعش أيدي القضاة الشرفاء أو يخافوا بطش الحكام رغم كل محاولات التضييق والتعنت. الآن هناك محاولات للوقيعة بين الجيش والشعب ممن يريدون ان تسير الدنيا علي هواهم فقط بغض النظر عن رأي الشعب ونتيجة الاستفتاء.. المهم ان يكون صوتهم هو فقط المسموع والمصدق وإلا قامت الدنيا ولم تقعد وانطلقت اتهامات التخوين ومطالبات الاقصاء. امتدت محاولات الوقيعة إلي محاولات بث عدم الثقة بين القضاء والشعب حينما انطلقت اتهامات بطء المحاكمات, ونسي هؤلاء ان القاضي لايحكمه إلا ضميره والقانون, وان الحديث عن السرعة والبطء يجافي روح العدالة, كما ان وقوع القاضي تحت تأثير الرأي العام يفقده الحياد, وبالتالي فإنه من المهم توفير المناخ الملائم للمحاكمة العادلة التي إذا حكمت بالإعدام فإنها تحكم بذلك علي المتهم الذي يستحق الإعدام وليس خوفا من الرأي العام, والعكس إذا حكمت بالبراءة فإنها تحكم بذلك تماشيا مع القانون وليس لشيء آخر. هذه هي اسس المحاكمة العادلة التي نتمناها, لأنه لن تكون عادلا ابدا إذا قبلت الظلم للآخرين, وحتي الذين وقع عليهم الظلم ولانهم ذاقوا مرارته لايمكن ان يقبلوه للآخرين. ارفعوا ايديكم عن القضاء, واتركوه يعمل في هدوء يقتص من الظالمين والفاسدين, ويقيم اركان العدل دون إرهاب أو ضغوط. الاخطر من هذا كله هو محاولة الوقيعة بين الجيش والقضاة كما يحدث في السجال الدائر الآن بعد احالة المستشارين حسن النجار وعلاء شوقي وأشرف ندا إلي جهاز التفتيش القضائي للتحقيق معهم بعد ادلائهم بتصريحات اعتبرتها المؤسسة العسكرية اهانة للقضاء العسكري, وقد تصاعدت الأزمة لتطول وزير العدل هو الآخر وتزداد المشكلة تعقيدا بينه وبين المستشارين الثلاثة وعدد من اعضاء الجمعيات العمومية لنوادي القضاة المؤيدين لهم. اتفق مع ماقاله المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض وعضو مجلس القضاء الأعلي في ان الأمر لم يصل إلي الازمة لان الأزمة الحقيقية ستقع عندالمساس بأي من القضاة الثلاثة, وهو مالايقبله احد. كانت هذه هي التطورات حتي كتابة هذه السطور واتمني ان ينتهي الأمر عند هذا الحد, فالقضاء العسكري له دوره المهم في محاكمات البلطجة والإرهاب التي نعاني منها الآن بشدة وهو احد اضلاع منظومة القضاء المصري الشامخ. من حق القضاة الثلاثة أو غيرهم ان يعبروا عن وجهة نظرهم بكل حرية في محاكمة المدنيين امام المحاكم العادية, وفي الوقت نفسه يجب ان نرفض الفتنة والوقيعة بين القضاء المدني والعسكري أو بين القضاء والجيش لانهما القدمان المتينتان اللتان يسير عليهما الشعب المصري كله في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ مصر وإذا حدث مكروه لاقدر الله لأيهما تبقي النتائج كارثية علي مستقبل هذا الشعب. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة