زمن الضباع.. رواية بطلها ثعلب صغير كان يحيا في الغابة الواسعة مع جميع الحيوانات الاخري, يفاجأ صباح أحد الأيام بأن ملك الغابة ليس أسدا حتي ولو كان له مظهر الأسد. وتتوالي مفاجآته علي مدار فصول الرواية لنجد حيوانات غريبة تجلس علي عرش الغابة, ولكنها لا تستطيع أن تملأ الفراغ الذي تركه الأسد علي اعتبار انه رمز ملك الغابة ليس هذا فقط وانما في حياة هذا الثعلب المسالم دوما الثائر احيانا والذي يبحث كأي كائن آخر عن مكان لحياة كريمة ولكن للأسف في غابة. ومنذ البداية ندرك ان رواية زمن الضباع للروائي أشرف العشماوي لا تتحدث عن غابة حقيقية أو عن حيوانات فعلية فقد سمحت لنا الرواية بذكاء شديد ان نركب السيارة مع الثعلب وأن نحضر المراسم والاحتفالات بتنصيب وحيد القرن واستمتعنا بتصاميم المباني التاريخية وأطلق لخيالنا العنان لتقبل الحيوانات وهي تتحدث في الهواتف بل وابتسمنا أحيانا وضحكنا أحيانا أخري, ونحن نتخيل الحيوانات التي تجلس علي الكراسي وتستمع الي الخطب وتناقش وتفكر وتخطط وتتآمر علي بعضها البعض, ثم تنقلنا العبارات القصيرة من رحاب الغابة الي مزرعة حتي تستقر بنا في واحة, وهي الأماكن التي انتقل اليها الثعلب بطل الرواية للعمل في ظل الظروف الجديدة, وبين حيوانات هذه المناطق علي اختلافها لنجد أنفسنا, وكأننا قد دخلنا الي عالم سحري نتابع أحداثها ليس كقراء بل كمشاهدين, وأبطال فيها أيضا في أحيان كثيرة, لا نستطيع ان نمنع أنفسنا من التعاطف مع الثعلب الذي يعمل بجد ويتفاني ويبحث بكل طاقته عن الاتقان الي حد الانصهار في أداء عمله رغبة في ارضاء نفسه أولا ثم رؤسائه ثانيا, وأثناء ذلك ينسي وننسي معه انه ثعلب فيتحول الي كائن مفكر متأمل يرصد حال مجتمعه الصغير الذي يعكس حال مجتمع كبير ويختلط فيه الجميل بالقبيح, الخير بالشر, العمل والكسل, الخيانة والشرف, العدل بالظلم.لقد بدأ الكاتب أحداث روايته في الغابة وانتهي بها في الصحراء وربما قصد بذلك توضيح المتناقضات الموجودة في الحياة والاختلافات التي قد يواجهها الانسان ليتكيف ويعيش سواء في الغابة أو الصحراء أو ربما يكون تعبيرا منه عن الجفاء الذي ينتظر البطل في المراحل المختلفة التي تمر عليه أو الخواء العاطفي والنفسي الذي قد يشعر به الانسان اذا رحل الوفاء وغاب المثل الأعلي وانهارت القيم وحل الضبع محل الأسد في جميع مناحي الحياة لتتراكم ارهاصات الثورة وتجلياتها التي رأيناها في يناير.2011 وإذا كان المؤلف قد تنقل بنا واصطحبنا معه الي عدة أماكن تصور أنها اركان لهذه الغابة فإنه قد فعل خيرا فقد جعلنا نتعايش مع حياة الكائن الصغير وسط الكائنات التي تكبره في الحجم ولكنها لا تملك من وجهة نظره رجاحة عقله وحكمته, وإذا كان الثعلب قد تصالح مع نفسه وعرف ماينقصه فإننا يجب أن نفعل مثله ونبحث كذلك عما ينقصنا, وإذا كان المؤلف قد رمز للشيء الذي يحتاجه كل منا ليكمل ما ينقصه بالأسد فإننا يجب( ان نبدأ بالبحث عنه في داخلنا أولا ثم نختار نحن وعشيرتنا من له مواصفات الأسد ليحكمنا, بغض النظر عمن يكون!), ويمكن ان نقترب أكثر من رموز الرواية ودلالاتها اذا عرفنا ان المؤلف أشرف العشماوي عمل كمستشار بمحكمة استئناف القاهرة وقاض عمل بالمحاكم الجنائية والمدنية ومن قبلها محقق في قضايا رأي عام شهيرة علي مدي عشرين عاما مضت وكيلا للنائب العام, كما سبق له الانتداب مستشارا قانونيا بمركز معلومات مجلس الوزراء وهيئة الاثار المصرية ووزارة الثقافة, كما ان النص هو العمل الأدبي الأول له الذي بدأ في كتابته منذ سنوات وظل يضيف اليه فصولا ويحذف مشاهد ويستبدل اخري حتي خرج لنا هذا العمل في صورته النهائية وكأنه ولادة عثرة لكنها تؤكد بواعث الثورة وأسبابها في العصر الحديث.