منذ أن اندلعت ثورة 25 يناير ظهر دعاة السلفية علي الساحة الدينية لفرض أفكارهم علي المجتمع ومن ضمنها رفضهم تولي قبطي أو امرأة منصب الرئيس.. وما أن تم تعيين محافظ قبطي لقنا حتي خرجت مظاهرات ترفض أن يتولي هذا المنصب مسيحي. السؤال الذي يفرض نفسه ما هي شروط الولاية العامة مثل الرئاسة والمناصب العامة وما موقف الدين من هذه القضية وهل الحكم في هذا الشأن يعتمد علي المادة الثانية من الدستور التي تنصب علي الهوية الإسلامية لمصر وغير ذلك من هذه الأسئلة. في البداية أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في المؤتمر الصحفي الذي عقده الثلاثاء الماضي بمشيخة الأزهر انه لا يجد مبررا لأحداث قنا وأنه أمر عادي أن يأتي محافظ قبطي مصري لهذا الاقليم أو ذاك حيث ان ذلك لا يمثل مشكة علي الاطلاق وأنه سيبذل قصاري جهده للاتصال بأهالي قنا لحل هذه المشكلة. أوضح د. الطيب ان الأزهر سيعقد مؤتمرا خلال شهر بعنوان "مستقبل مصر إلي أين" سيتم دعوة كل التيارات لمحاولة الوصول إلي خطاب ذي قسمات مشتركة وتصب في مصلحة الناس والأمة العربية والاسلامية مدافعا عن موقف الأزهر ازاء تحركات بعض التيارات مؤخراً بقوله: "نحن ننشر الفكر الوسطي المعتدل. دورنا هو النصح والإرشاد والأزهر لا يبحث عن كرسي حكم ويبلغ دعوته بالحسني والموعظة الحسنة. يقول د. محمد فؤاد شاكر أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة عين شمس استخلف الله الانسان علي الأرض وسخر له ما في الأرض جمعيا ليقوم علي خدمته وأستأمنه علي دينه وعقله وما بين يديه من نعم الله كالمال والعدل وما يشابهه كالوطن والمجتمع وأراد الله سبحانه وتعالي ان يوضح لنا ان الانسان لا يستطيع ان يعيش منعزلا عن بني جنسه أما ان ينتفع مما بين أيديهم واما ان ينتفع بما لديه ونظم القرآن حركة الحياة وجاء نبينا صلي الله عليه وسلم بعد هجرته إلي المدينة لينظم الدولة الإسلامية فأقام ركائزها علي العدل والمساواة وألا يولي رسول الله إلا من كان قادرا علي هذه الولاية.. ولهذا ولي كثيرا من أصحابه في صدارة الامارة لما رأه صلي الله عليه وسلم من حسن قيامهم بما ولاهم إياه. لقد ولي أسامة بن زيد وهو في السابعة عشرة من عمره قيادة جيش المسلمين وفي صفوف المقابلين أبوبكر وعمرو وكبار الصحابة. وكان نبينا صلي الله عليه وسلم اذا طلب أحد أصحابه الولاية لا يوليه إلا إذا علم أن فيه شروطا للقيام بهذا العمل الهام فأصبح الانسان المسلم يعمل من خلال طالب الولاية لا يولي.. ولم ينظر الاسلام بعد ذلك إلي قضايا الخلاف العقائدي فهو يختار الانسان الكفء بغض النظر عن معتقده ولذلك استخدم النبي صلي الله عليه وسلم كثيرا من غير المسلمين ليتولوا ما هم قادرون علي القيام به واستعان بالأطباء من غير المسلمين وأصبح الخلفاء من بعده يطبقون قواعده وما أصله حتي ان بعض خلفاء بني أمية جعلوا كتاب الامارة أو الخلافة غير مسلمين مع ما يصاحب ذلك من خطر علي أسرار الدولة وقرارات الخلافة وكان الخلفاء رضي الله عنهم مثلا في ذلك ليعلمونا سماحة الاسلام ورحابة تشريعاته. أكد د. شاكر أن الولاية في الاسلام تشترط فيمن يقوم بها أن يكون قويا في تنفيذ قرارات الولاية وألا يحابي أهله علي حساب مصلحة الدولة وأن يكون أمينا علي المال العام فلا يمدن يده الا لما أحل له.. وبهذا ضرب الاسلام مثلا كريما في نشر هذه المبادئ بين الناس وفي ارساء قواعد العدل والمساواة بين العباد. تخضع للمصلحة يؤكد د. أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أنه من المقرر شرعا ان أمور الولايات تخضع للمصلحة في الاسلام وهي علي أنواع هناك ولايات عامة كالحاكم ومن يفوضه في مؤسسات وأجهزة معينة كولاية القضاء والحسبة وما شابه ذلك من ولايات ترجع في الجملة إلي شئون تنفيذية وهناك ولاية خاصة كولاية الأب علي أولاده وما مثل ذلك. وبالنظر في هذه الواقعة فإن منصب ومهمة محافظ اقليم يعد من الأمور الادارية التي يشترط لها الكفاءة دون نظر إلي ديانة أو مذهب.. فالقاعدة النبوية "أنتم أدري بشئون دنياكم" وما قاله الفقهاء حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله وفي التاريخ الديني فقه المسلمون الأوائل ذلك في مختلف عهود ما يمكن تسميته بالدولة الاسلامية. لقد أسندوا مهاما في الوزارة وأمور الجباية والأنظمة المتعددة في الدولة لغير المسلمين. ويكفي أن مع قدوم الفاطميين للقاهرة كان يعقوب بن كلس يهوديا ومن المفارقات أنه هو الذي أشار ببناء الجامع الأزهر وتولي صيارفة بل ووزراء من غير المسلمين في العهد الأموي والعباسي والفاطمي سواء في شبه جزيرة العرب أو الشام أو العراق أو مصر.. فلم يجعل الاسلام الديانة مانعا من هذه المناصب. أما ما يزعمه "المتسلقة" وهم نتاج الفكر الوهابي البدوي كما يقول د. كريمة فهذا انتاج ثقافة البدو والأعراض الذين ينظرون إلي المجتمع نظرة ذكورية فيعلون شأن الذكر علي حساب الأنثي ولجهلهم بالشريعة الإسلامية لم يعرفوا أن ولاية الحسبة أو كلها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سوق المدينة إلي امرأة تدعي "الشفاء" وأن السيدة "سكينة" رضي الله عنها كانت محكمة بين الأدباء وأن السيدة نفيسة رضي الله عنه كانت المرجعية الحديثية للامام الشافعي رضي الله عنه وغاب عنهم ان شجرة الدر المرأة الحازمة العاقلة قادت مصر أمام الحروب الصليبية في وقت عصيب وصرفت أمور الدولة منعا من الانهيار بوفاة زوجها الملك وأين هم من ذكر حاكمة اليمن في القرآن الكريم والتي مدحها القرآن الكريم وبين رجاحة عقلها قال تعالي "قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتي تشهدوه قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر اليك فانظري ماذا تأمرين". وقد قادت السيدة عائشة رضي الله عنها جيشا من المسلمين في أحداث داخلية وهذا دليل علي صلاحية المرأة للامارة. أما عن غير المسلم فهناك التأويل الخاطئ لقول الله تعالي "ولم يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا" فالآية تدل علي الخلافة العظمي وهي ليست موجودة الآن. وعلي فرض كما يقول د. كريمة ان الآية تتحدث عن ولاية الحاكم فالدلالة ظنية وليست قطعية بمعني قابلية للاجتهاد والقاعدة الفقهية تقرر "لاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان" وبهذا يبطل الزعم المتسلف الذين لا يملكون خبرة فقهية ولا يعرفون فقه المصالح ولا فقه المقاصد ولا فقه الأولويات. وعلي ضوء ما ذكر فيجوز لغير المسلم أن يتولي الولايات العامة والخاصة حتي توافرت فيه شروط الكفاءة.. وكذلك يجوز للمرأة ذات الشئ فالأدلة والقواعد الشرعية تستند إلي معيار الكفاءة وفقط. أربعة أمور يقول د. حمدي طه رئيس لجنة الإعلام بنقابة الأشراف ان هناك أربعة أمور في هذه الفقيه .. الأول اذا كان هناك حكم مدني وحكومة مدنية وانتخابات حرة عبر الصناديق فللشعب ان يقرر ما يختاره سواء كان مسيحيا أو مسلما.. الأمر الثاني أنه يجب ان نعلم ان أمراء المؤمنين كانوا يستعيدون بذوي الخبرات من غير المسلمين سواء كانوا يهودا أو مسحيين وهذا أمر معروف عبر التاريخ خاصة في عصر ازدهار الدولة الاسلامية.. الأمر الثالث ان المحافظ ليس حاكما وانما هو مندوب للحاكم وطالما أننا فوضنا الحاكم ان يعين في تلك المواضع ما يشاء فيجب علينا ان نحترم رأيه ولا نخالفه في ذلك لأنه مفوض اليه مصلحة الأمة ومن حقه ان يضع في كل مكان من يري فيه مصلحة للأمة. الأمر الرابع حتي تتجنب مثل هذه الاشكالات وخاصة في هذا الوقت غير المستقر فواجب علي القائمين علي أمر الأمة لن يتخذوا مما عليه الدول الأجنبية مثالا يحتذي في هذا الشأن لذلك أطالب بأن يكون المحافظون بالانتخاب الحر المباشر وهذا يعود علي الأمة والمحافظ بالخبر.. يعود علي الأمة في أنها تختار من يتولي أمرها وتري فيه صلاحها ويعود علي المحافظ بأنه يضع نصب عينيه مصلحة الدين انتخبوه فلا يميل إلي فئة دون أخري لأنه يعلم علم اليقين بأن الشعب الذي أجلسه علي هذا الكرسي لن يعاود انتخابه مرة ثانية ان لم يقم بالمصلحة العامة للشعب وهذا ما حدث في الأعوام السابقة اذا ان ولاء المحافظين كان للحاكم وكانوا يعتبرون أن الشعب مجموعة من الرعاع لا يبالون لهم بالا ولا ينصتون إلي أصواتهم لأنهم يرون ان صاحب الفضل عليهم هو من ولاهم في تلك المناصب فكان بعض المحافظين ديكتاتورا مستبدا ولقد صنع المجلس الأعلي للقوات المسلحة خيراً بأنه أزاح تلك الطواغيت "المحافظين" "السابقين" لأنهم أعوان الحاكم المخلوع. كما يجب علي المجلس العسكري ان يقوم بتغيير جميع رؤساء الاحياء لأنهم كانوا طواغيت للمحافظ يأتمرون بأمره وأمرهم كان موكولا اليه. كما أن أمر المحافظ كان موكولا لرئيس الجمهورية أي كان بعضهم يعبد بعضا ونسوا بأن الشعب له الله الواحد القهار الذي أزاحهم في هزة بسيطة مصداقا لقوله تعالي "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء".