سيدي الفاضل... أبعث إليك بدون تردد كما يقول معظم من يرسلون إليك بمشكلاتهم, والسبب هنا أن مشكلتي قد يواجهها العديد من الأسر في زماننا هذا. سيدي أنا رجل في بداية الخمسينيات. علي درجة عالية من العلم والثقافة والاستقرار المادي, ومتزوج من سيدة فاضلة وعلي مشارف العيد الثلاثين لزواجنا, هي من عائلة كبيرة محترمة, أشكر الله كثيرا علي تلك الزوجة التي يتوافر فيها الجمال وحسن الخلق والثقافة, وقد من الله علينا بذرية صالحة بولد وبنتين مثال للجمال والأدب, لدرجة أنني أدعو الله قياما وقعودا أن يحفظ لنا هذه النعم. نعيش حياة سعيدة هانئة مبنية علي الاحترام والمحبة والتفاني في إسعاد كل منا للآخر, لدرجة أن جميع معارفي يحسدونني عليها, وجميع معارفها يحسدونها علي, ولايصدقون انني أحضر الإفطار لزوجتي يوميا ومنذ ثلاثين عاما بعد صلاة الفجر في السرير, وبالمقابل تتفاني هي في خدمة الأسرة طوال النهار. أين المشكلة؟ سيدي الفاضل كلانا من أسر عريقة ومتدينة, ولكن معتدلة, نؤدي جميع فرائضنا وتكاليف ديننا الحنيف بكل التزام ولكن بوسطية, ونتباري أحيانا في حفظ ما تيسر من كتاب الله, ونرضي الله في كل أعمالنا, زوجتي وبناتي محجبات, ولكن بدون أن أفرضه عليهن, بل بكامل اختيارهن. المشكلة يا سيدي أن لزوجتي صديقة مقربة فاضلة منتقبة بدأت في دعوة زوجتي لحضور دروس دينية بمنزلها تلقيها عليهم سيدة لا أعرفها, لاحظت من كلام زوجتي عن تلك الداعية أنها تدعوها للبس النقاب, فكان ردي عندما استفسرت عن تلك الداعية أن وجدتها أقل منا علما وثقافة بشكل كبير, وبدأت تلك الداعية تشكك في درجة إيماني لأنني أعارض أن ترتدي زوجتي النقاب, شرحت لزوجتي الناحية العلمية وخلفية ظهور النقاب في مجتمعاتنا, وقلت لها انه مستورد من مجتمعات بيننا وبينهم فجوة حضارية كبيرة, ولايجوز أن نحتذي بهم, وأثبت لها بالدليل القاطع أن تلك السيدة محدودة العلم والأفق, بدليل أنها استرشدت في إحدي محاضراتها بالانحلال لدي بعض الأسر المعروفة بالاسم, وقلت لها هذه الفعلة غيبة يعاقب عليها الدين, ووصل النقاش بيننا إلي ان قلت لزوجتي من يوافق علي ارتداء زوجته النقاب فهو إما لا يثق في نفسه أو لا يثق في زوجته, وأنا لا هذا ولا ذاك.. سيدي أخشي من تأثر زوجتي وبناتي من فكر تلك الداعيات الساذجات محدودات الأفق, وأرجو ألا تدخروا جهدا في مقاومة تلك الموجات المتخلفة الرجعية التي تريد أن تطفئ شموع الحضارة وسبل التنوير والتقدم في عقولنا. * سيدي.. لا أريد أن أناقش هذا الأمر من منظور ديني, لأنني لست عالما دينيا, ومناقشة مثل هذه الأشياء لا تجلب إلا الجدال وتنقل حواراتنا الي مناطق ظلامية بعيدة عن سماحة الدين أو عصر العلم الذي يجب ان ننتمي ونسعي اليه. فأمر النقاب ليس هو أهم أو إحدي أولوياتنا الآن, ومع ذلك فرض نفسه لأسباب سياسية وصراعات مشايخ علي الفضائيات, وإن كان علماء الأزهر الشريف استقروا علي ان النقاب ليس فرضا دينيا وأنه زي للاحتشام. وحتي لا يجرفنا الجدل, من تريد أن تلبس النقاب لمزيد من الاحتشام فلتفعل, مادام هذا القرار لن ينعكس علي آخرين بالسلب, وهذا هو المنطق الذي أريد أن اناقش فيه زوجتك الفاضلة والتي قضت معك ما يقرب من ثلاثين عاما, تراعي الله في سلوكها وتصرفاتها, ولم تشعر هي أو من حولها بأنها تقصر في الطاعات والواجبات, فإذا سارت الحياة كل هذا العمر بدون معاص وفي سعادة, فما الذي حدث الآن حتي تبحثي عما يثير الجدل والخلاف مع زوجك.. ولماذا وانت تعيشين في مجتمع محافظ بطبيعته وفي هذه السن تفكرين في النقاب؟ سيدي.. ليس لي ان أقيم داعية دينية ولا أناقش أفكارها بدون سماعها أو عرض ما تقول علي العلماء, ولكن اذا كان ما ذكرته صحيحا وإذا كانت تحرض زوجتك بعد هذا العمر للخروج علي طاعتك, فلك ان تمنع زوجتك من هذه الدروس, والبرامج الدينية التي تصل الي البيوت عبر عشرات القنوات, والاهم ان تختار العلماء الثقاة لتسمع اليهم, وأعانك الله وحفظ سعادتكم. وإلي لقاء بإذن الله.