ولاية الحاكم علي شعبة ليست مطلقة بل هي مقيدة, وهناك قاعدة فقهية مشهورة تقول( التصرف علي الرعية منوط بالمصلحة), وهذه القاعدة ترسم حدود الإدارة العامة والسياسة الشرعية في سلطان الولاة وتصرفاتهم علي الرعية, فيجب أن تبني علي مصلحة الجماعة وتهدف إلي خيرها. يقول الدكتور لطفي عفيفي, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر إن الولاة من أول الخليفة أي رئيس الدولة فأقل منه من العمال والموظفين في فروع السلطة الحكومية ليسوا عمالا لأنفسهم, وإنما هم وكلاء عن الأمة في القيام بأصلح التدابير لإقامة العدل ودفع الظلم وصيانة الحقوق والأخلاق وضبط الأمن ونشر العلم وتطهير المجتمع من الفساد وتحقيق كل ما هو خير للأمة في حاضرها ومستقبلها, وهذه القاعدة مستمدة من قول الرسول صلي الله عليه وسلم:( من ولي من أمور أمتي شيئا ثم لم يجتهد ولم ينصح فالجنة عليه حرام). فكل من ولي ولاية الخلافة أي رئاسة الدولة فما دونها إلي ولاية الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا لجلب مصلحة أو درء فساد, يقول تعالي:( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن), فإذا كان الشرع قد أوصي بالتعامل مع مال اليتيم بالحسني ومراعاة الصالح له, فأولي أن يثبت في حقوق عامة المسلمين فيما يتصرف فيه الأئمة من الأموال العامة لأن اعتناء الشرع بالمصالح العامة أوقر وأكثر من اعتنائه بالمصالح الخاصة, وكل تصرف جر فسادا أو دفع اصلاحا فهو منهي عنه تماما, كاضاعة المال بغير فائدة, يقول الشافعي رحمه الله:( منزلة الإمام من الرعية منزل الولي من اليتيم), وهذه العبارة في أصلها مأثورة عن عمر بن الخطاب, حيث قال بعد أن تولي خلافة المسلمين:( إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت فإذا أيسرت رددته, فإن استغنيت استعففت) والمستفاد من القاعدة الشرعية سالفة الذكر أنه ليس لولي الأمر أن يعفو عن عقوبات الحدود مطلقا ولا عن غيرها من الجرائم أو العقوبات إذا كان في ذلك تشجيع علي الإجرام واستخفاف بنتائجه, كذلك لا يحل له أن يسمح بشيء من المفاسد المحرمة شرعا كالفسق والخمر والقمار ولو بحجة جباية الأموال والضرائب منها, ولا يصح له أيضا أن يعين مسئولا غير أمين أو غير كفء وخاصة إذا كان في الأمة من هو أجدر وأحق بهذا المنصب, كذلك عليه الحفاظ علي ممتلكات الأمة وصيانتها وتنميتها بما يحقق السعادة والرخاء. ويؤكد الدكتور لطفي عفيفي أنه لا يجوز أن يتصرف الحاكم تبعا لهواه بما يفوت المنفعة لشعبه ورعيته, فهي سلطة مقيدة بالمصلحة وجلب الخير ودرء المفسدة.